الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

بنود جديدة للاتفاق النووي الإيراني.. توقعات بجدل بين الفاعلين الإقليميين والدوليين حول المحاور الرئيسية

رئيس الوزراء البريطانى
رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شكل إعلان رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون في ٢٣ سبتمبر الجاري، خلال الجلسة الـــ٧٤ للجمعية العامة للأمم المتحدة، بضرورة التوافق حول الخلافات الأمريكية الإيرانية مرحلة جديدة في عمر التوترات المتزايدة بين الولايات المتحدة وحلفائها من جانب وإيران، من جانب آخر حول أنشطتها النووية ودورها الإقليمى في المنطقة العربية.
ورغم ذلك أكد رئيس وزراء بريطانيا، أنه بغض النظر عن آراء الجميع بشأن الاتفاق النووى بين إيران والقوى العالمية، فقد حان الوقت للتفاوض على اتفاق جديد، رغم عمق الخلاف بين بلاده وإدارة ترامب بشأن الاتفاق النووي، على خلفية التوترات المتصاعدة مع إيران بشأن الناقلتين، إلا أن تصريحات جونسون تأتى كإطار عام للسياسة الأوروبية الهادفة إلى تهدئة الصراع بين الجانبين.
وتكمن أهمية هذه الدعوة كونها جاءت بعد الإعلان بالتصعيد المتبادل بين الولايات المتحدة حول الاتفاق النووى المبرم في ٢٠١٥، وأن مطالب الولايات المتحدة بتغيير الاتفاق النووى مع القوى العالمية «غير مقبولة»، وتأكيد إيران بأنها لن تتفاوض أبدًا على اتفاق استغرق التوصل إليه سنوات كثيرة.
التصعيد الأمريكى
قبل وصول الرئيس الأمريكى إلى البيت الأبيض في يناير ٢٠١٧، تبنى الرئيس دونالد ترامب موقفًا عدائيًا من الاتفاق النووى الإيرانى الذى أبرمته الإدارة الأمريكية السابقة - إدارة باراك أوباما - وبموجب هذه الرؤية أعلنت واشنطن في ٨ مايو ٢٠١٨، انسحابها من الاتفاق. وفى ٥ نوفمبر ٢٠١٨ طُبقت العقوبات الأشد على الإطلاق تشمل هذه العقوبات صادرات النفط، والشحن، والمصارف، وكل القطاعات الأساسية في الاقتصاد وستعيد إدارة ترامب تفعيل كل العقوبات التى كانت غير مفعلة من جانب الإدارة الأمريكية السابقة.
وتتوالى العقوبات الأمريكية بمرور الوقت على إيران بعد إثبات ضلوعها في العديد من التهديدات الخاصة بالملاحة الدولية في مضيق هرمز، وكذلك استهداف المنشآت الاقتصادية والنفطية في العديد من دول المنطقة خاصة السعودية والإمارات، إلا أنه رغم ذلك هناك العديد من التطورات الحادثة سواء على مستوى الداخل الأمريكى أو على أساس الدول الخارجية وخاصة من جانب دول الاتحاد الأوروبي، ولعل هذه التطورات الحادثة في ملف المفاوضات على الملف النووى الإيرانى والمتحكم في طبيعة العلاقات الأمريكية الإيرانية بصورة مباشرة، إضافة إلى الدعوات الأوروبية الهادفة إلى الوصول بجهود الوساطة إلى الجلوس مجددًا إلى إطار توافقى جديد حول مخرجات الأزمة، ويدلل على ذلك ترحيب الرئيس الأمريكى ترامب بشكل إيجابى على دعوة رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون إلى إبرام اتفاق نووى جديد مع إيران، وقال إنه يحترم جونسون كثيرًا ولم يفاجأ بطرحه الفكرة. 
وفى نفس السياق، وقبل إعلان بريطانيا لهذا الطرح أعلن وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو، خلال برنامج فوكس نيوز صنداى الأمريكي، في ٢٢ سبتمبر ٢٠١٩، عن مساعى بلاده لتجنب الحرب مع طهران مشيرًا إلى أن مهمة القوات الأمريكية الإضافية التى تقرر إرسالها لمنطقة الخليج مؤخرًا هى «الدفاع» فقط، وأن الولايات المتحدة تسعى لتجنب الحرب مع إيران، وأن هذه الإجراءات اللازمة في المنطقة لتغير طهران سلوكها.
وفرضت الولايات المتحدة مزيدًا من العقوبات على إيران شملت البنك المركزى الإيراني، في حين أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) إرسال مزيد من القوات لتعزيز دفاعات السعودية الجوية والصاروخية في أعقاب الهجوم الذى كان الأكبر على منشآت نفطية بالمملكة.
ومنذ إعلان العقوبات الأمريكية على طهران؛ حددت الولايات المتحدة ١٢ طلبًا على إيران الاستجابة لها من أجل رفع العقوبات، من بينها إنهاء دعم الإرهاب وإنهاء التدخل العسكرى في سوريا، ووقف تطوير الصواريخ النووية والباليستية بشكل كامل، والتوقف عن دعم الحوثيين في اليمن، إضافة إلى منح الوكالة الدولية للطاقة الذرية تفصيلًا كاملًا لبرنامجها السابق للأسلحة النووية، وأن تتخلى عن مثل هذا العمل إلى الأبد وإنهاء «سلوكها التهديدي» تجاه جيرانها، ومن ذلك «تهديداتها بتدمير إسرائيل، وإطلاقها الصواريخ على السعودية والإمارات، وإطلاق سراح جميع المواطنين الأمريكيين، ومواطنى شركاء الولايات المتحدة في التحالف المحتجزين بتهم زائفة، والمفقودين في إيران. على الجانب الآخر؛ اتهم الرئيس الإيرانى حسن روحانى الولايات المتحدة بأنها تسعى لتغيير نظام الحكم في إيران. وصرح إن إيران لن تتفاوض مع الولايات المتحدة في ظل وجود عقوبات عليها، وهدد بأن إيران ستعاود العمل في برنامجها النووي، وتعتقد واشنطن بأن هذه الإجراءات ستجبر إيران على العودة إلى الطاولة وإبرام صفقة أكبر وأفضل تعالج مخاوف الرئيس ترامب بالاتفاق القائم.
الموقف الأوروبى
كان الموقف الأوروبى ولا يزال معارضًا لخروج الولايات المتحدة بصورة أحادية من الاتفاق النووي؛ واعترضت كل من المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا على العقوبات، وتعهدت بدعم الشركات الأوروبية التى لديها علاقات تجارية مع إيران، وأسست آلية بديلة لدفع الأموال (انستكس)، لتساعد تلك الشركات على التجارة، دون مواجهة العقوبات الأمريكية، للوصول إلى الصفر في مستوى الصادرات، ومن المحتمل أن تقطع جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك «سويفت» اتصالاتها بالبنوك الإيرانية المستهدفة بالعقوبات، مما سيعزل إيران عن النظام المالى الدولي.
وتحاول إيران استخدام الجانب الأوروبى في تخطى العقوبات الأمريكية أو فيما يتعلق بجهود الوساطة، خاصة ظل إستراتيجية أوروبا للبقاء على الاتفاق مع طهران، وتحديث آليات قانونية وتجارية مضادة لمواجهة العقوبات الأمريكية والذى من شأنه تعطيل العمل بقرارات الإدارة الأمريكية، الأمر الذى أعلنه «ميجيل أرياس كانتي»، مفوض شئون الطاقة والمناخ في الاتحاد الأوروبي، «سنحاول من جانبنا تعزيز تدفقات التجارة التى كانت إيجابية للغاية بالنسبة للاقتصاد الإيراني». هذه السياسة من شأنها تعقيد مساعى أمريكا في فرض عقوبات اقتصادية وتجارية ضد طهران.
وفى هذا السياق؛ قامت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبى بالإجماع بإدخال لائحة المجلس رقم ٢٢٧١، في عام ١٩٩٦، التى كان الهدف منها حماية الشركات من آثار تطبيق التشريع خارج حدود الدولة التى يعتمدها بلد ثالث. في الواقع، تعمل اللوائح التنظيمية على إجراء شيء غير عادى - فهى تحظر خضوع كيانات ومحاكم الاتحاد الأوروبى للامتثال لقوانين العقوبات الأجنبية الواردة في ملحقها وإنفاذها، مما يزيد من احتمال فرض عقوبات مالية على الشركات التى تتقيد به، وهذا ما يفرض على أوروبا أن تضيف مخالب إلى موقفها التفاوضى من أجل تخفيف الضرر الذى يلحق بالمصالح الأوروبية مع ضمان استمرار إيران في الالتزام بالاتفاق النووي. وهذا يعنى وضع آليات قانونية يمكن أن تساعد في الحد من تأثير العقوبات الثانوية الأمريكية وتهدد بفرض تدابير مضادة تفرض تكلفة سياسية وقانونية واقتصادية على الولايات المتحدة.
يجد الاتحاد الأوروبى نفسه بين معضلة الاختيار في التعامل مع العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران بين ممارسة حقها في التعامل معها، وبين الانقسامات في حلف شمال الأطلسى وعلاقاتها مع الولايات المتحدة، ورغم أن هناك تباينًا واضحًا بين السياستين الأمريكية والأوروبية تجاه طهران، إلا أن هناك العديد من النقاط التوافقية حول العديد من القضايا الخاصة بإيران لعل أهمها النشاطات الإيرانية باستهداف أمن الملاحة الدولية في مضيق هرمز واستهداف المنشآت الاقتصادية والنفطية في العديد من الدول العربية خاصة السعودية والإمارات، وفق ما أعلنته الدول الثلاث الأوروبية فرنسا وبريطانيا وألمانيا في ٢٣ سبتمبر ٢٠١٩، كما دعت الدول الثلاث إيران لمناقشة برنامجيها النووى والصاروخي، بالإضافة إلى المسائل الأمنية في المنطقة، وقال البيان بهذا الخصوص: «حان الوقت لتقبل إيران بإطار طويل الأمد للتفاوض حول برنامجها النووي، بالإضافة إلى القضايا الأمنية الإقليمية، التى تشمل برامجها للصواريخ، وأضافت الدول الثلاث: «نحن ملتزمون بمواصلة جهودنا الدبلوماسية لتهيئة الظروف وتسهيل الحوار مع جميع الشركاء المعنيين بتخفيض التوترات في الشرق الأوسط».
مستقبل الاتفاق النووى
تجرى إيران وثلاث دول أوروبية - هى بريطانيا وفرنسا وألمانيا - محادثات حثيثة بهدف إنقاذ الاتفاق النووى من الانهيار بسبب انسحاب أمريكا منه، وفرضها سياسة الضغوط القصوى على القيادة الإيرانية لدفعها إلى التفاوض على اتفاق نووى جديد.
ورغم الإستراتيجية الأمريكية الهادفة إلى ممارسة الضغط الأقصى على طهران للجلوس مجددًا حول الاتفاق النووي، إلا أن الترحيب الأمريكى الأولى بدعوة بريطانيا للتفاوض يمكن أن تكون عاملًا مهمًا على المستوى الخارجى للخروج من تلك الأزمة، كما أن هناك العديد من المؤشرات الداخلية الخاصة بالداخل الأمريكى قد تدفع الرئيس ترامب إلى إعادة التفاوض بشروط أكثر مرونة، بعدما تم فرض عقوبات اقتصادية مشددة على إيران بهدف تضييق الخناق على النظام الإيراني، وذلك لإجباره على تغيير سياسته النووية والإقليمية، ومن بين تلك المؤشرات:
١) المعارضة الداخلية بين الإدارة الأمريكية وخاصة من جانب مستشار الأمن الأمريكى السابق جون بولتون، فيما يتعلق بالحوار غير المباشر مع طهران، خاصة أن ترامب يرغب في التواصل غير المباشر معها بينما يعارض بولتون ذلك الأمر الذى تسبب في عزل الأخير من منصبه في ١٠ سبتمبر ٢٠١٩، وتأتى أهمية هذه التوجهات داخل الإدارة الأمريكية كونها جاءت بالتزامن مع المبادرة الفرنسية التى أعلنتها باريس في ٣ سبتمبر ٢٠١٩، تتضمن تقديم قروض لإيران بقيمة خمسة عشر مليار دولار كبديل للآلية الأوروبية في التعامل مع إيران «إنسكتس» على أن تحُدَّ إيران من دورها الإقليمى المزعزِعِ للاستقرار وتضعَ حدا لبرنامج صواريخها الباليستية.
٢) إستراتيجية الازدواج التى اعتمدها الرئيس الأمريكى ترامب في تعامله مع إيران فمن جهة قام بالتصعيد السياسى والاقتصادى والعسكرى ومن جهة أخرى حاول استخدام ذلك الضغط لتمرير سياساته وأنه لم يسع إلى الدخول في حرب ومواجهة عسكرية ضد إيران، وبالتالى فتح المجال أمام الوساطات الدولية، خاصة من جانب الدول الأوروبية بصورة خاصة لإمكانية عرض وطرح الأفكار حول مستقبل الاتفاق الحالى والمستقبلي. 
٣) الاستجواب الداخلى وإمكانية العزل لترامب، والتى تشكل معضلة كبيرة في الداخل الأمريكى بعد تورط الرئيس الأمريكى في قضايا فساد مع نظيره الأوكراني، خاصة بعدما اعتراف الرئيس ترامب بأنه طلب من الرئيس الأوكرانى زيلينسكى التحقيق من نجل جو بايدن المرشح الرئاسي، مما أثار قضية وجد فيها خصوم ترامب فرصة يمكنهم استغلالها لعزله، إضافة إلى انعكاساتها على انتخابات الرئاسة ٢٠٢٠، فالرئيس ترامب يريد تحقيق انتصار في سياساته تجاه إيران، حتى ولو كان هذا الانتصار شكليًّا، قبل نهاية العام يستطيع توظيفه في حملته الانتخابية المقبلة.
ختامًا؛ فمن المحتمل أن يكون هناك طرح جديد حول مستقبل الاتفاق النووى الإيرانى وفق المتغيرات الداخلية الأمريكية وجهود الوساطة الأوروبية وإن كانت المؤشرات الأولية تؤكد أن هذا الأمر قد يكون نواة لإعادة صياغة جديدة للاتفاق، إلا أن بنود الاتفاق الجديد ستكون محل جدل كبير بين الفاعلين الإقليميين والدوليين.