الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

من ذاكرة ماسبيرو.. عزيز أباظة.. رائد الحركة المسرحية الشعرية

عزيز أباظة
عزيز أباظة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تحدث المخرج عثمان أباظة، في برنامج أوراق الخريف من المسرح العربى الشعرى الحديث: عن الشاعر الكبير «عزيز أباظة، قائلًا: في ذلك الفترة بين عامى ١٨٩٨ و١٩٧٣ عاش الشاعر عزيز أباظة الذى أثرى الحياة الأدبية بالعديد من الأبيات التى لا تكرر بنفس الدقة والحنكة، ترك لنا خمس مجموعات شعرية، أولاها ديوانه «آنات حائرة» الذى نشره في حياته، ويضم قصائده وبكائياته في زوجته الأولى، وهو أول ديوان في الشعر العربى يخصصه صاحبه لبكاء زوجته التى عاش معها قصة حب، لا يستطيع أحد أن ينساها.
وقد تابعه في هذا الأمر شاعران هما عبدالرحمن صدقى وطاهر أبوفاشا، أما المجموعات الأربع الأخرى فقد جمعها ونشرها صديقه الفنان أنور أحمد بعد رحيله، وهى «من الشرق والغرب»، و«تسابيح قلب»، و«في موكب الحياة»، و«في موكب الخالدين»، امتد إبداعه إلى نقطة الخطر والصعوبة، فترك إرثًا لا يعوض ولا يخلفه أحد من بعده، فله تسع مسرحيات شعرية، حققت له مكانة في إبداع المسرح الشعري، باعتباره القمة أو القامة الثانية بعد شوقى الرائد الأول لهذا الفن الشعرى في العربية، ويتفوق في إحكام رسم الشخصيات المسرحية التى تميز شوقى وحده بهذه الحبكة، والتعمّق في تصويرها، وتحرره من الوحدات التقليدية الثلاث: الزمان والمكان والحدث، وإن لحقت به التهمة التى وجّهت من قبله إلى شوقى وهى طغيان النزعة الغنائية، لكن شوقى يحتفظ بفضْل السبق والريادة وصُنع النموذج والمثال، ولقد أتيحت لعزيز أباظة ظروف حياة رخيّة، في ظل أسرة كبيرة ميسورة، وتعليم أوصله إلى التخرج من كلية الحقوق، وحياة اجتماعية أدبية حافلة، أتاحت له أن يكون قريبًا من رموز عصره من الكتاب والشعراء والمفكرين أصدقاء أعمامه من أمثال الشيخ عبدالعزيز البشرى وشاعر النيل حافظ إبراهيم ومحمد السباعي، ومثله الأعلى في الشعر وأستاذه فيه أحمد شوقي، الذى كان يعده رائدًا له، كما كان يأخذ بيده ويوجهه في سنوات إبداعه الأولى، عندما لمس فيه نبوغه المبكر وموهبته الشعرية البازغة، وتمكّنه من لغته التى يبدع بها ويعبر عن أشواقه وخلجات وجدانه، نتيجة لاطلاعه الواسع، وتمثله لكتابات كبار الأدباء والشعراء القدامى والمحدثين، وستلازمه هذه الصفة المميزة تمكنه من اللغة، وخاصة بعد عضويته في مجمع اللغة العربية.
وقد استقبله العقاد الذى سبقه إلى المجمع بقوله: إنه اهتم بالقدرة ولم يهتم بالتقدير، فلم يعرف الراصدون هذا الكوكب إلا وهو في برجه الأسمى، قد جاوز جانبى الأفق، وأصعد في سمت السماء، بالإضافة إلى أن حياته امتلأت بما جعله شديد الانغماس في حياة المجتمع والقيام بدور كبير في حياته الثقافية والأدبية والإدارية، حصل على جائزة الدولة التقديرية واتسعت هذه الحياة ليكون عضوًا في مجلس النواب، ومديرًا للقليوبية والفيوم والمنيا ومحافظًا وحاكمًا عسكريًّا لمنطقة القناة، ومديرًا للبحيرة ثم أسيوط، وعضوًا في مجلس الشيوخ، وعن دوره في الحياة الشعرية فقد أصبح رئيسًا للجنة الشعر بعد رحيل رئيسها الأول عباس محمود العقاد، وبسبب ارتباط اسمه ارتباطًا شديدًا بشوقى ونهجه في كتابة المسرح الشعري، فقد لحق به كثير مما كان يوجه إلى العقاد وشوقى من نقد واتهامات في العقود التى توسطت القرن العشرين بالإضافة إلى بروز العنصر اللغوى في شعره، وهو ما كان يحول بين انتشار هذا الشعر وذيوعه لدى الجمهور العام للشعر، الذى وجد في كثير من قصائده حرصًا على استدعاء المعجم الشعرى التراثى للقصيدة العربية الكلاسيكية، في الوقت الذى كان شعراء المهجر وجماعة أبولو والشعر الجديد قد هيّأوا الذائقة الشعرية للغة أكثر يُسْرًا وعصرية، وأقرب إلى لغة الحياة العامة، كان له الحظ الأكبر عندما أبدع بصوته عبدالوهاب قصيدته همسة حائرة، الأمر الذى جعلها واحدة من كلاسيكيات الغناء الحديث.
والطريف أن القصيدة في الأصل جاءت على لسان قيس بن ذريح في مسرحية عزيز أباظة قيس ولبنى، لكنها أصبحت في الغناء قصيدة تتكلم عن شط النيل وهمسات الماء ولقاء الحبيبين على الضفاف، واختتم حديثه بجملة أثرت في نفوس وعقول الشعراء، قائلا: هذا شاعر كبير القامة والمقام لم ينصفه عصره، وهو صاحب الإنجاز المسرحيّ الشعرى الباذخ، والمجموعات الرصينة البديعة من الشعر الغنائي، لم يلتفت إليه أصحاب النقد الجديد، الذين رأوا في الاقتراب منه مُصانعة للأرستقراطية، ولم يُشغل به أصحاب النقد الإيديولوجى رفضًا منهم لطبقته الاجتماعية وهم العاكفون على الكادحين والمستذلين، ولم يقرأ له البنيويون صفحة واحدة من مسرحياته الشعرية أو دواوينه، فسقط في الما بيْن، لكنّ زمنًا قادمًا سوف يُنصفه.