الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الربيع العربى دمار وتشرد وبطالة وحرب أهلية وإرهاب

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
461 مليار دولار خسائر في البنية التحتية.. و289 مليار دولار خسائر في الناتج المحلى
فقدان ١٠٠ مليون سائح في الفترة من ٢٠١١ إلى ٢٠١٤ استخدام التخريب كسلاح سياسى في النضال لتحقيق أهداف سياسية



ليست النزاعات السياسية والحروب بجديدة على العالم العربي، ولكن ما شهده منذ أواخر 2010 من أحداث عنف واضطرابات في تونس، أطلق عليها الربيع العربي، والذى انتقل إلى عدة دول أخرى مثل ليبيا ومصر واليمن، يختلف عن معظم حالات الاضطراب الإقليمى السابقة، ليس فقط في طول الوقت الذى تأثرت فيه أجزاء مختلفة من المنطقة، ولكن في الطريقة التى أثرت بها طبيعتها واسعة النطاق على معظم الدول العربية، سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، وإن كان بطرقٍ مختلفة إلى حد كبير.
ومن آثاره أنه تسبب في عزل القادة الذين خدموا لفترة طويلة من مناصبهم، وحدوث حراك وتغيير النخب السياسية الحاكمة في جميع أنحاء العالم العربي، بينما حاولت الدول الأخرى مثل المغرب ودول الخليج التخفيف من حدة السخط العام في ظل تزايد خطر امتداد الثورات إليها بما يزعزع استقرارها. وقد أثرت الثورات على الاستقرار السياسى في جميع أنحاء المنطقة، سواء من خلال المظاهرات الفعلية في مختلف البلدان أو من خلال شبح التأثيرات الإقليمية المستمرة على الدول التى لم تتدفق إليها، فقد تراجعت قيمة الاستقرار السياسى في مصر من (-0.91 في عام 2010) إلى (-1.45، -1.46، -1.62 في الأعوام 2011، 2012، 2013 على التوالي)، أما في ليبيا فقد تراجعت قيمة الاستقرار السياسى وفقًا للبنك الدولى من (-0.03 في عام 2010) إلى (-1.29، -1.54، -1.81 في الأعوام 2011، 2012، 2013 على التوالي، وفى سوريا تراجعت قيمة الاستقرار السياسى من (-0.81 في عام 2010) إلى (-2.01، -2.69، -2.68 في الأعوام 2011، 2012، 2013 على التوالي) فكانت أبزر مؤشرات عدم الاستقرار السياسى ما يلي:



تغيير النظام
نتج عن الربيع العربى عدد من التغييرات في النظام السياسي، مع تداعيات بعيدة المدى على الاستقرار والأمن، من بينها تغيير النظام، والذى أصبح على قمة مطالب الحركات الاحتجاجية والثورية في مختلف البلدان. وهو ما حدث بالفعل، ففى تونس فر الرئيس زين العابدين بن على من البلاد بعد أسابيع من الاحتجاجات في أعقاب إشعال محمد بوعزيز النار في نفسه في سيدى بوزيد في ديسمبر ٢٠١٠، كما تنحى الرئيس حسنى مبارك في مصر بعد ثلاثة أسابيع من الاحتجاج الشعبي، أما في ليبيا فقد قُتل الرئيس معمر القذافى على أيدى قوات المتمردين بعد فراره من العاصمة، وقد تنحى على عبدالله صالح في فبراير ٢٠١٢ في أعقاب تصاعد الاحتجاجات في اليمن لعدة أشهر متتالية. في كل حالة، أزاحت الاحتجاجات القادة السياسيين الذين حكموا بلادهم لمدة تتراوح بين ٢٤ عامًا (بن على) و٤٠ عامًا (القذافى)، تاركين وراءهم تصدعات عميقة في الأنظمة السياسية في جميع البلدان الأربعة.


الحكومات الانتقالية
كان التأثير الأطول أمدًا للثورات العربية التى أطاحت بالنظم السياسية الحاكمة هو حالة من عدم اليقين السياسى في ظل تجارب الحكم الانتقالى في ليبيا ومصر وتونس واليمن. فقد عانت الحكومات الانتقالية من مصادر خلاف متباينة منها التعارض في المصالح بين القوى الوطنية وكذلك بين القوى الدولية الراغبة في التحكم في طبيعة النظام السياسى الجديد، والافتقار إلى الشرعية السياسية في حد ذاتها كهيئة حاكمة غير منتخبة، سرعة معدل دوران الحكومات حيث كانت تبقى لفترات قصيرة فقط، بجانب عدم القدرة على معالجة القضايا المثيرة للجدل والتى غالبًا ما كانت تترك للحكومات المنتخبة اللاحقة. نتيجة لذلك، عانت القطاعات الرئيسية من حالة عدم اليقين الذى ساهم في تدهوره الأولويات المتنافسة جنبًا إلى جنب مع التوقعات بأن الحكومات يمكنها صياغة حلول سريعة لقضايا مثل الأمن والتى أدت إلى تآكل قدرة صناع القرار على وضع سياسات ملائمة لحلها.


الحرب الأهلية
لم تعرف أجزاء من المنطقة العربية بالربيع العربى كوقت فعلى لتغيير النظام ولكن كوقت للقتال المدنى المستمر بين القوى المتنافسة والحكومة المركزية. هذا ما حدث في سوريا حيث تحول الاحتجاج الأولى في مارس ٢٠١١ إلى حرب أهلية شاملة، مما أدى إلى نزوح ما يقرب من ٢.٤ مليون مواطن سورى وانقسامات بين الجماعات الدينية الطائفية المتصارعة على السلطة بجانب ترك آثار سياسية على الدول المجاورة لها - لبنان والعراق -، حيث إن كلتا الدولتين بهما صراعات طائفية ساهمت الحرب الأهلية في سوريا في زيادة احتمالية تأجيجها مرة أخرى. وقد أدى الاستخدام المزعوم للأسلحة الكيميائية ضد المدنيين في أغسطس ٢٠١٣ إلى تدخل دولى ساهم في إطالة أمد الحرب الأهلية إلى الآن. وقد شهدت ليبيا وضعًا مماثلًا من تدهور الأمن الداخلى قبل إزاحة نظام القذافى وفى أعقابها. فالاقتتال المدنى العنيف بين القبائل والميليشيات والمدن أضحت ليبيا ممزقة بين الجماعات المختلفة. ولم يكن اليمن أفضل حالًا من نظائرها، فهى الأخرى تشهد إلى الآن حربا أهلية بين الحوثيين والحكومة الشرعية بقيادة عبد ربه منصور هادي، أدت بجانب تدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية لليمن إلى التهديد بتفككها وتقسيمها مرة أخرى إلى شمال وجنوب وهو الأمر الذى عانت منه لسنوات طويلة.
انتشار أعمال التخريب والإرهاب
في حين أن الربيع العربى قد يُرى على أنه ساهم بطريقة أو بأخرى في استخدام التخريب كسلاح سياسى في النضال من أجل أهداف سياسية، فمن المهم التمييز بين حركات الاحتجاج في الشوارع العربية التى ميزت بدايات الربيع العربى وبين استخدام مجموعات أخرى التخريب لتحقيق أهداف تختلف اختلافًا كبيرًا عن مطالب المتظاهرين. ويعد اليمن مثالا بارزا على ذلك، حيث شهد هجمات إرهابية شبه منتظمة، وازداد فيه عدد اللصوص الساعيين لتحقيق مكاسب من هذه الأوضاع، وكذلك الإرهابيون المرتبطون بتنظيم القاعدة وإيران أيضًا، من خلال الاستيلاء على حقول النفط وتهريب الأسلحة، وقد تكرر ذات المشهد في سوريا ومصر وليبيا وإن كان بدرجات متفاوتة. تكرار هذه الأعمال في الدول الأربع أدى إلى غياب الأمن لفترات طويلة، وبالتبعية فاقم عدم استقرارها.
ارتفاع أعداد المهاجرين والنازحين
تسببت ثورات الربيع العربى وما تبعها من حروب أهلية في بعض الدول في ظهور أكبر موجة من الهجرة الجماعية في العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. فقد ساهمت الحروب في ليبيا وسوريا واليمن وعدم الاستقرار في معظم أنحاء العالم العربى في تشريد ما يزيد عن ١٧ مليون لاجئ في جميع أنحاء العالم، سعيًا إلى التخلص من الأوضاع الخطرة في دولهم بطرق أكثر خطورة - تتمثل في عبور البحر المتوسط - على أمل الوصول إلى حياة آمنة في أوروبا وغيرها. فقد خاطر أكثر من ٤٥٠٠٠ مهاجر بحياتهم أثناء عبورهم البحر المتوسط للوصول إلى إيطاليا ومالطا عام ٢٠١٣ توفى منهم ٧٠٠ شخص، وارتفع عدد الضحايا أكثر من أربع مرات في العام التالي، فوصل إلى ٣٢٢٤. بجانب ذلك أدى إلى ارتفاع عدد النازحين - المشردين - داخل بلدانهم التى مزقتها الحروب، فوصل إلى ما يزيد عن ٣٣.٣ مليون شخص.
يجدر الإشارة هنا إلى أن وجود المهاجرين في الدول المضيفة خلق ضغطًا غير مسبوق على الموارد الوطنية، ملثما حدث في الأردن ولبنان اللذين استضافا أكثر من مليون لاجئ سوري، أى أكثر من خمس السكان في كل منهما.


ارتفاع معدلات الجريمة
صاحب موجات الربيع العربي، ازدياد الجريمة سواء سرقات، قتل، اغتصاب، الاتجار بالمخدرات...الخ. ففى مصر - على سبيل المثال - رأى ٩٠.٩١٪ من المشاركين في استطلاع رأى نشره موقع ناشيونال ماستر في ٢٠١٤، أن الجريمة زادت خلال السنوات الثلاث السابقة، أى ٢٠١١ و٢٠١٢ و٢٠١٣، وأتت مصر في المركز الثانى على ٩٣ دولة من حيث الاعتقاد بارتفاع معدلات الجريمة، بينما جاءت في المركز ٣٢ من حيث ازدياد عدد الجرائم. وقد رأى ٧٠.٥٩٪ من المشاركين السوريين أن الجريمة قد ارتفعت بما جعل سوريا في المركز السادس من حيث الاعتقاد بارتفاع معدلات الجريمة، بينما جاءت في المركز الرابع من حيث ازدياد عدد الجرائم. أما في ليبيا فقد رأى ٨١.٢٥٪ من المشاركين أن الجريمة زادت في السنوات الثلاث السابقة، وجاءت في المركز التاسع، بينما جاءت في المركز ١٨ من حيث عدد الجرائم، التى زادت عن مصر بنسبة ٢٥٪. وقد رأى ٨٠٪ من المشاركين اليمنيين أن الجريمة قد ارتفعت في اليمن، بما جعله يأتى في المركز الحادى عشر، بينما جاء في المركز ٢٧ من حيث زيادة عدد الجرائم.


الأمن ركيزة لتحقيق النمو الاقتصادى
دائمًا ما تُظهر المؤشرات والتحليلات أهمية توفر الاستقرار السياسى كشرطٍ أساسى لتحقيق النمو الاقتصادى الذى يحتاج إلى بيئة سياسية حاضنة. ومن الصفات التى يجب أن تتسم بها البيئة الحاضنة الأمن، وقدرة الدولة والمؤسسات الحكومية على بسط نفوذها وسيطرتها على المجتمع لإنفاذ القانون. وتعانى الدول في حالات التغيير العنيف غير المنظم بأطر دستورية وقانونية من حالات هروب رءوس الأموال ممثلة في الاستثمار الأجنبى المباشر، والسياحة إضافة إلى تراجع ثقة المنظمات والمؤسسات الدولية في الإقراض لعدم ثقتها في حالة عدم استقرار الحكم التى قد تشهدها الدولة.
يُمثل غياب الأمن بيئة طاردة للاستثمارات خاصة في حالة سقوط الدول بعد حالات التحول السياسى التى تمر بها عبر أنماط التغيير العنيف. وفى هذا السياق، يُعتبر سقوط الدولة في العراق واليمن وليبيا وسوريا نموذجًا واقعيًا لخطورة القضاء على الدولة الوطنية من خلال دعم التغيير بالعنف خاصة أن هذه الأنظمة تقوم بوظائفها الأساسية تجاه مواطنيها مثل الأمن وتوفير الفرص الاقتصادية وتقديم الخدمات التعليمية والرعاية الصحية، وتحويل جهودها لمكافحة الجريمة غير المنظمة، ومقاومة الميليشيات العسكرية التى تعمل على القضاء على الدولة الوطنية لتحل محلها. وفى حال سقوط الدولة الوطنية تنشط معدلات الجريمة والفوضى والهجرة غير الشرعية سواءً لأسباب تتعلق بالفوضى أو حتى للبحث عن فرص اقتصادية واستثمارية أفضل.
تضع النظم السياسية حالة عدم الاستقرار السياسى كمرادف للعنف السياسي. وتُعرف الدولة غير المستقرة بافتقادها للسلم الأهلى وطاعة القوانين نتيجة التغييرات السياسية والاجتماعية غير المنظمة، وهو ما قد يُولد حالة من العنف الجماعى بعكس إجراءات التغيير المؤسسى والدستوري. وتشهد الحالة الليبية ذلك الوضع؛ حيث تحول الجيش الوطنى إلى مجموعات من الكتائب والميليشيات التى يُغذيها المرتزقة. ومن المؤكد أن هذه الميليشيات تعمل على الهيمنة على القرارات الحكومية في مقابل الحماية.
خسائر الربيع العربى
وفقًا للتقارير الصادرة عن المنظمات الدولية والأمم المتحدة، كانت الدول العربية أكبر الخاسرين من أحداث ما سُمى بالربيع العربي. وفى هذا السياق، كشفت أرقام البنك الدولى ومؤسسات دولية أخرى أن إجمالى خسائر الدول العربية من هذه الأحداث بلغ ٦٠٠ مليار دولار إضافة إلى أكثر من ٢٢ مليون متعطل عن العمل. وقد أشارت اللجنة التحضيرية للملتقى العالمى لإعادة الإعمار ومستقبل البناء في دول الصراع إلى حاجة كل من سوريا والعراق مجتمعتين إلى ما يقارب ٥٠٠ مليار دولار لإعادة إعمار ما دمرته الحروب.
وصدر عن المنتدى الاستراتيجى العربى في دبى تقريرًا يفند قيمة الفاتورة الباهظة التى تدفعها الشعوب العربية جراء أحداث التغيير العنيف التى بدأت عام ٢٠١١. ويشير تقرير المنتدى إلى خسارة في البنية التحتية تقترب من ٤٦١ مليار دولار، وخسارة الناتج المحلى الإجمالى للدول أكثر من ٢٨٩ مليار دولار فضلًا عن خسارة أكثر من ٣٥ مليار دولار كاستثمار مباشر. إضافة إلى الخسارة المادية، فقد نجم عن الربيع العربى ١٥ مليون مشرد، ووقوع ١.٣ مليون ما بين جريح وقتيل.
واستغلت التنظيمات الإرهابية والجماعات المتطرفة الفوضى في سوريا واليمن وليبيا لتؤسس لنفسها موطئ قدم. علاوة على الخسارة الاقتصادية، خسر التراث العالمى العديد من المناطق الأثرية لا سيما في العراق وسوريا وليبيا بفعل أنشطة التنظيمات المسلحة التى عملت على تأجيج الصراعات المحلية التى عملت على استغلالها لنشر حالات الفوضى والعمل على تمكين الأيديولوجية المتطرفة. وخلص تقرير المنتدى الاستراتيجى العربى إلى أن حالات عدم الاستقرار وموجة الإرهاب بالمنطقة العربية أدت إلى انخفاض حاد في نمو حركة السياحة التى فقدت نحو ١٠٠ مليون سائح في الفترة بين ٢٠١١-٢٠١٤.


الاقتصادات والتغيير
تعرض الاقتصاد المصرى لخسارة فادحة نتيجة انطلاق شرارة التغيير في ٢٠١١. وأشار الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى أن مصر خسرت منذ يناير ٢٠١١ أكثر من ١٠٠ مليار دولار؛ حيث انعكست حالة عدم الاستقرار السياسى والأمني التى مرت بها مصر منذ ٢٠١١ على قطاعات السياحة والصناعة إضافة إلى ارتفاع فاتورة مكافحة أنشطة تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابى في سيناء وما نجم عن هذه الحرب من خسائر مادية وبشرية. وفى هذا السياق، وصلت خسائر شركة مصر للطيران إلى ٧٧٧ مليون دولار أى ما يقارب ١٣ مليار جنيه نتيجة تأثرها بحالة العنف التى أدت إلى إسقاط طائرة مملوكة لإحدى الشركات الروسية في سيناء مما أدى إلى تعليق عدد كبير من الشركات الجوية لرحلاتها إلى مصر وهو ما انعكس بطبيعة الحال على تراجع معدلات السياحة. وقد وصل الاستثمار قبل ٢٠١١ إلى ٣٧ مليار دولار فيما وصل إلى صفر في مايو ٢٠١١. من ناحيةٍ أخرى، تهاوى الاحتياطى النقدى الأجنبى المصرى من ٣٦ مليار دولار مطلع يناير ٢٠١١ إلى ١٥ مليار دولار في ديسمبر ٢٠١٢، ثم وصل بعد ذلك إلى حافة الخطر لولا جهود الدولة المصرية بعد عزل الإخوان في يونيو ٢٠١٣ لاستعادة الثقة في الاقتصاد المصرى من خلال تحقيق الأمن وبدء مرحلة البناء الدستورى للمؤسسات.
لم يقتصر تأثر مصر من أحداث ٢٠١١ بالجوانب الاقتصادية وحدها ولكن تمدد الأمر إلى تهديد الأمن القومى المصرى خاصة مع انتشار الحركات والتنظيمات الإرهابية المسلحة كتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وتنظيم القاعدة في محيطها الجغرافى وعمقها الاستراتيجى في كل من ليبيا واليمن وسوريا التى تمثل امتدادًا طبيعيًا للأمن القومى المصري. فضلًا عن فقدان مصر لسوق العمل الليبى الذى كان يستوعب ما يقترب من مليون عامل في مختلف الحرف والمهن، وهو ما مثل عبئًا إضافيًا على كاهل الدولة المصرية التى لم تكن تعافت بعد من كلفة عملية التغيير التى ضربتها في ٢٠١١.
ويتشابه الوضع في سوريا واليمن وليبيا؛ إذ بات يسيطر النمط الميليشياتى على مناطق كبيرة من البلاد. وقامت هذه الميليشيات بتشكيل حكومات ومجالس حكم تابعة للقيام بوظائف الدولة، ولكن هذا لم يكن طريقًا لتحقيق نمو في المعدلات الاقتصادية، واقتصر فقط على تسيير احتياجات الناس اليومية بجانب حروب العصابات التى يمارسونها ضد الحكومات الوطنية وذلك لضمان استمرار الأوضاع الراهنة.
وتعرضت ليبيا لموجة عاتية من الفوضى في ٢٠١١ أدت إلى سقوط مخازن الأسلحة بأيدى الميليشيات والتنظيمات المسلحة مما انعكس سلبًا على دول الجوار خاصة مصر التى عانت من تهريب الأسلحة عبر حدودها الممتدة مع ليبيا. وخسرت ليبيا نحو ٦٠٪ من عائداتها النفطية التى كانت تمثل ٩٤٪ من عائدات النقد الأجنبى للحكومة الليبية قبل ٢٠١١. وتراجع نصيب الفرد من الثروة إلى نحو ٧٨٢٠ دولار بمعدل تراجع قدره ٤٠٪ مما كان عليه الوضع قبل ٢٠١١. وفى السياق ذاته، انهارت البنية التحتية للدولة في سوريا واليمن؛ إذ تشير التقارير الدولية إلى حاجة هذه الدول إلى عشرات المليارات من الدولارات لإعادة الإعمار. ختامًا؛ تُخلف حالة التغيير غير المنظم عبر النظم الدستورية والقانونية خسارات فادحة على كل المستويات سواءً السياسية أو الاقتصادية أو المجتمعية؛ إذ ينتج عن هذا التغيير فراغًا قانونيًا في العمل المؤسسى مما يدفع إلى تنشيط حالات عدم الاستقرار والفوضى، وهى ما تحفز من غياب الثقة في الاقتصاد وهروب الاستثمار وتزايد معدلات الجريمة كنتيجة لغياب الاستقرار السياسي.