الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

وزير تصنعه وزارة.. ووزير يصنع وزارة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عادة يسعد من يُختار لتولى حقيبة وزارية في أي حكومة، ويحرص على لقب معالى الوزير، حتى إن ترك الوزارة.. وكثيرا ما يتم اختيار أشخاص غير جديرين بحمل تلك الأمانة، وكل مقومات اختيارهم إما ثقة، أو علاقات، أو بمحض الصدفة كما شاهدنا في فيلم «معالى الوزير» لعبقرى السينما أحمد زكى، والمخرج الكبير سمير سيف، والمؤلف المبدع دائما وحيد حامد.
أما عن اختيار الفنان فاروق حسنى لتولى وزارة الثقافة عام 1987 والذى استُهجن من المجتمع الثقافى بصورة رهيبة، ولكن ذكاء ولباقة فاروق حسنى جعلته يكسب المثقفين، وربما أكثر من اللازم، حتى أصبح يحظى بنسبة كبيرة من رضا المثقفين.. لم أكن من مريدى الوزير يوما، وإن كنت لجأت إليه في بعض الأمور الخاصة بالعمل، ولم تكن تجارب ناجحة، ولكن ذلك لم يمنع تقديرى له كمثقف وفنان كبير، واحترامى له لشدة اعتزازه بنفسه وأناقته اللافتة.. ظل فاروق حسنى وزيرا أكثر من ثلاثة وعشرين عاما، وربما تكون أطول فترة قضاها كوزير.
وقد خرج من الوزارة بعد مؤامرة يناير، والتى لم يكتف الجهلاء بتخلى رجال الدولة عن إدارتها، ولكن تم الزج بهم إلى المحاكمات والسجون، وأحد الذين تعرضوا لتلك المحاكمات كان الفنان فاروق حسنى المرهف المرفه!! وكان قلبى ينخلع مع كل قيمة عالية تمر بتلك الأزمات المفتعلة من حاقدين أو جهلاء، والذين ظهر عمالة بعضهم.. تألمنا عليهم جميعا، كانت أيام محنة على الشعب المصرى، ولأن للأقوياء قانونهم وعملا بالمثل الشعبى: «الضربة اللى ماتقتلش تقوى» خرج فاروق حسنى أكثر تألقا وأشد عمقا وأكبر فنا وعطاء، لقد تفرغ لفنه ونهل من نهر الثقافة الذى لا ينضب، وأصبحت كلماته ينتظرها أحباء الفكر والثقافة بشغف، فهو عالم بكل دهاليز وخبايا الثقافة، ويعلم جيدا مواطن الضعف والاعوجاج وكيفية العلاج والخروج من أزمة الثقافة التى يعانى منها المجتمع، والتى لا تقل خطورة عن الإرهاب الذى يستنفذ الكثير من قدراتنا وتفكيرنا، ورغم ما أنجزه الوزير الفنان من مشروعات ثقافية ضخمة- لم نقدرها بالشكل الصحيح في وقتها- إلا أنه استفاد من خبرة تنفيذها بقدرة هائلة، مكنته من تنظيم فكره وانتعاش أفكاره الإبداعية ونضجه الملحوظ، وكل ذلك وسط مجتمع ثقافى أوشك على تمام الانهيار، ومثقفين يعانون من التخبط أو الصراع، أو متحولين إلى منافقين جبناء لتحقيق أكبر قدر من الامتيازات المادية والمعنوية، والأكثرية اختاروا الاحتجاب اعتراضا على ما وصل إليه حال الثقافة والمثقفين، ولكن وسط حالة الجفاف الفكرى، وعقم الإبداع والإنتاج المبهر، خرج علينا الفنان الكبير معلنا نيته في إنشاء مؤسسة ثقافية فنية، وهو ما اعتبرته إنشاء وزارة ثقافة مصغرة وموازية، وذلك لجبر العطب والكسور، وفى وقت وجيز دشن مؤسسة «فاروق حسنى للثقافة والفنون»، والتى تم افتتاحها في 29/9/2019 بمقرها في الزمالك.
وضمت العديد من لوحاته، وعددا من مقتنياته من التماثيل المصرية والعالمية، قال الفنان فاروق حسنى، في كلمته خلال الافتتاح، إن مؤسسته الجديدة يقدمها لخدمة المجتمع وليست لأعماله وسيرته فقط، وأكد أن المؤسسة ستتعاون في الفترة المقبلة مع وزارة الثقافة من أجل تقديم أفكار ورؤى ثقافية وفنية مهمة للمجتمع المصرى، وأعلن عن إطلاق جائزته السنوية في الفنون للشباب، والتى ستكون دورتها الأولى قاصرة على لوحات الفن التشكيلى، أما الدورات اللاحقة ستكون مفتوحة في مجالات «التصوير، القصة القصيرة، العمارة»، وتُسلم جوائز الدورة الأولى في عام ٢٠٢٠، وقيمة الجائزة 50 ألف جنيه، وتخصص للشباب حتى سن 35 عاما، رغم أن ما أُعلن عنه أن المؤسسة تهتم بجميع فروع الإبداع في شتى مجالاته، وتعمل على خلق مجال جذب للشباب ودعم أصحاب الطاقات الإبداعية الخلاقة والمواهب الأصيلة.. لذا أتمنى أن تشمل الجائزة الموسيقى والغناء والشعر وغيرها من مجالات إبداعية في الدورات التالية..
وأناشده ألا يصب اهتماهه على مجاله في الفن التشكيلى، بل تنال باقى المجالات الثقافية نفس القدر من الاهتمام والتركيز، حتى يروى ظمأ المتعطشين للإبداع الحقيقى، بعيدا عن مناخ المصالح والشللية والسموم التى لوثت المجتمع وخاصة الإبداعى منه.. وأتمنى أن يضيف إلى عمله المبدع الذى أنشأه إقامة صالون ثقافى، أو ما يشبه مؤتمرات للشباب، ولكن بصورة مصغرة، ليخلق مجالا أوسع للنقاش وطرح الرؤى، وانتقال حب الفنون والإبداع لأكبر عدد ممكن من الفنانين ومتذوقي الفن، لعله بذلك يكمل جميله، بخلق حراك ثقافى، يعلم أسلوب الحوار ويرفع الذوق العام، ويدفع لأناقة الكلمة والملابس والسلوك.. لقد استطاع فاروق حسنى، الذى أتم عامه الواحد والثمانين- أمد الله في عمره وصحته- أن يتحول من وزير سابق يسعد باللقب ويتفاخر به، إلى وزارة تمنح الأمل وتنير سماء المبدعين.