الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

البابا فرنسيس: الرب لا يشمئزُّ من خطايانا

البابا فرنسيس
البابا فرنسيس
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ترأس البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، القداس الإلهي، اليوم الثلاثاء، في كابلة بيت القديسة مرتا بالفاتيكان. 
وتحدث البابا فرنسيس عن أولئك المسيحيين الذين يحكمون على كل شيء انطلاقًا من صغر قلوبهم، أن الرب يقترب برحمة من جميع الوقائع البشريّة لأنّه جاء ليخلّص لا ليدين.
وأضاف بابا الفاتيكان، القراءة الأولى التي تقدمها لنا الليتورجية اليوم من سفر النبي يونان الرواية التي بدأت بدعوة الرب الأولى إلى يونان إذ يدعوه لينطلق إلى نينوى ويحثّها على التوبة. لكنّ يونان لم يطع أمر الرب وذهب إلى مكان آخر، بعيدًا عن الرب لأن تلك المهمّة كانت صعبة بالنسبة له، ولذلك ذهب إلى ترشيش وخلال العاصفة التي سببتها الريح الشديدة التي ألقاها الرب على البحر أُلقي يونان في البحر لأن هَذِهِ الزَّوبعَةَ العَظيمَةَ قد حَلَّت بسببه ولكن ما إن وقع في البحر حتى ابتلعه حوت وبقي يونانُ في جَوفِ الحوتِ ثَلاثَةَ أَيّامٍ وَثَلاث لَيال إلى أن قذفه إلى اليبس؛ وقال البابا يأخذ يسوع صورة يونان هذه في جوف الحوت لثلاثة أيام كصورة لقيامته.

وتابع البابا فرنسيس: فنجد الدعوة الثانية: كلّم الله يونان ثانية لكنَّ يونان أطاع هذه المرّة وذهب إلى نينوى فَآمَنَ أَهلُ نينَوى بِالله، وَنادَوا بِصَومٍ وَلَبِسوا مُسوحًا مِن كَبيرِهِم إِلى صَغيرِهِم. فَرَأى اللهُ أَعمالَهُم، أَنَّهُم تابوا عَن طَريقِهِم الشِّرّير. فَنَدِمَ اللهُ عَلى الشَّرِّ الَّذي قالَ إِنَّهُ يَصنَعُهُ بِهِم، وَلَم يَصنَعهُ. إن يونان العنيد – لأن هذه القصة هي قصّة شخص عنيد – قد قام جيّدًا بعمله وبعدها تابع مسيرته، سنرى غدًا كيف ستنتهي أحداث هذه القصة أي كيف أن يونان سيغضب على الرب لأنّه كثير الرحمة ولأنّه قام بعكس ما كان قد وعد بفعله على لسانه. فساءَ الأَمرُ يونانَ مَساءَةً عَظيمَةً وَغَضِب. وَصَلّى إِلى الرَّبّ، وَقال: "أَيُّها الرَّبّ، أَلَم يَكُن هَذا كَلامي وَأَنا في أَرضي؟ وَلِذَلِك، بادَرتُ إِلى الهَرَبِ إِلى تَرشيش. فَإِنّي عَلِمتُ أَنَّكَ إِلَهٌ رَؤوفٌ رَحيمٌ طَويلُ الأَناةِ كَثيرُ الرَّحمَةِ وَنادِمٌ عَلى الشَّرّ. فَالآن، أَيُّها الرَّبّ، خُذ نَفسي مِنّي، فَإِنَّهُ خَيرٌ لي أَن أَموتَ مِن أَن أَحيا". لقد فضل الموت على الاستمرار بعمله كنبي لله لأنه في النهاية لم يصنع ما قال إنّه يصنعه بهم.

أضاف " فرنسيس" عندها خَرَجَ يونانُ مِنَ المَدينَةِ وَجَلَسَ شَرقِيَّ المَدينَة، وَصَنَعَ لَهُ هُناكَ كوخًا وَجَلَسَ تَحتَهُ في الظِّلّ، رَيثَما يَرى ماذا يُصيبُ المَدينَة. لقد كان يونان يرجو أن يدمّر الله المدينة، لكنَّ الله أَعَدَّ خِروَعَةً فارتَفَعَت فَوقَ يونان، لِيَكونَ عَلى رَأسِهِ ظِلٌّ فَيُنقَذَ مِنَ الضَّرَرِ الواقِعِ عَليه. فَفَرِحَ يونانُ بِالخِروَعَةِ فَرَحًا عَظيمًا. لكن سرعان ما أَعَدَّ اللهُ دودَةً فَضَرَبَتِ الخِروَعَةَ فَجَفَّت. فاستاء يونان مجدّدًا وغضب من الرب لأجل الخروعة فقال له الرب: "لَقَد أَشفَقتَ أَنتَ عَلى الخِروَعَةِ الَّتي لَم تَتعَب فيها وَلَم تُرَبِّها، الَّتي نَشَأَت بِنتَ لَيلَةٍ ثُمَّ هَلَكَت بِنت لَيلَة. أَفَلا أُشفِقُ أَنا عَلى نينَوى المَدينَةِ العَظيمَةِ الَّتي فيها أَكثَرُ مِنِ اثنَتَي عَشرَةَ رِبوَةً مِن أُناسٍ لا يَعرِفونَ يَمينَهم مِن شِمالِهم، ما عَدا بَهائِمَ كَثيرَة؟".
تابع " فرنسيس": لقد نشأ بين الرب ويونان حوارًا شائكًا، حوار بين شخصين عنيدين. يونان عنيد بقناعاته حول الإيمان والرب عنيد أيضًا وإنما برحمته: هو لا يتركنا أبدًا بل يقرع على أبواب قلوبنا حتى النهاية. لقد كان يونان عنيدًا لأنه كان يفهم الإيمان بشروط، إنه نموذج عن أولئك المسيحيين الذين يعيشون دائمًا بحسب الشعار "شرط أن"، كمن يقول: "أنا مسيحي شرط أن تتم الأمور بهذه الطريقة" أو "لا، لا هذه التغييرات ليست مسيحية، لا يمكن للأمور أن تسير هكذا..." إنهم مسيحيون يشترطون على الله ويضعون الشروط على الإيمان وعلى عمل الله.
أستطرد البابا فرنسيس: مسلّطًا الضوء على أن هذا الـ "شرط أن" يجعل العديد من المسيحيين ينغلقون على ذواتهم وفي أفكارهم فينتهي بهم الأمر في أيديولوجياتهم الخاصة: إنه المسيرة البغيضة من الإيمان إلى الإيديولوجية. وهناك اليوم العديد من الأشخاص الذين يعيشون بهذه الطريقة، وهؤلاء المسيحيين يخافون من النمو ومن تحديات الحياة وتحديات الرب وتحديات التاريخ؛ فيعيشون متعلّقين بقناعاتهم وانطباعاتهم الأولى وأيديولوجياتهم. إنهم مسيحيون يفضّلون الإيديولوجيا على الإيمان ويبتعدون عن الجماعة؛ كذلك يخافون من الاستسلام بين يدي الرب ويفضّلون أن يحكموا على كلِّ شيء وإنما بسبب صغر قلوبهم.
واختتم البابا فرنسيس عظته بالقول نجد اليوم أمامنا صورتين للكنيسة: كنيسة الإيديولوجيين الذين ينغلقون في أيديولوجياتهم، والكنيسة التي تُظهر الرب الذي يقترب من جميع الوقائع والذي لا يسأم ولا يتأفف. إن الرب لا يسأم من الأمور ولا يشمئزُّ من خطايانا بل يقترب منا وكما كان يقترب ليلمس بحنان البرص والمرضى، لأنه جاء ليشفي وجاء ليخلّص لا ليدين.