السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

تراثيات.. أبو حيان التوحيدي يفسر معاني "اليمن والبركة والفأل"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ذكر الفيلسوف والأديب أبو حيان التوحيدى في كتابه «الإمتاع والمؤانسة» أن الوزير أبا عبدالله العارض وزير ابن عضد الدولة البويهي، سأله في الليلة السابعة والعشرين التي سامره ونادمه فيها، عن معاني اليُمن والبركة والفألُ والطِّيَرة وأضدادها.
فكان جواب "التوحيدي" عليه يشمل تفسير معاني تلك الكلمات وذكر ما يتصل بها من حوادث ووقائع، قائلا: إن اليُمن عبارةٌ عن شيء يبشَّر به ويُبتغى ويراد، ويقال: فلانٌ ميمون الناصية، وميسور الناصية، أي هو سببٌ ظاهرٌ في نيل مأمول وإدراك محبوب، واشتقاقه من اليَمين وهو القوة، ولذلك يقال لليسار شِمالٌ لأنها أضعف منها، وتُسمَّى أيضًا الشُّؤْمَى، ويقال: يُمِنَ فلانٌ عليهم وشُئِم، وهو ميمونٌ ومشئوم. جُعل الفعل على طريق ما لم يُسمَّ فاعله، لأنه شيءٌ موصولٌ به من غير إرادته واختياره. وإنما نزعوا إلى قولهم: فلان مشئوم ليكون الفعل واقعًا به — أعني المكروه — وإلا فهو شائمٌ في الأصل. 
ويقال: شأَم فلانٌ قومَه، وكذلك يَمَنَهم. وكأنهما قوتان علويتان تصحبان مزاجين مختلفين، وإذا اعتِيد منهما هذان العرَضان اللذان يصدُران عن هاتين القوتين العلويتين، قيل: فلان كذا وفلانٌ كذا. 
وأما البركة فهي النماء والزيادة والرفع، من حيث لا يوجد 28 بالحس ظاهرًا مكشوفًا يشار إليه، فإذا عُهِد من الشيء هذا المعنى خافيًا عن الحس قيل: هذه بركة، واشتقاقها من البروك وهو اللزوم والسَّعَة، ومن ذلك: البِرْكة. والبرَكة يوصف بها كل شيء وليس لضدها اسمٌ مشهور، لذلك يقال: قليل البركة.
وأما الفأل ففُسر بأنه جريان الذكر الجميل على اللسان معزولًا عن القصد، إما من القائل وإما من السامع. وقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم - لمَّا نزل المدينة على أبي أيوب الأنصاري- أبا أيوب يقول لغلامٍ له: يا سالمُ يا غانم، فقال لأبي بكر: سلمت لنا الدار في غُنم إن شاء الله" وهذا مشهورٌ بين الناس.
وضدُّه الطِّيَرة والإشعار، ويُروى أنه نَهى عن الطيَرة وكان يحب الفألصلى الله عليه وسلم. وليس لهما عللٌ راتبة، ولا أسباب موجبة، ولا أوائل معروفة، ولهذا كُره الإفراط في التطيُّر والتعويل على الفأل، لأنهما أمران يصحان ويبطلان، والأقل منهما لا يميَّز من الأكثر، وللمزاج من الإنسان فيهما أثرٌ غالب، والعادة أيضًا تعِين، والوَلوع يزيد، والتحفظ مما هذا شأنه شديد. ولقد غلب هذا حتى قيل: فلانٌ مدوَّر الكعب، وفلانٌ مشئوم، وحتى تعدَّى هذا إلى الدابة والدار والعبد. وكل هذا ظهر في هذه الدار حتى لا يكون للعبد طمأنينة إلا بالله، ولا سكونٌ إلا مع لله، ولا مطلوبٌ إلا من لله. ولهذا عزَّ وجلَّ يُطلِع الخوف من ثنية الأمن، ويسوق الأمن من ناحية الخوف، ويبعث النصروقد وقع اليأس، ويأتي بالفرج وقد شتد البأس. وأفعال لله تعالى خفيَّة المطالع، جلية المواقع، مطوية المنافع، لأنها تَسري بين الغيب الإلهي والعِيان الإنسي. وكل ذلك ليصحَّ التوكل عليه، والتسليم له، واللِّياذ به، ويعرِّج على كنف ملكه، ويُتبوأ مَعَانُ خُلده، ويُنال ما عنده بطاعته وعبادته.
فلما سمع كلامه الوزير أعجبه فقال: هذا كلامٌ ليس عليه كلام.