الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

خريطة التحولات في السياسة الخارجية بعد حرب أكتوبر.. مصر أثبتت قدرتها على تغيير سياساتها وفق مصالحها وأمنها القومي.. ومكافحة الإرهاب أضافت بُعدًا جديدًا في دوائر الدبلوماسية المصرية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تحولات كثيرة شهدتها السياسة الخارجية المصرية بعضها يتعلق بالجوانب السياسية والبعض الآخر بالجوانب الاقتصادية والعسكرية، وتأسيسًا على هذه التحولات شهدت علاقات مصر الخارجية أنماطًا متعددة من المخرجات في علاقاتها بدول الجوار وعلى المستويين الإقليمى والدولي.


وظهرت أنماط متعددة ما بين التقارب والتباعد مع الدول الإقليمية نتيجة متغير الحرب في ظل تباين التوجهات الخارجية المصرية مع اختلاف أنماط العلاقات الدولية فيما يتعلق بهيكلية النظام الدولى والتحولات الجذرية التى شهدها خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتى السابق، وتغير القطبية الدولية للنمط الأحادى القطبية بقيادة الولايات المتحدة، وتداعيات ذلك على التوجهات السياسية المصرية في ظل هذه التغيرات.
واختلفت دوائر السياسة الخارجية المصرية عما كانت عليه إبان حرب أكتوبر ١٩٧٣، لما كانت عليه السياسة الخارجية المصرية اليوم عن ذى قبل، وأصبحت حرب أكتوبر متغيرا فاعلا ومؤثرا في بنية التوجهات السياسية والعسكرية الخارجية المصرية؛ حيث إنها شكلت أحد أهم المؤثرات في محاور العلاقات الخارجية المصرية وعلاقاتها بالدول الإقليمية والدولية.
لم تتوقف أحداث متغير الحرب عند حدود المعركة العسكرية بين مصر وإسرائيل، ولكن امتدت انعكاساته لدوائر السياسة الخارجية المصرية، والتى شهدت مراحل توتر وانفراجات إلى الوقت الحالي، ورغم تعدد هذه الدوائر إلا أن الثابت في الأمر أن مصر أثبتت قدرتها على تغيير سياساتها وفق مصالحها وأمنها القومي، برغم كل الظروف الدولية المحيطة سياسيًا وعسكريًا.
التغير في تعددية الأعداء.

برز في الآونة الأخيرة العديد من التهديدات الإقليمية والدولية التى أضافت بعدًا جديدًا في دوائر السياسة الخارجية المصرية، وهو دائرة مكافحة الإرهاب؛ حيث أضحت المنطقة العربية تحتوى على العديد من الكيانات الإرهابية التى تهدد أمن الدول واستقرارها، مثل تنظيمات القاعدة وداعش وجماعة الإخوان الإرهابية، التى ظهرت بصورة كبيرة بعد ما يسمى بأحداث الربيع العربى عام ٢٠١١، فبعد الأحداث التى شهدتها مصر والعديد من دول المنطقة العربية في ذلك العام تزايدت حدة تلك التهديدات، وكان على مصر التعامل معها وفق آليات داخلية وخارجية، فعملت على تعزيز قدراتها العسكرية وامتلاك تكنولوجيا الأسلحة المتطورة، وأعلن المتحدث باسم القوات المسلحة المصرية العقيد أركان حرب تامر الرفاعي، في ديسمبر ٢٠١٨، توقيع عقود تسليح كبرى لتحديث القدرات العسكرية المصرية، وأشار إلى أنه تم توقيع العقود والمذكرات مع الشركات المشاركة بمعرض «إيديكس ٢٠١٨» للصناعات الدفاعية والعسكرية والذى تم تنظميه لأول مرة في مصر.


تتبنى القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية إستراتيجية شاملة لبناء قوة عسكرية تحقق لها القدرة على تحقيق الردع والقدرة على الدفاع عن أمن مصر القومى داخليًا وخارجيًا، فضلًا عن امتلاك المنظومات والخبرات الإنتاجية والإدارية والهندسية التى تمكنها من معاونة أجهزة الدولة في تنفيذ خطط وبرامج التنمية الشاملة في كل ربوع مصر.
وتمضى القوات المسلحة بخطى متسارعة لبناء وتنظيم منظوماتها التسليحية وقدراتها القتالية على كل المحاور الإستراتيجية بما يتسق مع التطور التكنولوجى للقرن الواحد والعشرين بما يمكنها من مواجهة التحديات الإقليمية والمتغيرات الدولية وانعكاساتها على الأمن القومى المصرى داخليًا بما في ذلك تأمين الأهداف الحيوية والمشروعات التنموية العملاقة من التهديدات بصورها المختلفة من جانب، وحماية مصالحها الإستراتيجية وتحقيق الردع بمحيطيها الإقليمى والدولى من جانب آخر.
بجانب ذلك أدخلت مصر العديد من الفرقاطات والغواصات وحاملات الطائرات الميسترال لتعزيز القدرات الدفاعية والهجومية التكتيكية والإستراتيجية، في ظل التهديدات التى تحيط بمصر في العديد من المناطق في الداخل الليبى وفى منطقة غاز شرق المتوسط، وامتلاك منظومات الدفاع الجوى لحماية سماء مصر بالتزامن مع اعادة تسليح ورفع كفاءة التشكيلات التعبوية بجميع وحداتها والأسلحة المعاونة وعناصر الدعم وتطوير الوحدات الخاصة بما يتناسب مع تطور نظم وأساليب القتال الحديثة.
كما تم التنسيق المشترك مع العديد من الدول الإقليمية والدولية في تنفيذ العديد من المناورات العسكرية المشتركة التى وصلت إلى ٣٧ مناورة عسكرية بالذخيرة الحية مع روسيا والولايات المتحدة والإمارات والسعودية والكويت واليونان والبحرين والأردن.


سياسة المحاور
اتبعت مصر في سياساتها الخارجية مقاربتين أساسيتين، تعتمد الأولى على زيادة عدد المحاور في دوائرها الإقليمية والدولية، فعززت علاقاتها مع الدول الكبرى كالولايات المتحدة وروسيا والصين ودول الاتحاد الأوروبي، حتى أصبحت مصر شريكًا فاعلًا في كل الترتيبات السياسية والاقتصادية والأمنية الإقليمية والدولية، كما أنها عملت على تعزيز علاقاتها الأفريقية في ظل رئاستها للاتحاد الأفريقي عام ٢٠١٩، وبالتالى هناك تداخل كبير بين رؤية مصر الداخلية والخارجية، والربط بينهما فيما يتعلق بالمقاربتين السابق ذكرهما والتى تشمل تأسيس نظام سياسى وطنى حريص على استقلال الإرادة الوطنية وصد كل محاولة للهيمنة من جانب القوى الدولية، وامتلاك نظام اقتصادى وطنى قادر على الاعتماد على الذات وتحقيق التقدم الاقتصادى مع العدالة الاجتماعية لتشمل القطاع الأوسع من المواطنين الذين هم عماد الاستقرار الوطني، إضافة إلى إقامة سياسة خارجية متوازنة مع جميع القوى الدولية وخاصة مع روسيا والصين وعدم تمكين بعض القوى الدولية والإقليمية من اختراق مصر من الداخل عبر وسائل التخريب السياسى والاقتصادى والاستخباراتى مع قوى الإرهاب الداخلى في مصر.
يذكر أن السياسة الخارجية المصرية تطورت على مدى السنوات الأخيرة في إطار التكيف مع التحديات الإقليمية والدولية، والوصول بسياسة مصر الخارجية إلى مرحلة من التوازن في دوائرها الأوروبية والأفريقية والآسيوية والأمريكية، والتى جاءت نتيجة العديد من الزيارات الرسمية والشعبية وتوقيع العديد من الاتفاقيات.
بجانب ذلك حازت الدول العربية على النصيب الأكبر من تطوير وإعادة هيكلة العلاقات الخارجية، الأمر الذى جعل مصر على رأس قائمة المشاركين في كل المحافل العربية، حيث حرص الرئيس عبدالفتاح السيسي على تبادل الزيارات وعقد القمم مع رؤساء وملوك الدول العربية، فضلًا عن جهود الخارجية المصرية في تحسين العلاقات وتوطيدها، وقام السيسي ووزير الخارجية بالكثير من الزيارات المتبادلة مع قادة الدول العربية، لبحث سبل التعاون والتطوير، بالإضافة إلى تكوين اتحاد بين «مصر والسعودية والإمارات والبحرين»، لمكافحة الإرهاب، ومقاطعة قطر لدعمها للإرهاب بالمنطقة العربية.
وقامت الخارجية المصرية بدور كبير في دفع العلاقات المصرية الأفريقية، من خلال الإعداد لمشاركات الرئيس السيسي في الفعاليات القارية والمقابلات الرئاسية بين السيسي والرؤساء الأفارقة، ومد جسور الود والتواصل مع الدول الأفريقية التى لم يكن لنا معهم تعاون منذ فترة طويلة، خاصة في ظل رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي.
على الجانب الأوروبي، شهدت العلاقات المصرية بدول الاتحاد الأوروبى تطورًا ملحوظًا، منذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسي الحكم، كما تميزت العلاقات المصرية الروسية بالمتانة، وتبادل الرئيسان الكثير من الزيارات، وتوقيع الاتفاقيات التى تصب في مصلحة الجانبين، وأهمها الاتفاقيات العسكرية وصفقات الأسلحة.
ومد الرئيس السيسي جسور التعاون مع غالبية الدول الأوروبية، مثل قبرص واليونان وإسبانيا وإيطاليا والنمسا وألمانيا، وآخر هذه الزيارات كان لبيلاروسيا وهى الزيارة الأولى من نوعها، وعقد الرئيس السيسي ونظيره البيلاروسى قمة لتعزيز العلاقات بين الطرفين على كل المستويات، كما دعم العلاقات مع الدول الآسيوية مثل الصين واليابان وأوزباكستان وفق سياسة المصالح المتبادلة والمشتركة.
ولا شك أن السياسة الخارجية المصرية كانت تتابع هذا التطور وتعمل على التكييف معه، ولهذا بدأت تتحرك نحو دعم علاقاتها مع الشعوب الجديدة المتوقعة وبشكل خاص في آسيا وقواها الصاعدة وفى مقدمتها الصين، والهند والقوى التى عرفت بالنمور الآسيوية: كوريا الجنوبية، ماليزيا، سنغافورة، وإندونيسيا. ولهذا لم يكن غريبًا تعدد الزيارات الرئاسية والوزارية لهذه الدول، غير أن الحاجة ما زالت قائمة لتفعيل ما تم التوصل إليه من اتفاقات مع هذه الدول وبشكل خاص مع قوة صاعدة مثل الصين، كما عززت دوائر سياستها الخارجية مع الدول الأوروبية وروسيا وباتت تتحرك وفق ما تمليه المصالح الوطنية عليها.


ملامح السياسة الخارجية المصرية
يمكن القول بأن السياسة الخارجية المصرية شهدت دفعة قوية لا مثيل لها من قبل تحت قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي، والذى وضع أسس السياسة الخارجية لمصر بعد ثورة ٣٠ يونيو، وأن أسس هذه السياسة تقوم على عدة مبادئ وهى الندية والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشئون الداخلية لدول أخرى، إضافة إلى الانفتاح على كل الدول لإقامة علاقات دولية تتسم بالتوازن وعدم الانحياز لدولة على حساب دولة أخرى، والانطلاق من محددات متعددة للتعاون مع مصر وتحقيق مصالح الشعب المصري.
كما استطاعت مصر في ظل القيادة الحالية تحقيق نجاح ملموس في سياستها الخارجية في دوائرها المختلفة العربية والإسلامية والأفريقية والدولية، واستعادت مصر مكانتها ودورها المحورى لصالح شعبها والمنطقة والعالم، الأمر الذى حقق العديد من أهداف ومصالح مصر وأدى إلى تفهم ودعم المجتمع الدولى لجهود مصر في تحقيق الاستقرار والتنمية والتقدم، وأعاد شبكة علاقات مصر الإقليمية والدولية إلى المستوى المأمول من التوازن والندية والاحترام المتبادل، وساهم في تحقيق أهداف الأمن القومى المصرى ودعم قدرات مصر العسكرية والاقتصادية.
نظام عالمى جديد
إن المتتبع لتطور السياسة الخارجية المصرية يمكنه ملاحظة أن دوائرها ومسار حركتها تتواكب بصورة كبيرة مع تطور النظام الإقليمى والدولي، ورغم اختلاف التصورات والافتراضات حول طبيعة النظام الدولى المقبل، إلا أن الاتجاه الغالب هو أن العالم مقبل على نظام تتعدد فيه القوى والمراكز ولا تنفرد فيه قوة واحدة بقرارات الحرب والسلام، خاصة في ظل العديد من المؤشرات الدالة على أن النظام الدولية سيتجه إلى نمط التعددية القطبية المتوازنة وصعود قوى مثل روسيا والصين والهند ودول الاتحاد الأوروبي.
وبالتالى لم تعد مصر تنحصر في دائرة معينة كما هو الحال في فترة الحرب مع إسرائيل في ظل نمط النظام الدولى السائد الخاص بانفراد الولايات المتحدة الأمريكية بهرمية النظام الدولي، أو ما كان قبلها والصراع بين القوى الكبرى؛ حيث كان يسود النظام الدولى نظام القطبية الثنائية الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، وتنافسهما على المكانة والنفوذ في مناطق العالم المختلفة وكان من أهم مسارح الحرب الباردة بينهما منطقة الشرق الأوسط وفى القلب منها المنطقة العربية، ومن ثم كان الاختيار محدودا بين المعسكرين.
نخلص من هذا إلى أهمية مشاركة مصر في بروز النظام الدولى المتعدد الأقطاب والإسهام في إرساء قواعد وأسس علاقاته ومؤسساته، ذلك أن مثل هذا النظام إنما يلتقى خاصة مع مصالح الدول الصغيرة والمتوسطة مثل مصر ويقدم لها مجالًا أوسع لحرية الحركة والمناورة ولا يجعلها أسيرة قوة واحدة تريد أن تعرض مصالحها ورؤيتها للعالم.