الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الممر بين التاريخ والمستقبل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم أرَ حالة الانكسار بعد نكسة 67 إلا من خلال تجسيد السيد راضي للجندي عوض، المهزوم نفسيا، الذي تراوده الكوابيس ولا يتكلم مع أحد في فيلم "أبناء الصمت" الذي كان من أسرع الأفلام التي تم إنتاجها عن حرب 73، حيث إن أول إصدار للفيلم كان في نوفمبر 1974، هذه الحالة التي عكست مدى الألم والجرح الذي أصاب أبناء الصمت قبل 73.
صناعة السينما في مصر دائمًا تعتمد في المقام الأول على قدرة الممثلين ومدى حرفتهم في تجسيد الشخصيات، بينما تفتقر هذه الصناعة لعنصر الإنتاج الضخم الذي يساعد في نقل الصورة للمشاهد في أفضل حالة.
جاءت العديد من المحاولات الدرامية الراغبة في تجسيد جوانب البطولة للقوات المسلحة المصرية، إلا أن جميعها كان ينقصها عنصر الإنتاج المالي، حتى جاء فيلم "الممر" بعد 46 سنة على حرب أكتوبر 73، ليكون هو الأعلى إنتاجا في الأفلام التي رصدت الملاحم البطولية للقوات المسلحة المصرية.
نجح فيلم "الممر" في الانتقال بآثار نكسة 67 على الجندي عوض في "أبناء الصمت" داخل الجبهة إلى المجتمع المصري في الشوارع وداخل البيوت.
استطاع فيلم "الممر" أن ينقل حالة شديدة الحساسية من تاريخ مصر الحديث بواقعية وصورة جاذبة لجيل لم يعاصر تلك الفترة، وجاء اختيار الممثل أحمد عز موفقًا جدًا لأداء دور البطولة لترسيخ صورة الضابط المصري في الأذهان من حيث ملامح الوجه واللياقة الجسدية باعتباره gentleman وشجاعا ومقاتلا شرسا لا يقهره الخوف ولا يهزمه اليأس.
لأول مرة يتم تصميم مشاهد المعارك بهذه الكفاءة والتقنيات، ليحمل الفيلم رسالة مفادها "المصري قلبه ميت لا يخاف"، فالفيلم تصنيفه إثارة وأكشن، ولا يخلو من المبالغة، هذه المبالغة المحمودة التي لا بد منها ليرفع من معدلات التحفيز والثقة في نفوس النشء الصغير، كما تفعل أفلام Marvel لرفع سقف الطموح والقدرة إلى أقصى حدود الخيال، لإثبات أن المستحيل لا وجود له.
أرى أنه من الظلم وضع الفيلم في إطار الأحكام السينمائية التقليدية، فهذا ينقصه الكثير من حقه، وكذلك وضع الفيلم في مقارنة مع أفلام أخرى في ذات السياق، لأنه يختلف تماما في طريقة التناول والتصوير وحجم الإنتاج والعامل الزمني، ففيلم "الممر" هو حالة خاصة جدًا مستقلة بذاتها، حالة يضعك الفيلم داخلها لتكون جزءًا من تاريخ لم تشاهده، وليس لتكون ناقدًا سينمائيًا أو مُحكِّمًا بمهرجان للأفلام.
أتمنى أن يكون "الممر" هو القاطرة التي تجر خلفها مزيدًا من الأفلام من هذه النوعية، فالتاريخ المصري مليء بالأحداث التي تحتاج إلى توثيق درامي بصورة جديدة معاصرة تقترب من الأجيال الحالية.. فيلم "الممر" أثبت أن السينما المصرية تمتلك ممثلين حقيقيين، وصناع سينما أكفاء يستطيعون استخدام وتوظيف ما لديهم من إمكانيات لتقديم أعمال عظيمة تعيش لسنوات.