الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

«البوابة نيوز» في جولة ميدانية بمعامل التحاليل العشوائية.. عمال وفنيون بـ«شهادات متوسطة» يرتدون البالطو الأبيض.. موريد مكرم: لغة «البيزنس» تسيطر على سوق التحاليل.. خريج دبلوم صنايع: مهمتي أخذ العينات

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تعد معامل التحاليل الطبية مرحلة رئيسية ومهمة لعلاج المرضى، حيث يتم من خلالها استكشاف أبعاد وخطورة المرض والتى يعتمد عليها الطبيب في تقرير طرق العلاج 

غير أن انتشار معامل التحاليل بصورة كبيرة وما يشهده بعضها من فوضى وعدم جاهزيتها وشكاوى بعض المترددين عليها طلبا للتحاليل وفق تعليمات الطبيب المعالج أثار لدى «البوابة نيوز» الشكوك لما قد تحمله هذه المعامل من خطر على صحة المرضى، فأجرت جولة ميدانية لعدد من المعامل خاصة المنتشرة في الأحياء الشعبية حيث كان لافتا حسب آراء عدد من المرضى الذين أتوا لإجراء التحاليل أن هناك فوضى داخل هذه المعامل وأنها مثل أى مشروع تجارى، أحد عناصره المعالج الذى يحكمه الربح والخسارة «النسبة المتفق عليها بين الطبيب وصاحب معمل التحاليل»، في كثير من الأحيان يقود المنظومة غير المتخصصين من البيطريين والزراعيين والعلميين والفنيين وأصحاب الخبرات الصغيرة والمتواضعة ومن ثم حاملى بكالوريوسات العلوم والدبلومات المتوسطة، الذين ينتشرون ويمارسون العمل داخل المعامل التى تفتقر للحد الأدنى لمعايير الجودة التى ينص عليها القانون وتحتوى على أجهزة متهالكة ومشكوك في صحة نتائجها. 
تشير قواعد مهنة الطب، إلى أن خريجى الطب البشرى هم المنوط بهم فتح معامل تحاليل طبية بمعاونة فنى متخرج في المعهد الفنى الصحى..
ويسمح القانون رقم ٣٦٧ لعام ١٩٥٤ بعمل كل من هو حاصل على ماجستير أو دكتوراة في مجالات العلوم والزراعة أو الطب البيطرى والصيدلية وحاملى المؤهلات العليا، كما يحظر القانون القيام بأى أبحاث أو تحاليل أو اختبارات أو إبداء آراء تتعلق بهذه المهن وبوجه عام مزاولتها بأى صفة عامة كانت أو خاصة إلا لمن كان اسمه مقيدًا بالسجل الخاص بذلك في وزارة الصحة، كما اشترط فيمن يقيد بهذا السجل عدة شروط منها أن يكون حاصلًا على أحد المؤهلات العلمية «بكالوريوس في الطب أو الجراحة أو في الصيدلة أو في العلوم» إلى جانب الحصول على درجة أو شهادة تخصص في الكيمياء الحيوية أو كيمياء تحليل الأغذية أو كيمياء تحليل الأدوية أو في البكتريولوجى أو في الباثولوجى.
ووفقا لإحصائيات وزارة الصحة تنتشر المعامل في مصر بمعدل ما يقرب من ٢٠٠ معمل سنويا، ويتم غلق نحو ٨٧ معمل كل عام، لعدة أسباب من بينها عدم وجود طبيب مختص أو مزاول المهنة بدون ترخيص، أو ترخيص المعمل مخالف لعمل المعمل. ويجب أن يتوافر في المعمل جهاز اسبكتروفتوميتر والذى تستخدمه معظم المعامل بحالة مستعملة جيدة ويصل سعره الآن إلى ٥٠٠٠ جنيه، وجهاز ميكروسكون صينى ١٥٠٠ جنيه وسنترفيوج صينى ٤٠٠ جنيه، حضانة ١٠ لترات مستعملة ٥٠٠ جنيه وجهاز ميكروبيبت مابين ١٠ -١٠٠ و١٠٠-١٠٠٠ سعر الواحد ٤٥٠ جنيها تقريبا وثلاجة مستعملة وجهاز كمبيوتر وخامات كيماوية وبعض المستلزمات كالقطن والسرنجات وطابعة ليزر. 
وفى جولة «البوابة» بمنطقة العمرانية وجدنا شقة ويافطة تحمل اسم المعمل الذى يقع في شارع ضيق، تحديدا في نصف الشارع ليس له ملامح ومعتم بعض الشىء، نلمح يافطة من بعيد تخبرك أن المعمل في الدور الأرضي، اقتربنا من الشقة، باب حديدى وبعض السلالم وباب آخر خشبى تطرق عليه ليرد عليك عامل بالمعمل بالدخول ويسألك عن التحليل الذى تود عمله دون ظهوره يحتوى المعمل على مكتب في الصالة لاستقبال العملاء وغرفتين واحدة بها المعمل الذى يوضع بها التحاليل والأخرى للطبيب ولكنه ليس موجودًا.
بمناقشة العامل عن مدى استعدادات المعمل لأخذ أى عينات، قال:«المعمل يعمل على أخذ صورة دم كاملة وبعض التحاليل الأخرى ولكن هناك تحاليل لا يوجد أجهزة لها، ولكن يوجد تحليل فيروس سى ويظهر بعد ٣ أيام من التحليل وسعره ٢٠٠ جنيه، وعند سؤاله: هل أنت الطبيب؟، رد قائلا «لأ.. أنا شغال مع الدكتور..أنا معايا دبلوم صنايع ومش لاقى شغل، اشتغلت هنا، مهمتى أخذ العينات وأتركها للدكتور حين يأتى ليلا.
وقال عامل المعمل «أنا اشتغلت في معامل كثيرة في المنطقة ومعروفة وكمان بدى حقن للناس»،أضاف: «المعمل يأتيه ناس كتير نهارا خاصة من بعد العصر، السبب إن صاحب المعمل دكتور وله عيادة بالشارع وأى مريض يدخله يكتبله على تحليل ويبعته للمعمل وصمت ثم قال ضاحكا:«سبوبة،علشان ناكل عيش ونقبض مرتب آخر الشهر..».. 
وتابع: «في معامل كتير مفهاش أجهزة ومعظم الأجهزة بتكون مستعملة في الأساس وبأسعار قليلة وبيكسب الدكتور ثمنها عدة مرات ولا يميل لتجديدها إلا إذا قام بفتح مكان آخر في منطقة حيوية وراقية».
وفى شارع عثمان محرم بالعمرانية، تجد الكثير من اليفط المعلقة على العمارات، صعدت «البوابة» إحدى العمارات التى يقطن بها العديد من المعامل لتجد الكثيرين من الأهالى ينتظرون دورهم في صمت عارم، سألنا إحدى الجالسات في أحد المعامل عن المعمل ومدى سمعته:ردت: «لا أعلم عنه شيئا، طبيبها هو من أشار على ابنها بهذا المعمل وأنه نظيف ويثق في نتائجه وأبرزت الروشتة المدون عليها التحاليل المطلوبة التى تحتوى على ما يقرب من ٥ تحاليل وأنها تشتكى من ألم دائم في معدتها وتأخذ العلاج يأن الوجع عدة أيام ويرجع مرة ثانية، قاطعنا صوت رجل داخل المعمل قائلا «حرام عليكم هتموتونا من الغلا اللى احنا عايشينه هنجيب فلوس منين مش كفاية جايين من عند الدكتور بتاعكم» خرج الرجل دون عمل التحاليل المطلوبة. 
أخطاء لا تتوقف
وأكملت السيدة الخمسينية أنها لم تكن المرة الأولى التى تذهب فيها للمعامل الخاصة بالطبيب ولكنها دوما ما كانت تفعل ذلك مع زوجها رحمه الله، أنه دائما أيضا يشتكى بمعدته وقمنا بإجراء الكثير من التحاليل والفحوصات والأشعة بناء على طلب الأطباء الذى ترددنا عليهم من حين لآخر ولكن في النهاية لا يعمل بماذا يشتكى وما يوجد بداخله وفى أيامه الأخيرة حولنا الطبيب لأحد المستشفيات وتم حجزنا ولم يتعرف أيضا الأطباء على مرضه، وقبل وفاته بليلة قالت الممرضة لابنتى إن والدها يعانى من الكبد ولابد من تحويله وقالت ذلك للدكتور وطلب منها توفير مكان له في معهد الكبد لأنه لا يعلم ماذا يفعل معه.
وتابعت أنه دخل المعهد بعد عناء من البحث عن مكان، طلب طبيب الاستقبال التحاليل والفحوصات التى أجريناها وقال لنا إن هذه التحاليل لا تفسر مرض زوجى وإنها جميعها مبهمة وليس لها قيمة، وطلب تحاليل أخرى ليتأكد من صحة مرضه ولكن الوقت قد فات ونفذ أمر الله.
وعند الصعود للطابق الأعلى تجد ما يقرب من ثلاثة معامل بين المعمل والآخر مساحة كافية لاستقبال المرضى، وعند الدخول تجد موظفة الاستقبال بملابسها الأنيقة جالسة على كونتر الاستقبال لتأخذ الروشتة وتجلس المرضى حتى يأتى الخاص بسحب العينات، فبعد حديث طال ما يقرب من ٢٠ دقيقة والتى حاولت فيهم المحررة أخذ معلومات عن طبيعة المعمل وكانت حريصة على عدم الافصاح باسمها قالت «إن المعمل خاص بابنة دكتور عيادته بالدور الأول وكل المرضى يأتون من عنده، فيوميا العيادة تكون مقتظة بالمرضى لعمل التحاليل وبعضها يكون للاطمئنان فقط ليس إلا، مؤكدة أن المعمل لا يحتوى على الكثير من الأجهزة ولكنه يأخذ جميع العينات والتحاليل وبعض التحاليل تتم خارج المعمل ونقول للمريض يأخذها بعد عدة أيام حتى تأتى إلينا النتيجة من المعامل الأخرى.
تفعيل العقوبات
يقول هانى سامح صيدلى، إن مهنة الطب أصابها الكثير من الشوائب بسبب تراجع نقابة الأطباء عن واجباتها 
وأكمل الصيدلى أن كثيرا من الأمراض تستوجب أطباء متخصصين لإجراء تحاليلها للوصول لنتائج سليمة مثل السرطان بأنواعه ومن ثم المعمل بأجهزة ومدى تقنيتها وحداثتها والعاملين بها من أطباء ومساعدين، فبين معمل والآخر نجد فوارق واختلافات بسيطة بالنتائج ولكنها لا تمثل مشكلة كبيرة وإنما الكارثة دائما ما تكون في الفوارق الكبيرة التى تنتج من العاملين بالمعامل غير المؤهلين والأجهزة المستخدمة في العينة.
وطالب سامح بتفعيل العقوبات والتى تجرم انتهاك حقوق المرضى والمتاجرة بهم وذكر أن قانون العقوبات المصرى يصل بالعقوبة إلى السجن المشدد حيال جرائم انتهاك حقوق المرضى وقبول الرشاوى والسمسرة وقبول العطايا والهدايا والمشروطة ببيع المريض إلى شركات الأدوية ومعامل التحاليل


القضية في البرلمان 
وعلقت النائبة سماح سعد، عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، أن هذا الموضوع مهم للغاية خاصة أن المعامل غير المرخصة باتت منتشرة بشكل كبير في مصر وخاصة بالمناطق الريفية والشعبية، وأكدت أن خطر القضية متصاعد وأن البرلمان يبحث سبل المواجهة وصد الخطر.
وأكدت عضو صحة البرلمان أن هناك معامل تحاليل تتعامل مع المرضى، وليس لديها تصريح مزاولة المهنة، كما أن بعض العاملين في تلك المعامل ليسوا أطباء، أغلبهم كيميائيون، ومن هنا تحدث الأخطاء المتكررة.
وأشارت عضو البرلمان، إلى أن معظم معامل التحاليل غير مطابقة للمواصفات المحلية أو العالمية، مضيفة أن بعض الكيميائيين يتعدون حدود الرخصة التى حصلوا عليها بإنشاء «معمل ميكروبيولوجى» متخصص في عمل تحاليل البول أو البراز والمثانة فقط، ويقومون بعمل كافة التحاليل..


وقال الدكتور موريد مكرم، استشارى الجراحة العامة والأورام، إن معامل التحاليل باتت منتشرة بشكل كبير حيث إن في كل شارع أكثر من معمل، فإذا كانت المعامل كبيرة أو معامل تحت بير السلم «شقة إيجار» لا يسمى معملا ولكنه مجرد شخص يأخذ عينات ويرسلها إلى أحد المعامل كنوع من أنواع الوسيط مع المعامل الكبيرة، هناك تحاليل بسيطة من الممكن عملها داخل المعمل الصغير لكن تبقى مشكلة الحفاظ، والمشكلة الأكبر هل طرق أخذ العينات صحيحة؟ هل العينات يتم وضع المواد التابعة لها؟ كل هذه العينات يتم وضعها في ثلاجة لمدة محددة ودرجة حرارة معينة.
وتابع، أن إجراءات أخذ العينات غير متواجدة في المعامل الصغيرة ولم تكن تدركها أو الفنى الذى يأخذ العينة ليس لديه خبرة في سحب عينة دم فبالطبع مشكلة المعامل تزداد سوءا من حيث النتائج التى يكون بها مشكلات وفضائح كثيرة بسبب الإهمال واعتقد أن هذا البيزنس يعتمد على عدم وجود رقابة، ونوه بأنه لا بد من وجود رقابة من وزارة الصحة على المعامل

خطر متصاعد 
وكشف الدكتور مكرم، إن أخطاء معامل التحاليل كبيرة وكثيرة، وإن السبب الرئيسى هو أن من يدير المعمل ليس طبيبًا بشريًا، مضيفًا "قانون تنظيم المعامل الذى نعمل به حتى الآن منذ عام ١٩٥٤ لم يتم تغييره، على الرغم من وجود القانون الجديد في مجلس النواب منذ أكثر من عام ولا تتم مناقشته".
وأكد مكرم، أن أغلب معامل التحاليل غير مرخصة، وقيمة مخالفة الترخيص هى ٢٠٠ جنيه طبقًا لقانون ١٩٥٤، مشيرًا إلى أن الذى يعمل في هذه المعامل فنيون وحاصلون على مؤهلات متوسطة، ومن ليس لديه الخبرة في طريقة أخذ العينة من المريض ولا بالأجهزة التى يعمل بها.
وأضاف مكرم، أن احتمالية الخطأ موجودة، ولكن لا تتعدى ١٪ في دول العالم، لأنه بناء على نتائج التحليل يتخذ الطبيب قرار العلاج، وإذا حدث خطأ في النتيجة تتسبب في أضرار قد تصل إلى الوفاة في بعض الأحيان، أو مثل «ما ظهر على شاشات التليفزيون الفتاة التى أجرت اختبار صورة دم وجاءت النتيجة بأنها مصابة بسرطان الدم، وامتنعت الفتاة عن الطعام، وكادت أن تفقد حياتها، وبعد أن ذهبت والدتها إلى معمل آخر للقيام بالتحاليل أكد لها المعمل، أن الفتاة تعانى من فقر دم وليس سرطان دم»، مشيرًا إلى أنه لا يوجد ضبطية قضائية تتيح للنقابة غلق المعمل إذا كان مخالفا ولم يطابق المواصفات. وأشار أستاذ جراحة الأورام، إلى أنه لا يوجد رقابة على المعامل ويوجد معامل منذ أكثر من ١٠ سنوات لا يتم معاينتها وفحصها إن كانت مطابقة للمواصفات أو غير مطابقة، مؤكدًا على ضرورة الرقابة بصفة دورية وتدعيم أشخاص ذى كفاءة وأمانة للرقابة.
ولفت مكرم إلى أن هناك قانونًا تم إعداده وتسليمه إلى مجلس النواب منذ أكثر من عام، ولم تتم مناقشته حتى الآن، مستكملًا أنه يوجد حكم قضائى من المحكمة الإدارية العالية بعدم السماح بإعطاء تصريح معامل لغير خريجى كليات الطب البشرى ووزارة الصحة لم تطبق الحكم ومازالت حتى الآن تعطى تصريحات لغير الأطباء.