الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

مفاجآت انتخابات تونس تكشف ضعف الأحزاب.. صعود مرشح مستقل ورجل أعمال محبوس لجولة الإعادة وفشل مرشح "النهضة" الإخواني.. "الشعب يريد" شعار قيس سعيد.. ونبيل القروي يضع الدولة في مأزق

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شهدت العملية الانتخابية تسارعًا وتصارعًا بين الأحزاب والكتل السياسية للدفع بمرشحيها نحو خوض الانتخابات، وهو ما أبرز تفككًا وتشتيتًا انعكس على برامج المرشحين التى بدت خالية من مضمونها، خاصة ما يتعلق بالحلول الاقتصادية؛ حيث يُمثل الاقتصاد عثرة أمام النخب التونسية خلال الفترة المقبلة، لا سيما مع تراجع عوائد السياحة التى تأثرت بموجة الإرهاب التى تواجهها تونس منذ ٢٠١١، وتركيز الأحزاب والنخب السياسية على المنافسة، والمصالح الشخصية الضيقة بعيدًا عن مسائل العيش التى تُعد أبرز القضايا المُلحة التى تشغل المواطن التونسي. 
من ناحيةٍ أخرى، أبرزت نتائج المشاركة السياسية عن حالة من غياب الثقة، وعدم اليقين السياسى بين النخب الحاكمة منذ عام ٢٠١١، والناخب التونسى العادي، خاصة فئة الشباب التى تعانى الفقر والبطالة منذ عهد زين العابدين بن على. وفى هذا الإطار، هوت نسبة المشاركة السياسية إلى ٤٥.٠٢٪ بعد أن تجاوزت حد الـ ٦٤٪ في الانتخابات الرئاسية التى أُجريت عام ٢٠١٤.

ويُفسر المهتمون بالشأن التونسى تراجع نسب المشاركة إلى غياب الثقة وفقدان الأمل بالنخب السياسية التقليدية التى تكالبت على السلطة دون عملها على تقديم برامج اقتصادية تلمس معايش الناس اليومية، وهو ما قد يُفسر تقدم رجل الأعمال نبيل القروى في الجولة الأولى من الانتخابات، رغم خوضه العملية الانتخابية من داخل السجن بتهم تتعلق بالتهرب الضريبي. ويعنى ذلك بصورة أو بأخرى حاجة التجربة التونسية إلى الاستقرار النسبى في السلطة لإنجاز الخطط الاقتصادية المعطلة، نتيجة التفتت داخل البرلمان الذى يُهيمن حقيقة على عملية صنع القرار، في ضوء محورية موقع رئيس الوزراء الذى يُعينه الرئيس من الأغلبية النيابية.
خيارات التونسيين في جولة الإعادة
أبرزت نتائج الانتخابات الرئاسية المبكرة في تونس، تأهل مرشحين رئاسيين من خارج الأُطر التقليدية سواءً الأحزاب أو مؤسسات الدولة الرسمية؛ وهم رجل الأعمال ومالك محطة «نسمة» الفضائية، نبيل القروي، وأستاذ القانون الدستورى في جامعة تونس، قيس سعيد، وتأتى هذه النتائج على عكس ما اتجهت له استطلاعات الرأى العام وتوقعات النخب التونسية التقليدية.
وتجدر الإشارة إلى أن المرشحين لم ينالا حظهما من الضوء الإعلامى المكثف في انتخابات الجولة الأولى، وذلك للظروف المتعلقة برفض «سعيد» للأحزاب، وترشيد النفقات بحملته التى رفضت التمويل الخارجي، وظروف حبس «القروي» في قضايا متعلقة بغسيل الأموال والتهرب الضريبي، إضافة، وهو السبب الأهم، إلى تركيز وسائل الإعلام على المرشحين التقليديين الذين أبرزت النتائج فشلهم في إقناع الشارع التونسى ببرامجهم وأحزابهم، مثل مرشح حزب حركة النهضة الإسلامية، عبد الفتاح مورو، والرئيس الانتقالى الأسبق، المنصف المرزوقي، ويوسف الشاهد رئيس الوزراء الحالي، ووزير الدفاع المستقيل، عبد الكريم الزبيدي.

قيس سعيد
لم تخرج ملفات التعريف الخاصة بالمرشح الرئاسى قيس سعيد، الذى أعلنت مؤشرات النتائج الأولية تصدره قائمة المرشحين، عن كونه أستاذًا للقانون الدستورى بالجامعة التونسية، إضافة إلى لباقته في اللغة العربية، فهو لم يكن يومًا منخرطًا بمنظومة الحكم التونسية، ولكنه كان يبرز صوته عبر القنوات الفضائية كخبير ومحلل في القانون الدستوري.
ويرى البعض أن زُهده وترفعه عن قبول التبرعات لحملته الانتخابية كان عامل قوة؛ حيث استعاض بذلك بالجولات الميدانية التى خاطب خلالها التونسيين مباشرة.
ويرفض «سعيد» الانضمام لأى حزب سياسى، معتبرًا أن إرادة الشعب هى الحاكمة، وهو ما يفسره تبنى حملته الانتخابية لشعار «الشعب يريد».
نبيل القروى
برز اسم «القروي» في السياسة التونسية من خلال إنشائه قناة «نسمة» التليفزيونية عام ٢٠٠٧، ولم يكن للقروى فاعلية سياسية تُذكر قبل ٢٠١١، واتجه بعد وفاة أخيه خليل القروي، إلى العمل الخيرى والإنساني؛ حيث أسس جمعية خيرية تحمل اسم أخيه، وهو ما يعتبره البعض أنه كان سببًا مباشرًا لقاعدته الجماهيرية التى اتكأ عليها في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
ورغم مشاركته في تأسيس حزب «نداء تونس»، فإنه اختلف مع الرئيس الراحل «السبسي» ليؤسس في يونيو ٢٠١٩ حزبه الجديد «قلب تونس».
ورأى القروى أن ترشحه لرئاسة تونس نابع من إحساسه وشعوره بالفقراء والمهمشين الذين تعامل معهم مباشرة من خلال عمله في جمعية «خليل تونس»، التى أتاحت له التواصل والتقرب من هذه الطبقة التى تعانى الفقر والتهميش.
وانطلاقًا من العمل الخيرى ومساعدة الفقراء والمهمشين، بنى «القروي» شعارات حملته لرئاسيات ٢٠١٩، وحاربته حركة النهضة، ورئيس الوزراء «الشاهد»، واتهموه بأنه امتداد لنظام «بن على»، وتم الزج به في السجن بناءً على مذكرات قضائية تتعلق بغسيل الأموال والتهرب الضريبي.
ورغم كل هذه التضييقات حلَّ ثانيًا في النتائج الأولية للانتخابات، وهو ما عدَّه الشارع التونسى مفاجأة.
ووضعت حالة «القروي» الدولة والقضاء التونسى في مأزق قانونى يتعلق باحتمالات الإفراج عنه لخوض الجولة الثانية من الرئاسة، أو الإبقاء عليه في السجن، والأكثر دهشة من ذلك ما ستفعله الدولة التونسية في حال فوزه بجولة الإعادة وهو قيد الحبس، وهو ما يُمكن أن يُمثل فراغًا دستوريًا.
وغطَّت قضية اعتقال «القروي» على سير حملته الانتخابية التى لم تخلو من إبراز مظلمته بتقديمه كضحية لتحالف حزب «حركة النهضة» والمرشح الرئاسى ورئيس الحكومة يوسف الشاهد.

تراجع الأحزاب والنخب التقليدية
رغم نجاح تجربة تونس في تجاوز الاستقطابات السياسية والإيديولوجية من خلال التوافق الذى بدأه الرئيس الراحل الباجى قائد السبسى مع حركة النهضة الإسلامية، وتم على إثره إقرار الدستور الذى أُجريت على أساسه الانتخابات الرئاسية والتشريعية فيما بعد، إلا أن النتائج الأولية تُبرز العديد من التخوفات على مسألة الاستقرار في تونس خاصة في ضوء إحجام الشباب عن المشاركة، فضلًا عن تراجع ثقة الناخب في الأحزاب والأطر السياسية التقليدية.
وقد مثَّل فوز مرشحين خارج الأُطر الحزبية تحديًا للانتخابات التشريعية القادمة، خاصة أن رئيس تونس القادم لا يمتلك ظهيرًا حزبيًا، فقيس سعيد يرفض الأحزاب، ويرى أنها ستندثر، والقروى رغم تمثيله لحزب «قلب تونس»، إلا أنه حزب وليد تأسس ليدخل الانتخابات الرئاسية مستظلًا به بما يعنى أنه فارغ من الكوادر والهياكل المؤهلة لخوض الانتخابات التشريعية.

عزوف الشباب عن المشاركة
إضافةً إلى تراجع نسب المشاركة السياسية بمقدار ٢٠٪ تقريبًا عن الانتخابات الرئاسية عام ٢٠١٤، إلا أن هذه الانتخابات شهدت عزوفًا من فئة الشباب عن المشاركة، وهو ما يُفسر مناشدة رئيس الهيئة العليا للانتخابات، نبيل بفون، الشباب للنزول والمشاركة بإيجابية في صناعة مستقبلهم.
وقال «بفون»: «تونس تستحق منا أن ينزل الشباب ويقوم بواجبه ويدلى بصوته». وتُعد البطالة وضعف الأداء الاقتصادى أبرز أسباب عزوف الشباب عن المشاركة؛ حيث تشير التقارير والمؤشرات إلى أن أكثر من ثلث الشباب ممن لهم حق التصويت يعانون البطالة.
ويُفسر تراجع نسب المشاركة في الانتخابات الرئاسية إلى إدراك التونسيين عدم أهمية المنصب؛ حيث ينص الدستور على سلطة رئيس الجمهورية في تسيير شئون الدفاع والسياسة الخارجية والأمن الداخلي، فيما يسيطر رئيس الحكومة على بقية الاختصاصات مثل الاقتصاد والتعليم والصحة، وهى بالطبع ما يشغل الناخب. ووعد «عبد الكريم الزبيدي» المرشح الرئاسى الخاسر ووزير الدفاع المستقيل، بتوسيع صلاحيات رئيس الجمهورية في التعديلات الدستورية التى وعد مؤيديه بالعمل على إجرائها لضمان توازن حقيقى في الصلاحيات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، فيما ترفض الأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى هذا الاقتراح داعية إلى منح الفرصة كاملة لتطبيق الوثيقة الدستورية الحالية، وتقييمها لاحقًا.
كما يعكس صعود سعيد والقروى بشكلٍ أو بآخر أزمة حقيقية تمر بها الأحزاب السياسية التى كانت بمثابة الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات، ويُمكن أن يُعزى تراجع الأحزاب أيضًا إلى ضيق الناس من فكرة النمطية والالتزام الحزبى الشديد المفروض على خطاب المرشحين وتوجهاتهم بعكس المرشح المستقل، وذلك ما يتأكد بفوز الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، الذى خرج بحملته الانتخابية عن أى التزامات متعلقة بدوائر صنع السياسة سواءً داخل الحزب الجمهورى أو الدولة ككل. 
ومن المتوقع أن تُلقى هذه النتائج بظلالها على أغلبية مجلس نواب الشعب القادم، الذى سيعانى في تشكيلته الهشاشة والتفتت، وهو ما يُمكن أن يعطل عمل رئيس الحكومة الذى يتحمل أعباء ومسئوليات الوزارات الخدمية والاقتصادية.