الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

كسر القلوب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

انكسار القلب كلمة صغيرة للتعبير عن معنى عميق، وصدور الاساءة من البعض لبعضهم الآخر هي أمر وارد فنحن بشر معرضون للتنازع واحتداد الانفعالات وقد تبدر من أحدنا أقوال أو أفعال قد تجرح القلوب وتؤلم النفوس سواء كانت بقصد أو يغير، ويعد الحزن والانكسار القلب من المشاعر الخمسة الأساسية التي أقرّها العالم النفساني بول إكمان وهي: السعادة والحزن والغضب والدهشة والخوف وغالباً ما يكون الحزن وانكسار القلب بسبب فقد شيء ما أو موت شخص عزيز على النفس، أو ناتج عن الإساءة من غريب أو من أقرب الأقربين.  

ومن أشد ما يكسر القلوب ويؤلم النفوس بعد الإيذاء المادي الإيذاء المعنوي، فقد عاتب المولى عز وجل رسوله الكريم في أقل القليل في قوله تعالى (عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأعْمَى)، فبينما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يناجي عُتبة بن ربيعة وأبا جهل ( عَمر بن هشام) والعباس بن عبد المطلب، ويَعرض عليهم أن يؤمنوا، فأقبل إليه رجل أعمى يقال له عبد الله بن أمّ مكتوم، فجعل يستقرئ النبيّ صلى الله عليه وسلم آية من القرآن، وقال: يا رسول الله، علمني مما علَّمك الله، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبس في وجهه وكره كلامه، فعاتب الله رسوله بعبوسه وإعراضه عن سائله مما كان له أثرا في إيلام نفسه فنزلت (عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأعْمَى) ، فلما نـزلت فيه أكرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يلين له الجانب ويناديه ( أهلا بمن عاتبني فيه ربى )

وفى سورة الضحى يقول الله تعالى والخطاب للنبي والمؤمنين كافة « فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ» (الآية9 -10) ففي هذه الآيات العظيمة المعنى والعميقة الدَّلالة، تحيط  اليتيم الذي افتقد ذلكم الأب الذي يقوم على حاجاته ويتفهَّم ضروراتِه، ويدافع عن حقوقه، أو تلكم الأم التي تُغذِّيه بالحنان، وتُدفئه بالعاطفة، وتُظِلُّه بالعناية الوارفة، وبفقده هذين الموردين المهمين في حياته فإن دواعي حرمانه وانكساره سوف تزيد، مما يكسر قلبه ويوغر صدره، وأما السائل فلم تُحدَّد هُويَّتُه ولا جنسه ولا مسألته، بل أي سائل سواء سأل الطعام أو المال أو العِلم أو الخدمة، وقد حُكي أن عمر بن عبد العزيز بعث مالاً يُفرَّق بالرقة، فقال لعامله "كل مَن مدَّ يده إليك فأعطِه"، فانكسار النفس بالمنع وانكسار القلب بالإعراض أعظم من أن تذهب العطية لمن لا يستحق وكثيرا ما نجد من السائلين بالساحات والطرقات من يسأل الناس ليس لحاجة وإنما للأُنس بهم بعد أن تركه الأبناء وهجره المقربون، إن جملة السائلين في مرتبةٍ أدنى من المسؤول؛ ولذا كان النهي صريحًا عن نهرهم وزجرهم حتى لا تنكسر القلوب بغلظة اللفظ وعبوس الوجه.

ويحكى لنا ابنا عن أبيه فيقول ارتقبت أبى يوما بعد أن أعددت له أُمي طعام العشاء وقد احترق منها الخبز قليلا، امتدت يده إلى قطعة الخبز وهو يبتسم وسألني كيف كان يومك في المدرسة؟ يقول الولد لا أتذكرُ بماذا أجبته لكنني أتذكر أنني عندما نهضتُ عن طاولة الطعام ذلك المساء سألت أبى عن تناوله ذلك الخبز المحترق، فأسًر لي بكلمات تبعث على التأمل يا بُنى إن أمك اليوم كان لديها عمل شاق لأجلك وأجل إخوتك وقد أصابها التعب والإرهاق من يومها، وقطعة من الخبز المحترق لن تضر، فخبزُ محترق قليلاً لا يكسر قلباً جميلا.

ومن دواعي كسر القلوب الحزن الشديد لفراق عزيز أو فقد قريب، ففي لقاء تلفزيوني للدكتور مجدي يعقوب تحدث فيه عن حالة تحدث للبعض منا بسبب الحزن الشديد تسمى متلازمة القلب  المنكسر، حيث تسبب ضعف شديد لعضلة القلب ومضاعفات قد تؤدى بصاحبها إلى الموت، وقد أوضح جراح القلب الأسترالي "نيكي ستامب"، التفسير الطبي للأحداث التي تجري بهذا الشكل، فالإجهاد نتيجة فقدان أحد المقريين من الممكن أن بعجل بمجموعة كاملة من ردود الفعل في الجسم والعقل، والتي تؤدي أحيانًا إلي الوفاة، وقد اكتشف أخصائيو علم المناعة بجامعة برمنغهام البريطانية أن مستويات التوتر والاكتئاب التي يسببها الحزن يمكن أن تتدخل في إتلاف كثير من الوظائف الحيوية لأعضاء وخلايا الجسم، هذه النتائج قد تساعد في تفسير بعض الحوادث المثيرة للاهتمام للأشخاص الذين ماتوا بعد أيام أو حتى ساعات من وفاة أحد المقربين إليهم

عقب زلزال اليابان في الحادي عشر من مارس عام 2011 توفى أكثر من 20 شخصا بسبب الحزن الشديد على وفاة أقارب لهم في ذلك الزلزال المدمر.، وما حدث لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق جيمس كالاهان والذي توفي عام 1995 نتيجة إصابته بالتهاب رئوي حاد بعد عشرة أيام فقط على وفاة زوجته أودري، وعقب حادثتي تفجير مسجد النور ومركز لينود الإسلامي في مدينة كرايستشرش النيوزيلاندية في التاسع عشر من شهر مارس الماضي توفت السيد سعاد درويش حزنا وكمدا عقب علمها بوفاة أحد أبنائها جراء هذا التفجير.
ونستعرض معا بعض النقاط التي تساعدنا على تخطى كدرات النفس لتعود إلى دوحتها وكسرات القلب ليستعيد دقاته المبهجة حتى نكمل المسير بشراع آمن وسط أمواج الحياة المتلاطمة.

1.    ذكر الله واليقين بخير ما عنده

الذكر حياة القلب، وسبيل لانشراح الصدور، به تزول الهموم، لقد حثنا الشرع الحنيف على أن يتصل الإنسان بربه، لتزكو نفسه ويتطهر قلبه، ويستمد منه العون والتوفيق، ولأجل هذا جاء الإيمان بالله وذكر الله من العلاجات الشافية لهموم النفس وانكسار القلب فقد قال الله عز وجل في سورة الرعد (الذين آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)

2.    التغلب على الظروف السيئة

حياة الانسان مجموعة من اللحظات ، منها لحظات سعيدة ومنها ما هو غير ذلك، وما يمر به المرء من ظروف عصيبة من بلاءات ومحن تظهر فيه صفاته الحقيقية، وقدراته الكامنة، ويحتاج لمواجهتها نفس مطمئنة، وعقلا راشدا وفكرا رشيدا سواء كان فرد أو كان أمة، فاليابان التي قُهرت في الحرب العالمية الثانية بفعل القنابل الذرية لم ترتكن لتلك النتيجة المأساوية بل دفعها ذلك كأمة إلى التقدم في مجالات لم يعيرها أحد اهتمام بل اعتبرها الغرب مجالات مهملة كالصناعات الخفيفة ولعب الأطفال فغزت العالم بها وبنت قوتها الاقتصادية على أساسها.

3.    ارسم دوائرك الاجتماعية.

عندما تشعر بالانكسار، تحتاج أشخاصاً يمكنهم إدخال الإيجابية في حياتك، تقرب إلى الأشخاص الذين سيساعدونك على الخروج من خندقك بحيث يمكنك الحصول على منظورٍ جديد للحياة، إننا نخطئ كثيراً عندما نُصرُ على وضع جميع علاقاتنا في سلة واحدة، فالبعض يضع كل الناس في مرتبة واحدة ومن هذه الناحية قد يتسبب في كسر قلبه قريب مقرب أو عابر طريق لا يعرفه، وهذا خطر عظيم وخطأ فادح، من أجل هذا فاجعل لنفسك دوائر متعددة من العلاقات الاجتماعية منها العام ومنها الخاص ومنها الأشد خصوصية، ولتنزل كل عند قدره ومقداره في غير تهميش أو مغالاة  وقد فهم ذلك الإمام على رضى الله عنه عندما قال (ما رفعت أحدا قط فوق قدره إلا حط مني مقدار ما رفعت منه)

4.    دعها ترحل

دع الأحزان ترحل، فقلبك ليس مقبرة للأحزان. إن التمسُّك بعنادٍ بالحوادث المؤلمة في الماضي ليس مفيدًا، شكِّل عقلك لترك الماضي السّيء بحيث يمكنك التحرُّك في حياتك. تذكّر أنّك لا تفعل ذلك من أجل الآخرين، ولكن لنفسك، حاول التفكير في بعض الأمور الأخرى والتي تأخذك بعيداً عن الشعور بالحزن والانكسار، فلست مضطر لإثبات حقيقة حزنك لآخرين، قال الإمام الشافعي رضى الله عنه

وَلاَ تَجْزَعْ لِحَادِثَةِ اللَّيَالِي **** فَمَا لِحَوادِثِ الدُّنْيَا بَقَاءُ

فلاَ حُزْنٌ يَدُومُ وَلاَ سُرُورٌ **** وَلاَ بُؤْسٌ عَلَيْكَ وَلاَ رَخَاءُ

وَلاَ تُرِ لِلأَعــــداء قَطٌّ ذُلاًّ **** فَإِنَّه بشَمَاتَةَ الأَعْدَاء بَلاّءٌ

5.    انتظر النهايات السعيدة

معتقداتك وقيمك هي التي تحدد رد فعلك تجاه الأحداث، بغض النظر عما يحيطك من عوائق وعقبات، فلا تنظر الى الجانب المظلم من الاشياء فقد يجد الشخص في كل محنة منحة وقد يبحث اخر عن مشكلة لكل حل، الحياة رواية جميلة عليك قراءتها حتى النهاية، لا تتوقف أبداً عند سطر حزين فقد تكون النهاية جميلة، قد لا نستطيع أن نمنع طيور الحزن من أن تحلق فوق رؤوسنا، ولكن بإمكاننا أن نمنعها من أن تستوطن بها.

إن القلوب إذا تنافر ودها شبه الزجاجة كسرها لا يجبر، فإياك وأن تستهين بكلمة تقولها هزلا فلربما تقتل سامعها وأنت لا تدري، بعض الكلمات كالرصاصات أو أشد فتكا، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقي لها بالاً يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب"، فالحذر من عثرات اللسان وزلاته، فكر في كلامك قبل قوله، وتصرفك قبل فعله، فبين كسبِ القلُوب وكسرها خَيط رفِيع يسمى الأسلوب، فلا تكسر أبداً كلّ الجسور فلربما احتجت بعضها يوما للرجوع.