الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

عدو الديمقراطية.. يؤمم الحياة السياسية في تركيا.. «أردوغان» يستغل صلاحياته لإفشال نجاح المعارضة بالانتخابات المحلية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ما بين الوصم بالإرهاب، أو استغلال الصلاحيات، يتبنى الرئيس التركى رجب طيب أردوغان سياساته الهادفة إلى تأميم الحياة السياسية التركية، لضمان سيطرته على السلطة، عن طريق شرعنة القمع بأساليب قانونية.

وتجلى الأمر بصورة كبيرة في ١٩ أغسطس ٢٠١٩، عندما أقال ٣ رؤساء بلديات للمدن الكردية ديار بكر وماردين وفان، بعد اتهامهم بصلات مع المتشددين الأكراد، وهم أحمد ترك رئيس بلدية ماردين، وعدنان سلجوق مزراقلى رئيس بلدية ديار بكر، وبديعة أوزجوكتشه أرطان رئيسة بلدية فان، والذين استبدلهم بـأشخاص معينين بقرارات إدارية، ضمن حملة أمنية أسفرت عن اعتقال أكثر من ٤٠٠ شخص.


توظيف الصلاحيات
وبالرغم من الانتقادات الداخلية والخارجية للسياسات التى ينتهجها أردوغان، إلا أن الرئيس التركى مازال مستمرا في تنفيذ مخططه الهادف إلى قمع الأصوات المعارضة حتى وإن جاءت بصورة ديمقراطية، وعدم الاعتبار لإرادة الناخبين.
ويستغل أردوغان صلاحياته الدستورية التى أقرها في ظروف استثنائية في أبريل ٢٠١٧، لتوسيع صلاحياته والتى من بينها المواد رقم ١٢٣ و١٢٦ و١٢٧ من الدستور، والتى تمنح الحكومة صلاحية الوصاية الإدارية؛ وهذه المواد من الصرامة بحيث لا تترك للإدارات المحلية (رؤساء البلديات) مجالًا للتحرك بحرية من دون موافقة الحكومة وموظفيها المحليين الممثلين بالمحافظ أو من ينوب عنه.
وجاءت تصريحات الرئيس التركى ليعلن: «إنهم (أى رؤساء البلديات التابعة للمعارضة والتى فازت في الانتخابات الأخيرة وانتشلت البلديات من الحزب الحاكم) لن يستطيعوا إدارة البلديات، ولن ينجحوا، لأنهم سيعجزون -حتى- عن دفع رواتب موظفيهم.. وبحوزتنا جميع قوائم ديون البلديات، وكلها مديونة للغاية، ونعلم حجم مديونيتها... لن يستطيعوا إدارتها.. والذين لا ينسجمون مع الحكومة المركزية سيعلنون إفلاسهم في المستقبل القريب».
وبالتالى فإن هذه المواد تمثل حجر عثرة للحفاظ على استمرارية هيمنة المعينين على المنتخبين، وبالرغم أن هذا السمت ليس بجديد على الحياة السياسية التركية فيما يتعلق بمركزية الإدارة إلا أنه تم تعزيز هذه الظاهرة بشكل متزايد في ظل حكومات حزب العدالة والتنمية.

وعلى الجانب الاقتصادي، فمنذ عام ٢٠٠٢؛ تم تخفيض المخصصات المالية الموجهة إلى البلديات إلى ١٠٪، بعدما كانت ١٥٪ من قبل؛ الأمر الذى يؤطر لفكرة استمرار اعتماد البلديات في مخصصاتها المالية على الحكومة المركزية، وإجبارها على المثول لسياسات الحكومة بصورة مباشرة، حتى وإن كانت البلدية تحت سيطرة قوة معارضة للحكومة كما هو الحال في الانتخابات البلدية الأخيرة.
بالإضافة لذلك ففى أغسطس ٢٠١٨، صدر مرسوم رئاسى برقم ١٧ يقضى بربط ميزانية جميع المؤسسات والمنظمات الإدارية التى كانت خارج الميزانية العامة، بما في ذلك البلديات، بوزارة الخزانة والمالية التى يرأسها صهر أردوغان برات آلبيراق، وبالتالى فإن انعكاسات هذا القرار سيؤثر على مسار عمل رؤساء البلديات خاصة البلديات التى سيطرت عليها قوى المعارضة التركية وذلك في اتجاه الحصول على المخصصات المالية من الوزارة ليس فقط لنفقاتها بل للحصول على مواردها ودخلها، وهذا يعنى أن البلديات التى انتقلت إلى سلطة المعارضين ستعانى كثيرًا من معالجة الحطام المالى التى خلفتها الإدارات السابقة.
وبالتالى فإن سياسة الرئيس التركى أردوغان وفق ما أعلنه واتخذه من قرارات تثبت بأنه سيضيق الخناق على المعارضين في البلديات الكبرى بصورة خاصة مثل أنقرة وإسطنبول وأزمير، والبلديات التى سيطرت عليها قوى المعارضة بصورة عامة في تركيا.


مواجهة متبادلة
واتخذ أردوغان العديد من السياسات غير القانونية فيما يتعلق بإقالة مسئول منتخب بطريقة ديمقراطية، متجاوزًا بذلك السلطات القضائية التى من شأنها الفصل في هذه القضايا، الجدير بالذكر هنا أن ساحة المواجهة بين أردوغان والمعارضة انطلقت بحرب استباقية من جانب أردوغان خاصة بعدما تراجعت شعبيته في الفترة الأخيرة على خلفية هذه الأزمات، والتى بدأها أردوغان بإصدار تشريع جديد في تركيا بنقل صلاحية التحقيق مع رؤساء البلديات من وزارة الداخلية إلى رئاسة الجمهورية، وذلك قبل أشهر قليلة من انطلاق انتخابات البلديات التركية ٢٠١٩، وبموجب القانون الجديد الذى أعدته حكومة العدالة والتنمية ستنقل صلاحيات وزير الداخلية الخاصة بالبلديات إلى أردوغان، وبهذا يتاح للرئيس التركى فصل رؤساء البلديات بقرار مباشر منه، وعلى الرغم من الإدانات المحلية والدولية، عزلت السلطات التركية مجددًا ٤ رؤساء بلديات آخرين بمدينة بطمان، وعينت وصاة من الحزب الحاكم، بدلًا منهم.
ومن جانب المعارضة، فهناك العديد من الدلائل التى تبرهن على استمرار المواجهة مع حزب العدالة والتنمية الحاكم، من خلال اللجوء إلى القضاء أو تنظيم التظاهرات، وظهرت بوادر ذلك بإعلان تأكيد رؤساء البلديات الثلاثة، المقالين تعسفًا، اللجوء إلى القضاء احتجاجًا على إقالتهم، بالإضافة إلى المظاهرات العارمة التى خرجت في المدن ذات الأغلبية الكردية استنكارًا لقرار الإقالة والتى قمعتها الشرطة بالقوة واعتقلت على إثرها مئات المحتجين، كل ذلك يدلل على أن الأمور تغيرت هذه المرة، وبأن الأكراد لن يقبلوا بأن تكون تهمة الإرهاب جاهزة بحقهم لمجرد معارضتهم سياسات الحكومة.

وفى إطار سياسة المعارضة الهادفة إلى مواجهة نفوذ أردوغان المتزايد، التقى رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، في مدينة ديار بكر نهاية شهر أغسطس وتحديدًا ٣١ أغسطس ٢٠١٩، برؤساء البلديات الثلاثة المقالين، وتوجه أوغلو إلى ضريح طاهر التشي، رئيس نقابة المحامين في ديار بكر والناشط من أجل الحقوق الكردية الذى اغتيل عام ٢٠١٥، وتمثل هذه الزيارة أهمية كبيرة بالنسبة للحزب الجمهوري، خاصة وأن لهذه المنطقة ذات الغالبية الكردية أهمية كبيرة للحزب العلمانى الذى لم تكن علاقته دائما سهلة مع حزب الشعوب الديموقراطى الكردي، وتعد هذه الزيارة أيضًا امتدادًا لزيارة المرشح الرئاسى عن حزب الشعب الجمهورى محرّم إنجة في مايو ٢٠١٨ الرئيس السابق المسجون لحزب الشعوب الديمقراطى صلاح الدين ديميرتاش قبل الانتخابات الرئاسية في يونيو ٢٠١٨، لمواجهة حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب الحركة القومية بقيادة دوات بهتشلي.
استمرار الاستهداف
لم تتوقف سياسات أردوغان على الإقالة فقط؛ فبعد الانتخابات البلدية وفوز مرشح الشعب الجمهورى أكرم إمام أوغلو؛ أعلنت وزارة التجارة التركية في ٢٧ يونيو ٢٠١٩، عن قرار جديد يقضى بسحب بعض صلاحيات رئيس بلدية إسطنبول الجديد أوغلو، وإحالتها لمجلس البلدية الذى يسيطر عليه حزب العدالة والتنمية، وأصدرت الوزارة قرارًا أحالت من خلاله صلاحيات تعيين مدراء الشركات التابعة للبلدية، والبالغ عددها ٣٠ شركة عملاقة، من رئيس البلدية للمجلس البلدى أيضًا، ومن الواضح أن حزب العدالة والتنمية وحليفه حزب الحركة القومية سيستغلون استحواذهم على الأغلبية في مجلس بلدية إسطنبول لعرقلة قرارات أوغلو، فتحالف العدالة والتنمية مع الحركة القومية يستحوذ على ١٨٠ مقعدًا، بينما يملك تحالف أحزاب المعارضة ١٣٢ مقعدًا فقط.


يُذكر بأن نظام أردوغان كان قد أقال في الفترة السابقة ٩٤ رئيس بلدية تابعين لحزب الشعوب الديمقراطى عن مناصبهم ليعين مكانهم موظفين، وصرح أيضًا بعد ذلك بأن الحكومة ستقيل التابعين لهذا الحزب مرة ثانية بحجة صلتهم بالإرهابيين حتى وإن فازوا في الانتخاب، وهو ما يعنى استمرار الاستهداف من جانب أردوغان وحزبه لقوى المعارضة سواء من جانب حزب الشعب الجمهورى العلمانى أو من جانب حزب الشعوب الديموقراطى الكردي.
بالإضافة لذلك، وفى أوائل شهر أغسطس ٢٠١٩، عقد مجلس الشورى العسكرى اجتماعا لبحث ترقياتٍ صادق عليها الرئيس التركى أردوغان، واتخذ ٥ جنرالات قرار الاستقالة واعتبار أن الترقيات الصادرة لم تستند على الكفاءة أو الأقدمية، والجنرالات الخمسة هم أحمد آرجان تشوبارجي، المسئول عن ملف نقاط المراقبة التركية في محافظة إدلب السورية ومساعده، بالإضافة لثلاثة آخرين من بينهم عمر فاروق بوزدمير ورجب بوزدمير، وكلاهما يقودان قواتٍ بريّة خلال العمليات العسكرية التى يخوضها الجيش التركى ضد مقاتلى حزب العمال الكردستانى في جنوب شرقى البلاد، ومنذ محاولة الانقلاب الفاشل ١٥ يوليو ٢٠١٦، على حكومة أردوغان الّذى يتهم جماعة الداعية الإسلامى فتح الله جولن بالوقوف وراءه، وتشهد تركيا تطوراتٍ خطيرة داخل الحياة السياسية الداخلية والخارجية ما يؤكد توظيف أردوغان لهذا الحدث لتأميم الحياة السياسية الداخلية والخارجية لتركيا.