الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

تراثيات.. طه حسين يتساءل: ماذا لو طال العمر بالفاروق؟

طه حسين
طه حسين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لمَّا أدرك الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن أجله قد قرب بعد طعنةٍ على يد أبي لؤلؤة، اختار من بعده 6 من خيار الصحابة: على بن أبي طالب، عثمان بن عفان، طلحة بن عبيد الله، الزبير بن العوام، سعد بن أبي وقاص، عبدالرحمن بن عوف؛ وذلك ليستقروا على خليفة من بينهم في غضون ثلاثة أيام.
وتناول عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين أحداث تلك الفترة بالتحليل والاستقراء في الجزء الأول من كتابه الرائع "الفتنة الكبرى"، ورأى أن هذه الطريقة التي وضعها الفاروق كانت تمهيدا لبناء نظام برلماني وديمقراطي يسبق منظري السياسية في العصر الحديث، كما أكد أنه لو أتيح لعمر بن الخطاب أن يبقى بعد الطعنة مدة لاستطاع أن يطور نظام المشورة الذي وضعه بصورة مرضية للغاية.
يقول طه حسين: ولو قد وسَّع عمر مجلس الشورى وأكثر فيه من أمثال عبد لله بن عمر من أولئك الذين يحضرون الشورى ويشاركون فيها ولا يكون لهم من الأمر شيء؛ لكان من الممكن ألا يتعرض مجلس الشورى لما تعرض له من الشك والاختلاف، وأكاد أعتقد أن الخير قد كان يكون لو تصور عمر مجلس الشورى لا على أنه مجلس مؤلف من المرشحين أيهم انتخب فهو خليفة، بل على أنه مجلس مؤلف من المشيرين الذين تعرض عليهم أسماء هؤلاء الستة ليختاروا من بينهم رجلًا يستخلفونه. ولم يخطر لعمر رحمه لله ولم يخطر للمسلمين من بعده أن الأنصار كانوا خليقين أن يشهدوا الشورى، وأن يكون لهم أن يقولوا رأيهم ويشاركوا في الاختيار بين المرشحين، فقد نعلم أن الإمامة في قريش ما دام المسلمون قد اتفقوا على ذلك، ولكن لا نعلم أن معنى هذه القاعدة أن قريشًا وحدها هي التي تختار الإمام، فليس الإمام إمامًا لقريش وحدها ولكنه إمام للمسلمين جميعًا، فالمسلمون جميعًا ولاة هذا الاختيار على أنهم مقيدون بأن يكون الإمام الذي يختارونه من قريش، وقد استقر في نفوس المسلمين لذلك العهد وبعد ذلك العهد أن الاختيار إنما يكون لأهل الحل والعقد، وما نعلم أن الحل والعقد قد كانا إلى قريش وحدها أيام أبي بكر وعمر، وقد قال أبو بكر للأنصار: نحن الأمراء وأنتم الوزراء، فجعلهم من أهل
الحل والعقد؛ لأن الوزراء فيما نعتقد يحلون ويعقدون. كان من الطبيعي إذن أن يشهد الأنصار مجلس الشورى ويشاركوا في اختيار الإمام، بل كان من الطبيعي أن يأتلف مجلس الشورى من جماعة تتجاوز قريشًا والأنصار وتشمل قومًا غيرهم من زعماء العرب وقواد المسلمين في الحرب وكبار الولاة والعمال، فلو قد ائتلف مجلس الشورى على هذا النحو لكان خليقًا أن يجنب المسلمين كثيرًا مما تعرضوا له من الشر.
وآفة أخرى نراها في تنظيم الشورى على هذا النحو، وهي أن سلطان المشيرين كان سلطانًا موقوتًا حدد له عمر ثلاثة أيام وقبل المسلمون منه هذا التحديد، وكان من الطبيعي أن يختاروا من بينهم رجلًا وأن يستخلفوه، وأن يبايعه من حضرمن المسلمين، وأن يكتب ببيعته إلى الأمصار، أو بعبارة أدق: أن يكتب هو ببيعته إلى الأمصار وينفذ فيها أمره ونهيه بحق الخلافة التي استمدها من هؤلاء الذين بايعوه.
ومعنى هذا كله أن أهل المدينة كانوا وحدهم بمقتضى هذا النظام هم الذين إذا بايعوا ألزموا المسلمين في جميع أقطار الأرض، وعلة ذلك أن المدينة كانت مستقر أصحاب النبي من المهاجرين والأنصار ومواطن أهل الحل والعقد، وعلة ذلك أيضًا أن الانتظار الطويل في اختيار الإمام كان خليقًا أن يثير القلق ويحدث الأحداث، ولكن ليس من شك في أن بعض أصحاب النبي من أولي الرأي والبصيرة كانوا قد تفرقوا في الأمصار ومواطن الحرب بأمر عمر أو عن إذنه، وكانوا خليقين لو استشيروا أن يشيروا وينصحوا.
على أن الخطر كل الخطر لا يأتي من هذه العجلة التي قد تدعو إليها المصلحة، وما نشك في أن عمر قد قدر هذه المصلحة فأحسن تقديرها، وإنما يأتي الخطر من أن هذا المجلس قد كان موقوتًا ينحل متى تم اختيار الإمام، ولو قد وُسِّعَ مجلس الشورى أولًا وجُعِل نظامًا دائمًا بعد ذلك، بحيث يصبح مجلس مراقبة للإمام في عمله من جهة، ومجلس اختيار للأئمة كلما احتاج المسلمون إلى اختيار الإمام من جهة أخرى، لكان المسلمون قد سبقوا إلى النظام البرلماني، وهم كانوا خليقين أن يسبقوا إليه، فقد رأيت من سيرة عمر أنه كان يسعى إلى هذا النظام سعيًا حثيثًا. ولكني أعيد ما قلته آنفًا من أن عمر قد أعجل عن التفكير في هذا النظام، ولو قد مُدَّت له الحياة لكان من الممكن جدٍّا أن يفرغ لهذا الأمر وأن يشاور فيه، وأن ينتهي إلى نظام يشبه هذا الذي صورناه. إذن لما حدثت الأحداث، ولما نشأت هذه المشكلة الخطيرة التي نشأت بين عثمان وبين الذين ثاروا به وخرجوا عليه، وهي: أيجوز للمسلمين أن يخلعوا إمامهم إن أنكروا سيرته أم لا يجوز؟ بل أيجوز للإمام نفسه أن يخلع نفسه إن ضاقت به الرعية أم لا يجوز؟