الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

٤٦ عامًا على ملحمة النصر العظيم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أصبحنا ننتظر شهر أكتوبر من كل عام لنتذكر أعظم أيام الملحمة الوطنية لحرب أكتوبر المجيدة. هذه الملحمة التى أعادت لمصر والعرب عزهم وشرفهم، وغسلت عار هزيمة يونيو ١٩٦٧، وأعادت رسم الخريطة السياسية والعسكرية ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط، ولكن أيضًا على المستوى الدولي. 
وإذا كانت ملحمة أكتوبر قد ارتبطت في وجداننا بأعظم الذكريات وزهوة النصر وقمة الانتماء الوطني، إلا أنها متعددة الجوانب ومتفردة البطولات الفردية والجماعية، وفى هذا المقال أتحدث عن التخطيط العلمى المحكم والمتكامل والدقيق لهذه الملحمة الوطنية الأعظم في تاريخ مصر الحديث والمعاصر.
وقد بدأ التخطيط العلمى لحرب أكتوبر ٧٣ منذ اليوم التالى لهزيمة ٥ يونيو ٦٧. وقد كان الشعب المصرى الأصيل سباقًا عندما خرج ليرفض الهزيمة ويعلن التحدى ويرفض استقالة عبدالناصر. وبعدها بوقت قصير، بدأت القوات المسلحة المصرية حرب الاستنزاف والتى أعادت لها ثقتها في رجالاتها وفى قدرتها على مواجهة العدو، في البر والبحر والجو، وألحقت به الضربة تلو الضربة إلى أن طلبت إسرائيل وقف إطلاق النار وقبلت مصر بمبادرة روجرز.
وكانت حرب أكتوبر العظيم حرب العقول بالمقام الأول، وكان لأجهزة المعلومات والتخطيط العلمى في كل المجالات، وعلى كل المحاور السياسية والعسكرية وإعداد الجبهة الداخلية والخارجية للحرب هو السر في تحقيق الانتصار العظيم.
ويمكن الاستدلال على أن مصر قد انتصرت باتباع الأسلوب العلمى المدروس من خلال رصد المواقف التالية:
أولًا: المعركة السياسية والدبلوماسية لاكتساب التأييد الدولى، تعلمت مصر الدرس القاسى الذى حدث في ٦٧، عندما نجحت إسرائيل في إقناع الرأى العام العالمي، خاصة في أوروبا وأمريكا، أنها دولة مسالمة تحاول أن تعيش في سلام، ولكن العرب يريدون أن يلقوها في البحر، وكان الرئيس السادات والدبلوماسية المصرية في منتهى الذكاء عندما مارسوا نفس الدبلوماسية، ولكن في الاتجاه المعاكس. فقد استخدموا الدبلوماسية لإقناع الرأى العام الدولى أن إسرائيل دولة معتدية متغطرسة، وأنه لاسبيل أمام العرب إلا الحرب.
ونجحت مصر في تجميع الدول العربية والإسلامية والأفريقية ودول عدم الانحياز إلى جانبها وأقنعتهم بشرعية الحرب، وحصلت منهم على التأييد السياسى والمساعدة العسكرية. وهو ماكان له دور فعال في الإعداد للحرب بل والمساعدة أثناء المعركة.
ثانيًا: تحديد يوم الهجوم وساعة الصفر، كان اختيار يوم السادس من أكتوبر، وهو يوم سبت وإجازة دينية في إسرائيل اختيارًا علميًا، كما كان توقيت الهجوم في الساعة الثانية ظهرًا اختيارًا علميًا أيضًا فقد كانت ساعة الهجوم هى الأنسب، مع أنها كانت مخالفة للقاعدة العامة وهى بدء الحرب مع أول ضوء أو آخر ضوء. 
وقد كتب الوزير محسن النعماني، عن اللواء أركان حرب صلاح فهمي؛ تحت عنوان (وفاة رجل ساعة الصفر بحرب أكتوبر): «فارقنا في هدوء بطل حقيقى من أبطال مصر التاريخيين والذين يستحقون الخلود في ذاكرة المصريين بفضل ماقدموه من بطوﻻت وإنجازات وتضحيات. رحل عنا اللواء أركان حرب صلاح فهمى. البطل الذى حدد ساعة الصفر في حرب أكتوبر المجيدة بالاتفاق مع الفريق سعد الدين الشاذلى. ففى شهر مايو عام 1973، كلف اللواء عبدالغنى الجمسى رئيس العمليات العقيد صلاح فهمى رئيس فرع التخطيط بتحديد موعد الهجوم على خط بارليف بالشهر واليوم والساعة.
وتوجه العقيد صلاح فهمى إلى مركز الدراسات الإستراتيجية بغية الإطلاع على مواعيد الأعياد والعطلات الرسمية في إسرائيل، ثم توجه بعدها لهيئة الأرصاد الجوية لمعرفة حسابات ساعات الليل والنهار واتجاهات التيار في قناة السويس، ثم توجه بعد ذلك إلى جهاز المخابرات العامة المصرية ليطالع خطط الدفاعات الإسرائيلية وتوقيتات تدخل الاحتياطى واستدعاء الجيش الإسرائيلي. ثم قام بإعداد التقرير وقام بتسليمه إلى اللواء الجمسي، والذى رفعه لوزير الحربية المشير أحمد إسماعيل، وبعد ساعتين كان التقرير عند الرئيس أنور السادات.
ثالثًا: استخدام خراطيم المياه لفتح ثغرات في الساتر الترابي؛ كان الممر المائى لقناة السويس، والساتر الترابى في خط بارليف وتحصيناته القوية، بارتفاع عدة أمتار عائقًا أمام عبور القوات المسلحة المصرية، فكان استخدام خراطيم المياه أقوى من القنابل الذرية.
كان استخدام خراطيم المياه فكرة المقدم مهندس باقى زكى يوسف، وهى فكرة عبقرية استنبطها من عمله في بناء السد العالى كما يحكى هو بنفسه، إذ عرض الفكرة على قائد الفرقة اللواء سعد زغلول عبدالكريم، ونائب رئيس العمليات اللواء أركان حرب محمود جاد التهامي، ومجرد ما سمع الفكرة وهو جالس على المكتب، خبط بأيده وقال «هى ماتجيش إلا كده»، وخلال ١٢ ساعة، كانت الفكرة قد وصلت لأعلى مستوى في القوات المسلحة.
رابعًا: استدعاء كل الخبرات المصرية للتخطيط لحرب شاملة جوية وأرضية وبحرية، في تناسق وتناغم مدروس بالدقيقة والثانية. وظهر لأول مرة أهمية الدفاع الجوى في شل ذراع إسرائيل الطويلة، واستخدام البحرية المصرية لغلق مضيق باب المندب، وإدارة أكبر معركة للمدرعات بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. وفى كل المعارك كان أداء الضابط والعسكرى المصرى مبهرًا، وكان التدريب على الأسلحة وإدارة المعارك على مستوى الجيوش والألوية والكتائب والسرايا مدروسًا بطريقة علمية أبهرت العسكريين في كل دول العالم.
‏خامسًا: خطورة إهمال الأسلوب العلمى في التنفيذ، كان التخطيط العلمى لسير المعركة، والذى وافق عليه الرئيس السادات وجميع القادة العسكريين، والذى يقضى بعدم تحرك القوات الأرضية المصرية خارج نطاق الغطاء الجوى والدفاعات الجوية، وبحد أقصى من ١٥-٢٠ كيلومترا شرق القناة، هو التخطيط العلمى الصحيح. 
وعندما اتخذ الرئيس السادات وأيده وزير الدفاع المشير أحمد اسماعيل، قرارًا بتطوير الهجوم بالتحرك نحو المضايق، وخارج نطاق الحماية الجوية، بعد ضغوط شديدة من السوفييت ومن الرئيس السورى حافظ الأسد، بغرض تخفيف الضغط على سوريا. وكان نتيجة ذلك أن حدثت الثغرة في منطقة الدفرسوار والتى كلفت قواتنا المسلحة الكثير. 
ورغم مرور ٤٦ سنة، يبقى انتصار أكتوبر سنة ١٩٧٣، حدثًا فارقًا في تاريخ مصر، ورغم كل التقلبات والأحداث الجسام التى مرت بها المنطقة، يبقى لهذه الحرب بريقها ورونقها وطعمها الخاص في عقول وقلوب المصريين والعرب. 
وبهذه المناسبة، أتقدم بالتهنئة للشعب المصرى العظيم ولقواته المسلحة الباسلة، وندعو بكل احترام وتقدير وإجلال لأرواح الشهداء في الماضى والحاضر وكل عام ومصر بخير.