الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

35 مليون كردي مشتتون بين دول العالم.. معاهدة لوزان وضعت الحدود الحالية لتركيا بشكل لا يسمح بوجود دولة كردية.. السلطات التركية حاولت طمس هوية وثقافة الأكراد وغيرت أسماء القرى والبلدات

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
على مدى مائة عام، سحقت أى محاولة كردية لتأسيس دولة مستقلة أو حكم ذاتي، وانتهى الحال بالأكراد كأقليات، ملايين مشتتين بين دول العالم، يشكلون مجموعة متميزة، يجمعها العرق والثقافة واللغة.


في مطلع القرن العشرين، بدأت النخب الكردية التفكير في إقامة دولة «كردستان» المستقلة. وبعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وضع الحلفاء الغربيون المنتصرون تصورا لدولة كردية في معاهدة سيفر عام 1920. لكن تحطمت هذه الآمال بعد ثلاث سنوات، إثر توقيع معاهدة لوزان التى وضعت الحدود الحالية لدولة تركيا، بشكل لا يسمح بوجود دولة كردية.
ضاعت قضية الأكراد، وتشتتوا بين عدة دول، في المناطق الجبلية الممتدة على حدود تركيا، والعراق، وسوريا، وإيران، وأرمينيا، وينحدرون من القبائل الميدية التى أنشأت إمبراطورية في القرن السابع قبل الميلاد، ويتراوح عددهم ما بين 25 و35 مليونا. ويعدون رابع أكبر مجموعة عرقية في الشرق الأوسط، لكن لم تكن لهم دولة مستقلة في العصر الحديث. 
وفى العقود الأخيرة، زاد دور الأكراد في التطورات الإقليمية، وقاتلوا من أجل حقوقهم القومية في تركيا، ولعبوا دورا مهما في الصراعات الداخلية في العراق وسوريا وآخرها قيادة المعارك ضد تنظيم «داعش» الإرهابي.

الأكراد وداعش
في منتصف عام ٢٠١٣، توجهت أنظار تنظيم داعش الإرهابى إلى ثلاث مناطق كردية متاخمة لحدوده في شمالى سوريا. وأطلق التنظيم هجمات متكررة. وظلت وحدات حماية الشعب، الذراع العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطى الكردى في سوريا، تتصدى لهذه الهجمات حتى منتصف عام ٢٠١٤.
وكانت نقطة التحول هى هجوم تنظيم داعش الإرهابى في العراق في يونيو ٢٠١٤، واستيلاؤهم على مدينة الموصل شمالى العراق، وهزيمتهم لوحدات الجيش العراقى والاستيلاء على أسلحتهم ونقلها إلى سوريا.
وأدى تقدم التنظيم في العراق إلى انخراط الأكراد في الصراع. وأرسلت حكومة الإقليم شبه المستقل في منطقة كردستان قوات البيشمركة لقتال داعش الإرهابى في المناطق التى تراجع منها الجيش العراقي.
لكن قوات البيشمركة انسحبت من عدد من المناطق. واستمر التنظيم في محاولة الاستيلاء على المناطق الكردية في سوريا. وفى منتصف سبتمبر ٢٠١٤، شن التنظيم حملة على المنطقة المحيطة بمدينة عين العرب (كوباني) شمالى سوريا، وأجبر أكثر من ١٦٠ ألف شخص على النزوح إلى تركيا. وتمكن التنظيم من احتلال معظم أحياء كوباني.
كما منعت تركيا مواطنيها الأكراد بالعبور إلى الأراضى السورية لمواجهة التنظيم، مما أجج الاحتجاجات الكردية، وهدد حزب العمال الكردستانى بالانسحاب من مباحثات السلام مع الحكومة. وخاض الأكراد الحرب مع العديد من الميليشيا العربية المحلية تحت راية قوات سوريا الديمقراطية، حتى نجحوا في طرد قوات تنظيم داعش من عشرات الآلاف من الكيلومترات في شمال شرق سوريا على الحدود مع تركيا.
وفى أكتوبر عام ٢٠١٧ استولى مقاتلو قوات سوريا الديمقراطية على الرقة عاصمة التنظيم وتقدموا في محافظة دير الزور آخر معاقل التنظيم في سوريا. وسقط آخر جيب تابع للتنظيم في سوريا في قرية الباغوز في يد قوات سوريا الديمقراطية في مارس عام ٢٠١٩ لتعلن نهاية دولة الخلافة ولكن في الوقت ذاته حذرت من الخطر الكبير الذى تمثله الخلايا النائمة حول العالم.

تركيا والأكراد
لا توجد في تركيا إحصاءات دقيقة لعدد الأكراد، لكن التقديرات تشير إلى أن عددهم يقدر بنحو ١٥ مليون نسمة، ويشكلون ٥٦٪ من أكراد العالم، و٢٠٪ من سكان تركيا، ويعيش معظمهم في جنوب شرق البلاد.
عاش أكراد تركيا في صراع طويل مع الحكومات المتعاقبة، عاملت السلطات التركية الأكراد معاملة قاسية وحاولت طمس هويتهم وثقافتهم وتاريخهم. وتم إبعاد عشرات الآلاف منهم إلى مناطق بعيدة عن مدنهم وقراهم في إطار سياسية التغير الديموغرافى وتغيير أسماء القرى والبلدات والمدن الكردية وحظر الأسماء والأزياء الكردية. كما حظر استخدام اللغة الكردية، وأنكر وجود الهوية العرقية الكردية، وأطلق عليهم اسم «أتراك الجبال».
وفى عام ١٩٧٨، أسس عبد الله أوجلان حزب العمال الكردستاني، الذى نادى بتأسيس دولة مستقلة في تركيا. ثم بدأ الحزب الصراع المسلح بعد ست سنوات من تأسيسه. ومنذ ذلك الحين، قتل أكثر من ٤٠ ألف شخص ودمر أكثر من ٣ آلاف قرية وهجر سكانها إلى غرب تركيا.
وفى تسعينيات القرن الماضي، تراجع حزب العمال الكردستانى عن مطلب الاستقلال، وفى عام ٢٠١٢، بدأت محادثات السلام بين الحكومة التركية والحزب، بعد الاتفاق على وقف إطلاق النار لمدة سنة. وطلب من مقاتلى حزب العمال الكردستانى التراجع إلى شمالى العراق. وفى عام ٢٠١٣ تم التوصل لوقف لإطلاق النار بين الطرفين.
وانهار وقف إطلاق النار في يوليو عام ٢٠١٥ بعد عملية انتحارية اعتبر تنظيم داعش مسئولا عنها وأسفرت عن مقتل ٣٣ من النشطاء الأكراد في مدينة سروج ذات الأغلبية الكردية قرب الحدود السورية. واتهم حزب العمال السلطات بالتورط في الهجوم على قوات الجيش والشرطة التركية.
وفى عام ٢٠١٨ شنت القوات التركية والمتمردون السوريون المتحالفون معها هجوما على منطقة عفرين لطرد وحدات حماية الشعب الكردى من المنطقة وأسفر الهجوم عن مصرع العشرات ونزوح عشرات الآلاف من المنطقة.
وتقول الحكومة التركية إن وحدات حماية الشعب والحزب -الاتحاد الديمقراطى- امتداد لحزب العمال الكردستانى ويشاركونه نفس الأهداف وأنهما تنظيمان إرهابيان يجب القضاء عليهما.

أكراد سوريا
يقدر عدد الأكراد في سوريا بحسب تقديرات غير رسمية بـ١.٦ مليون نسمة، ويشكلون ٦٪ من أكراد العالم، و٨٪ من سكان سوريا، ويتمركزون في مناطق شمال شرقى البلاد، مثل الحسكة والقامشلى والمالكية. 
وتعرض الأكراد السوريون للكثير من القمع والحرمان من الحقوق الأساسية. وتم تجريد نحو ٣٠٠ ألف من الأكراد من الجنسية السورية منذ ستينيات القرن الماضي، وصودرت الأراضى الكردية وأعيد توزيعها على العرب في محاولة «لتعريب» المناطق الكردية.
ومن جهتهم، سعى الأكراد في سوريا إلى الحصول على حقوقهم والاعتراف الرسمى بلغتهم وثقافتهم، وتصاعد نفوذهم مع اتساع رقعة الثورة السورية، حيث استفاد حزب الاتحاد الديمقراطى (الفرع السورى لحزب العمال الكردستانى التركي) من الوضع وتحالف مع النظام السورى والإيرانى وسيطر على مناطق ذات أغلبية كردية شمال البلاد، كما تلقى دعما من الولايات المتحدة من أجل محاربة تنظيم الدولة الإسلامية.
وفى ١٧ مارس ٢٠١٦ أعلن الأكراد في سوريا إنشاء نظام فيدرالى بمناطق سيطرتهم شمالى البلاد، وذلك خلال اجتماع عقد في مدينة الرميلان بمحافظة الحسكة شمال شرقى البلاد.
ويقضى الإعلان بتشكيل مجلس تأسيسى للفيدرالية ونظام رئاسى مشترك، والمناطق المعنية بالنظام الفيدرالى هى المقاطعات الثلاث ذات الأغلبية الكردية: عين العرب (كوباني) في ريف حلب الشمالي، وعفرين بريف حلب الغربي، ومنطقة الجزيرة في محافظة الحسكة، بالإضافة إلى المناطق التى سيطرت عليها قوات سوريا الديمقراطية بداية ٢٠١٦. وكان الرئيس السورى بشار الأسد قد تعهد باستعادة كل شبر من الأراضى السورية بالمفاوضات أو القوة العسكرية. ورفضت حكومته المطالب الكردية بالحكم الذاتي.

الأكراد العراقيون
يمثل الأكراد نحو ١٥ إلى ٢٠ في المائة من سكان العراق. وتاريخيا، كان للأكراد في العراق امتيازات مدنية مقارنة بالأكراد المقيمين في الدول المجاورة، وثار الأكراد في شمال العراق ضد الحكم البريطانى في فترة الانتداب، لكنهم قمعوا. وفى عام ١٩٤٦ أسس الملا مصطفى البارزانى الحزب الديمقراطى الكردستانى بهدف الحصول على الحكم الذاتى في إقليم كردستان.
توصلت الحكومة العراقية والحزب الديمقراطى الكردى إلى اتفاق عام ١٩٧٠، لكنه انهار بعد أربع سنوات.
وبعد ثورة عام ١٩٥٨، اعترف الدستور المؤقت بالقومية الكردية قومية رئيسية واعتبر الأكراد شركاء في الوطن مع العرب والأقليات الأخرى، لكن الزعيم الكردى مصطفى البارزانى أعلن القتال المسلح عام ١٩٦١.
وفى عام ١٩٧٠، عرضت الحكومة التى كان يقودها حزب البعث على الأكراد إنهاء القتال ومنحهم منطقة حكم ذاتي. لكن الاتفاق انهار واستؤنف القتال عام ١٩٧٤. وبعد عام، انقسم الحزب الديمقراطى الكردستانى حيث أسس الراحل جلال طالبانى الاتحاد الوطنى الكردستاني.
وفى نهايات سبعينيات القرن الماضي، بدأت الحكومة في توطين عرب في بعض المناطق لتغيير التركيبة السكانية، خاصة حول مدينة كركوك الغنية بالنفط. كما قامت بإعادة توطين الأكراد في بعض المناطق قسرا.
وبعد هزيمة العراق في حرب الخليج عام ١٩٩١، اشتعلت انتفاضة واسعة في مناطق جنوب العراق وإقليم كردستان ولشدة قمع الدولة لهذه الانتفاضة، فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها منطقة حظر جوى على شمال العراق، مما سمح للأكراد بالتمتع بحكم ذاتي. واتفق الحزبان الكرديان على تقاسم السلطة، لكن الصراعات احتدمت، واشتعل صراع داخلى عام ١٩٩٤، دام أربع سنوات. هاجر نحو مليون ونصف كردى عراقى إلى تركيا وإيران بعد قمع انتفاضة عام ١٩٩١. وتعاون الحزبان الكرديان الرئيسيان مع قوات الغزو الأمريكى للعراق عام ٢٠٠٣، التى أطاحت بصدام حسين، وشاركا في جميع الحكومات التى شكلت منذ ذلك التاريخ وكذلك في البرلمان العراقي. وفى سبتمبر عام ٢٠١٧ أجرى استفتاء على الاستقلال في المناطق التى يسيطر عليها البشمركة منذ عام ٢٠١٤ ومنها كركوك، وهى الخطوة التى عارضتها الحكومة المركزية في العراق واعتبرها غير قانونية.
وقد أيد ٩٠ في المائة من الناخبين وعددهم ٣.٣ مليون ناخب الاستقلال. وقال مسئولون أكراد حينئذ إن هذه النتيجة تعطيهم تفويضا ببدء التفاوض مع بغداد لكن رئيس الوزراء العراقى آنذاك حيدر العبادى طالب بإلغاء نتيجة الاستفتاء.
إيران
وفى إيران تشير التقديرات إلى أن عدد الأكراد يتراوح بين ثمانية وعشرة ملايين نسمة، ويشكلون ١٦٪ من أكراد العالم، وما بين ١٠ و١٢٪ من سكان إيران، ويعيش معظمهم في غرب وشمال غرب البلاد. وبخلاف العراق، لم تعترف إيران بخصوصيتهم التى كانت لها تجربة تاريخية محدودة في إقامة حكم مستقل، ففى عام ١٩٤٦ أعلن الأكراد ميلاد ما عرفت بدولة مهاباد برئاسة قاضى محمد لكنها لم تدم سوى ١١ شهرا وتم إعدام قادتها لتطوى بذلك صفحة في تاريخهم. وبعد الثورة الإسلامية الإيرانية عام ١٩٧٩ أعلن المرشد الأعلى للثورة روح الله الخمينى الجهاد ضد الأكراد وقصف مدنهم بالطائرات.