الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

هجوم أرامكو والبعد الجوسياسي لـ«إيران».. طهران تبحث عن مناطق للنفوذ خارجيًا عبر العراق وسوريا ولبنان وأجزاء من اليمن

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تمكنت جماعة الحوثيين المتحالفة مع إيران من شن هجوم بطائرة مسيرة على مصفاة النفط الرئيسية بالمملكة العربية السعودية في الخامس عشر من هذا الشهر، وهو الهجوم الذى يشير إلى التطور في قدرات الحركة العسكرية إذ نظرنا إلى مدى دقته وخسائره بفضل ما تحصلت علية الحركة من الدولة الراعية لها.
والحوثيون كما هو معروف هم فصيل عسكرى متحالف مع إيران التى تقدم له كل صور وأشكال الدعم سواء السياسى أو الإعلامى أو العسكري، بل وصل حجم الدعم إلى حد اعتماد أحد أفراد الجماعة كسفير رسمى للبلاد على أرضيها، وهو أمر نادر بالنسبة لشخص يمثل فصيلا خارج الحكومة الرسمية، لأن إيران تعتبر أن الحوثيين هم الفصيل الشرعى والممثل للشعب اليمني.
الدوافع 
إن الضغط الذى تعيش فيه إيران، جعلها تبحث عن مناطق للنفوذ خارجيًا عبر العراق وسوريا ولبنان وأجزاء من اليمن، فهى ترى أن ذلك يقوى من وضعها الدفاعي، وتاريخيا توجهت إيران لتبنى هذه الإستراتيجية بعد الحرب التى خاضتها مع العراق في ثمانينيات القرن الماضي، والتى كلفتها الكثير من الضحايا، لذلك اتجهت بعد هذه التجربة إلى السعى نحو بناء فصائل شيعية لتكون بمثابة أساس لنفوذها.
ولكن، قد يكون النفوذ الإيرانى كبيرًا، لكنه ضعيف أيضا، فسيطرتهم على العراق ليست مطلقة، موقفهم من سوريا يتعرض للهجوم من قبل إسرائيل، مع وجود عدم استقرار في علاقات غير قوية مع تركيا، والنفوذ القوى لإيران يتواجد فقط في لبنان عبر حزب الله، إلا أنه قائم على قوة دعم فصيل ضد الآخرين.

إيران لا تحكم مجال نفوذها
تنظر إيران إلى نفسها على أنها مركز للإسلام الشيعى وتستخدم تلك الفكرة لتستمد بعض الدعم والسيطرة من الفصائل الشيعية والتى هى نفسها، على الجانب الآخر تقدم لها الدعم من أجل الوصول إلى السلطة، إلا أن هذا الدعم يتوقف على فكرة خلق التوازنات في العلاقة مع هذه الفصائل، وترى إيران في الوقت نفسه أنه من الضرورى ألا تكون هناك أى قوة سنية أو ائتلاف معارض على حدودها الغربية، إذ إنها ترى أن أمن الحدود الغربية جزء لا يتجزأ من أمنها.
وفى ذات السياق، تتفاقم مشكلات إيران في علاقاتها مع الولايات المتحدة، والتى تعادى إيران منذ الإطاحة بنظام الشاه، فالولايات المتحدة تتبنى سياسة تقوم على أساس منع أى قوة من السيطرة على المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام، بسبب ما تمتلكه هذه المنطقة من ثروات نفطية، إذ إن الولايات المتحدة تسعى للتخلص من أى جهة تحاول أن تنافسها هناك.
وقد أدى ذلك إلى، التحول في سياسة الولايات المتحدة الخارجية وأصبحت سياسة أكثر تشابكًا حتى تتمكن من التصدى للتوسع الإيرانى في محاولة منها لضم دول أخرى تتخذ معها نفس هذا الاتجاه، بل وتحاول أن تستغل عدم الثقة الكبيرة من روسيا وتركيا تجاه إيران.
إلا أن كلًا منهما راض عن الدور الذى تقوم به، إيران كدور وظيفى للصراع مع الولايات المتحدة، وللتصدى لذلك قامت الولايات المتحدة بالسعى نحو إقامة تحالف من قبل إسرائيل ودول سنية أخرى مناهضة لإيران لضرب أى نفوذ إيرانى في المنطقة، إلا أن هذا التحالف يتسم بالضعف.
يشكل هذا التحالف تهديدا للمصالح الإيرانية، إذ يهاجم الإسرائيليون القوات الإيرانية في سوريا ويتبادلون التهديدات المتبادلة مع حزب الله، ويتعرض العراق لضغوط خارجية محدودة، وفى الوقت نفسه منقسم إلى درجة يصعب معها تحديد سيطرة أو انتشار النفوذ الإيراني، وتدرك إيران أن وجودها هناك، أى بالعراق، يتعرض لضغط شديد، وأنه إذا انهار هذا المجال، فإن حدودها الغربية ستتعرض للخطر.
وعلى الجانب الآخر ابتعدت الإستراتيجية الأمريكية عن التدخل العسكرى على نطاق واسع، حيث تحولت استراتيجيتها إلى عمليات صغيرة تقوم على استهداف أى جماعة أو كيان يهدد مصالحها، واستخدمت مع إيران سياسات أخرى كالحرب الاقتصادية وهذه العقوبات أثرت بلا شك على الاقتصاد الإيرانى، وهو ما وضعها في معادلة صعبة خاصة مع وجود صعوبات في تصدير النفط الإيراني. 

الحتميات الإيرانية 
اتبعت إيران سياسة الاستيلاء على نقالات النفط على أمل خلق ذعر عالمى قد يدفع نحو تخفيف الضغوط عليها، وفى الوقت نفسه تدفع نحو إضعاف الحلف المناهض لها، لذلك قررت الدخول في صدام المملكة العربية السعودية التى يرتبط نظامها الاجتماعي بأموال مكتسبة من مبيعات النفط، وبالتالى فأن استهداف هذا المورد يؤثر على قوتها.
كان الاستهداف لمصفاة النفط السعودية عملية مدروسة جيدًا عبر كل المستويات، حيث أثر الهجوم على إنتاج النفط ولو لفترة محدودة، وفى الوقت ذاته ترى إيران أن استهداف منشآت النفط السعودية تعطى رسالة بأن الولايات المتحدة لم تعد مهتمة بشكل كبير بتدفقات نفط الشرق الأوسط إليها، وتريد أن تبعث برسالة إلى حلفاء الولايات المتحدة بأن إيران قادرة على فعل أى شيء في الوقت الذى تريده وفى ظل الاتفاق المجمع من أنها لن تقوم بأى عمل قد يؤثر على إمدادات النفط.
تعتبر قضية تصدير النفط مشكلة إيران الكبرى، إذ منعت الولايات المتحدة إيران من بيع نسبة كبيرة من إنتاجها كجزء من حربها الاقتصادية، وفى الوقت ذاته الهدف من هذا الهجوم للحوثيين هو أن يكونوا حلفاء الولايات المتحدة أكثر حزمًا في تحديد رغباتهم تجاه لإيران، ليس فقط في قضية النفط ولكن في أمور أخرى، وقد يؤدى هذا الهجوم إلى استفادة منتجى النفط الآخرين، وخاصة روسيا من خلال رفع الأسعار.
ولذلك، لا يمكن للولايات المتحدة تجاهل الهجوم على أساس أنها أكبر قوة عسكرية في التحالف المناهض لإيران، وفى الوقت نفسه إذا استخدمت القوة العسكرية ضدها، فإنها ستواجه ردًا من الإيرانيين ومقاومة من حلفائها، وإذا لم تضرب، فإنها تضعف أسس التحالف المناهض لإيران، وهو ما دفع وزير الخارجية الأمريكى «مايك بومبيو» مؤخرًا إلى الإشارة إلى احتمالية أن تدخل الولايات المتحدة في مفاوضات مع الإيرانيين، فمن الصعب أن ترد الولايات المتحدة على إيران دن أن يكون هناك رد إيرانى بمزيد من الهجمات على المملكة العربية السعودية، والأمر يتوقف على حجم الضرر الواقع على المصفاة السعودية.
وختامًا، فإن الأمر الواضح هو أن الإيرانيين يلعبون دورًا ضعيفًا قدر الإمكان، لهذا فإن القدرة الاستخباراتية لكل جانب هى من ستحسم التصدى للهجمات اللاحقة.