الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

محمود صلاح يكتب| ضد مجهول.. من قتل نيازي مصطفى؟ (4-4)

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بصمة المرأة المجهولة.. وحكاية مصممة الأزياء
الطباخ: «بهجة» كانت تتردد على المنزل تأكل معه وتغسل ملابسه وتصبغ شعره
مصممة الأزياء: تجمعنى بالمخرج علاقة عمل استمرت 20 سنة وكان رجلًا بخيلًا.. وماسك شوية
الممثلة الناشئة: اعتزلت الفن وتزوجت رجل أعمال وتفرغت لأمور المنزل
ترى ماذا كان إحساس رئيس مباحث قسم شرطة الجيزة وهو يقود سيارته عائدًا إلى منزله عند الظهر.. متمنيًا أن ينال قسطًا من الراحة ليعود مرة أخرى إلى عمله في ملاحقة المجرمين واللصوص؟ بماذا شعر عندما أدار مفتاح جهاز اللاسلكى الصغير الذى لا يفارقه أبدًا.. وجاء صوت ضابط الدورية اللاسلكية عبر الجهاز..
يقول: إشارة لرئيس المباحث.. هناك بلاغ عن العثور على جثة قتيل في الشقة رقم 12 بالعمارة رقم 1 بشارع قرة ابن شريك..
سأل الضابط عبر اللاسلكى: هل هناك أية معلومات عن شخصية القتيل؟
رد ضابط الدورية: إنه المخرج السينمائى نيازى مصطفى.
هل كانت «يد ناعمة» هى التى امتدت إلى رقبة المخرج نيازى مصطفى لتخنقه وتخنق معه إلى الأبد سرًا تريد صاحبته أن يظل مدفونًا؟ أو قتله لص مجهول؟
إن الشهود وتحريات رجال المباحث كانت قد توصلت إلى حقيقة مهمة تؤكد أن المخرج القتيل لم يكن يحتفظ بمبالغ مالية كبيرة في منزله.. وأن ثروته كانت في البنوك على شكل حسابات أو دفاتر توفير أو شهادات استثمار أو أسهم وسندات في الشركات.. وهذه لن يستفيد لص مجهول من قتله ليحصل عليها.
كان خبراء المعمل الجنائى قد عثروا على بصمات عديدة متناثرة في شقة نيازى مصطفى، وتم أخذ بصمات أفراد أسرته الذين حضروا بعد اكتشاف الحادث لاستبعادها من بين البصمات المرفوعة، والتى كانت من بينها بصمة لامرأة مجهولة.
وكان طباخ نيازى مصطفى قد ذكر أمام النيابة اسم مصممة الأزياء «بهجة» وقال إنها كانت تتردد على نيازى مصطفى منذ سنوات طويلة. تعمل معه، تأكل معه، تغسل ملابسه، وتصبغ شعره أحيانًا.
وجلست مصممة الأزياء بهجة أمام مدير النيابة ليبدأ في استجوابها حول علاقتها بنيازى مصطفى.
- سألها المحقق: ما هى معلوماتك عن الحادث؟
- قالت مصممة الأزياء: أنا فوجئت بالممثلة المعروفة «............» تتصل بى وتخبرنى أن الأستاذ نيازى مصطفى قتل.. كنت مريضة في منزلى.. شعرت بحزن شديد لأنى أعمل معه منذ نحو ٢٠ سنة.. لم أصدق الخبر.
- قلت لها: جايز مش صحيح..
- قالت الممثلة: إحنا جبنا الجرائد، وعرفنا منها، وكمان رجال المباحث اتصلوا بى وطلبوا سماع معلوماتى.
- المحقق: متى حدث ذلك؟
- مصممة الأزياء: الساعة الثانية ظهر يوم الأحد.
- المحقق: ما هى العلاقة التى كانت تربطك بالمخرج نيازى مصطفى؟
- مصممة الأزياء: علاقة عمل من عشرين سنة.
- المحقق: ما طبيعة هذا العمل؟
- مصممة الأزياء: كل الملابس التى يرتديها الممثلون أقوم بإعدادها.
- المحقق: وفى أى مكان تقومين بممارسة عملك هذا؟
- مصممة الأزياء: في الاستديو وفى بيوت الممثلين علشان آخذ المقاسات.
- المحقق: هل توجد علاقة شخصية بينك وبين المخرج نيازى مصطفى؟
- مصممة الأزياء: لا... هى علاقة عمل.
- المحقق: ما هى آخر مرة شاهدت فيها الأستاذ نيازى مصطفى؟ وفى أى مكان تم اللقاء؟
- مصممة الأزياء: يوم الأربعاء الماضى طلبنى بالتليفون عشان أطلع ملابس فيلم «القرداتى».
- المحقق: هل كان هناك أحد برفقته عند زيارتك له؟
- مصممة الأزياء: لما رحت لم يكن هناك أحد، لكن بعدين جاءت ممثلة مساعدة اسمها ليلى «...............».
- المحقق: هل جاءت في زيارة عمل؟
- مصممة الأزياء: لا.. لم يكن لها عمل في فيلمه الأخير، لكن كانت جاية تتكلم معاه..
- المحقق: وما هى الفترة التى مكثتها؟
- مصممة الأزياء: نحو ربع ساعة.
- المحقق: وهل سبق أنها ترددت على شقته؟
- مصممة الأزياء: حدث..
- المحقق: ما هو الحديث الذى دار بينك وبين المخرج أثناء تواجدك بالشقة، وماذا فعلت؟
- مصممة الأزياء: هو قال لى إنه تعبان شوية ثم دق جرس التليفون وكانت أخته، تكلم معها وطلب منى أن أكلمها، فتكلمت معاها وقلت لها: لا تحملى همًا هو عنده شوية غسيل سوف أغسله هذا كل ما حدث..

واستمر المحقق يوجه الأسئلة المتلاحقة إلى مصممة الأزياء التى قال بعض الفنانين لرجال الأمن إن المخرج نيازى مصطفى كان يفرضها على كل فيلم يقوم بإخراجه.
- سألها المحقق: هل سبق لك التردد على شقة المخرج نيازى مصطفى؟
- مصممة الأزياء: أنا معتادة التردد عليه عندما يكون هناك عمل.
- المحقق: هل ذهبت إلى الشقة بعد أن علمت بمقتل نيازى مصطفى؟
- مصممة الأزياء: لا..
- المحقق: هل وصل إلى علمك وجود خلافات بينه وبين أى أحد؟
- مصممة الأزياء: لا..
- المحقق: هل كانت توجد معاملات مالية بينه وبين أحد؟
- مصممة الأزياء: لا أعلم.
- المحقق: من هم الأشخاص الذين كانوا يترددون على الشقة؟
- مصممة الأزياء: المساعدون الذين يعملون في أفلامه.
- المحقق: هل كانت له علاقات شخصية؟
- مصممة الأزياء: ما أعرفش حاجة عن كده.
- المحقق: ما هى الأوقات التى كنت تذهبين فيها إليه؟
- مصممة الأزياء فترة بعد الظهر كنت آكل معه.
- المحقق: كم مكثت معه في الشقة يوم الأربعاء؟
- مصممة الأزياء: أكلنا نحو الساعة ٣ ظهرًا.. خضروات مسلوقة وأرز ولحم.
- المحقق: من قام بإعداد الطعام؟
- مصممة الزياء: الأسطى محمد الطباخ.. وبعد ما أكلنا رفع الأطباق.
- المحقق: هل انصرفت بعد الغذاء مباشرة؟
- مصممة الأزياء: الطباح نزل قبلى..
- المحقق: هل أنت تأخذين أجرًا من المخرج نيازى مصطفى عن قيامك بغسل ملابسه؟
- مصممة الأزياء: لا.. ماكنش بيعطينى حاجة لأنه رجل بخيل.. وماسك شوية.
- المحقق: ماذا كانت حالته النفسية يومها؟
- مصممة الأزياء: كان كويس.. لكن كان يشكو من بعض التعب.
- المحقق: هل كانت توجد خلافات بينه وبين أحد من أفراد أسرته؟
- مصممة الأزياء: لا..
- المحقق: من خلال ترددك على شقته ألم تعلمى أنه يحتفظ بمبالغ مالية في الشقة؟
- مصممة الأزياء: الناحية المالية لا أعلم عنها شيئًا.
- المحقق: هل كان معتادًا على حمل مبالغ مالية كبيرة معه؟
- مصممة الأزياء: لا..
- المحقق: جاء بأقوال الطباخ أنك دائمة التردد على المخرج نيازى مصطفى وأنك تقومين بصباغة شعره وأن بينك وبينه علاقات خاصة؟
- مصممة الأزياء: لا.. مفيش علاقة خاصة بينى وبينه، علاقة عمل وبس.
- المحقق: هل كان يطلب منك طلبات خاصة؟
- مصممة الأزياء: عمره ما طلب منى حاجة ذى كده..

توقف المحقق برهة، ثم عاد ليلقى عليها مزيدًا من الأسئلة..
سألها المحقق: هل كان مسموحًا لك بدخول غرفة نومه؟
- مصممة الأزياء: نعم كنت أدخل غرفة نومه عشان أنشر الملابس وأروقها..
- المحقق: كيف كانت علاقة المخرج بالطباخ؟
- مصممة الأزياء: كانت علاقة طيبة جدًا وكان يثق فيه، وكان الطباخ بيدخل غرفة النوم عشان ينظفها..
- المحقق: هل كان يثق في الطباخ؟
- مصممة الأزياء: نعم، كان يثق به.
- المحقق: من خلال معاشرتك للمخرج نيازى مصطفى ما هو السبب الذى ترجحينه لمقتله؟
- مصممة الأزياء: ما أعرفش..
- المحقق: هل تتهمين أحدًا بقتله؟
- مصممة الأزياء: لا..
- المحقق: هل تشكين أن أحدًا يكون وراء مقتله؟
- مصممة الأزياء: لا..
- المحقق: هل لديك أقوال أخرى؟
- مصممة الأزياء: لا..
هكذا جاءت شهادة مصممة الأزياء التى عرفت نيازى مصطفى منذ أكثر من ٢٠ سنة.
وفى هذه المرحلة من التحقيق كان رئيس مباحث قسم شرطة الجيزة قد قام بعمل معاينة أخرى لشقة نيازى مصطفى، وكانت المفاجأة أنه عثر على مبلغ مائتى جنيه وخمسمائة مليم، وفى نفس الوقت تم حصر ثروة نيازى مصطفى المودعة في البنوك وكانت عبارة عن دفتر ببنك مصر يحوى ٢٢ ألف جنيه ـ ودفتر توفير آخر بالعملة الأجنبية يحوى ٧٩٧٦ دولارا ـ ودفتر بمبلغ ٣٠٥٥ جنيهًا بالإضافة إلى ٥٠٠ سهم في شركة الحديد والصلب، ٢٥٠ سهمًا في الشركة القومية للأسمنت، ١٥٠ سهمًا في شركة الخزف والصينى، ١٥٠ سهمًا في شركة كيما.
كانت كل هذه الأسهم مودعة في بنك مصر، وقيمتها نحو ٣ آلاف جنيه، أى أن إجمالى ثروة المخرج الراحل نحو ٢٧ ألف جنيه فقط.

من وسط تحقيقات النيابة وأقوال الشهود لم تلتقط الصحف سوى علاقة الحب التى كشفت عنها أقوال الشهود، والتى قيل إنها ولدت وماتت أيضًا بين المخرج القتيل نيازى مصطفى وممثلة شابة جدديدة على الوسط الفنى.
وتسابق محررو الصحف والمجلات في البحث عن هذه الممثلة ومحاولة إلقاء الضوء على علاقتها بالمخرج القتيل بل إن بعضهم تسرع وزعم أن نيازى مصطفى تزوجها عرفيًا، بينما لم يرد في مفكرة مذكراته التى فحصها رجال الأمن ما يشير إلى واقعة الزواج العرفى.
- وفجأة ظهرت الممثلة الشابة، وجاء ظهورها بأكثر من مفاجأة..
- كانت مفكرة مذكرات المخرج نيازى مصطفى تؤكد وجود «علاقة حب» بينه وبين الممثلة الناشئة، وكان حريصًا على تدوين مواعيد وتفاصيل لقاءاته بها في مفكرة اليوميات.
- كان نيازى مصطفى قد التقى بها في مكتب أحد رجال الأعمال من أصدقائه، ثم دعاها لزيارته في منزله وجاءت بصحبة إحدى صديقاتها، وتعلق بها نيازى مصطفى ووقع في هواها، وبدأ يدفع بها إلى عالم الفن ويحاول أن يصنع منها نجمة مشهورة، وقام بإسناد دور مهم لها في أحد أفلامه، ثم بدأ يحاول فرضها في المسلسلات التليفزيونية التى يخرجها وذلك رغم اعتراض المنتجين الذين كانوا يرون أن اهتمامه بها يفوق المتوقع حيث إنها عادية الموهبة والجمال.
ولفارق السن بين نيازى مصطفى والممثلة الشابة والذى كان يزيد على الخمسين عامًا، بدأ سوء التفاهم يسود علاقتهما ثم بدأت الخلافات تحطم علاقتهما.. كان نيازى مصطفى راغبًا في استمرار العلاقة، وكان حزينًا لأنها تعامله معاملة الابنة لأبيها.. وليس معاملة الحبيبة لحبيبها..
- وكان رجال المباحث قد عثروا في شقة نيازى بعد اكتشاف الحادث على مجموعة من الشهادات الدولارية والشيكات بمبالغ كبيرة باسم الممثلة الناشئة.. كان يريد أن يثبت لها حبه بالشيكات!
وحدثت المفاجأة، وظهرت الممثلة الناشئة..
وذهبت للقاء رجال الأمن بأكثر من مفاجأة.. أنها عائدة من الأراضى الحجازية بعد أداء العمرة، ثم إنها اعتزلت الفن..
والمفاجأة الأخرى، أنها تزوجت من رجل أعمال وتفرغت لزوجها ومنزلها.
- وقالت الممثلة الشابة لرجال الأمن: إنها تقدمت إلى نيازى مصطفى كما تتقدم أى فتاة تداعبها الآمال لأن تصبح نجمة سينمائية مشهورة، واقتنع نيازى مصطفى بموهبتها، فأسند إليها دور البطولة في أحد أفلامه.
وقالت: إن العلاقة بينها وبين المخرج القتيل كانت علاقة عمل مجردة واحترام متبادل، وكانت تنظر إليه كابنة تتعامل مع والدها، وعقب الانتهاء من تصوير الفيلم، انقطعت صلتها به..
- وأضافت: إنها هجرت السينما واستقرت في منزلها كربة بيت بعد أن تزوجت من رجل الأعمال وتفرغت لواجباتها الزوجية وبيتها.
- سألوها: ومذكرات نيازى ما كتبه عنك؟
- قالت: مذكرات نيازى يسأل عنها.. وله أن يكتب فيها ما يشاء..
هكذا انتهى التحقيق في قضية مقتل نيازى مصطفى.. كانت الصحف والمجلات قد أصيبت «بحمى متابعة أخبار القضية» حتى أن المحامى العام لنيابة الجيزة المستشار ماهر الجندى أعلن أن ما ينشر في بعض الصحف حول الجريمة بعيد كل البعد عن مجرى التحقيق الذى تباشره النيابة العامة والتى لا تباشر إجراء قانونيًا ولا تقدم على اتخاذ قرار قضائى إلا إذا اقتضت طبيعة التحقيق ذلك واستلزمته ظروف الجريمة وملابساتها.. فالنيابة ليست وظيفتها التصريحات.
وقال المحامى العام: إن النيابة انتقلت إلى مسرح الجريمة بمجرد إخطارها. وأجرت معاينات تفصيلية أثبتت بها كل ماديات الجريمة وآثارها وانتقلت إلى مرحلة التحقيق وسماع أقوال كافة المحيطين بموقف الحادث أو المتصلين عن قرب بالمجنى عليه..

هل قتل نيازى بدافع الانتقام؟
- هل تمت الجريمة بغرض الحصول على أوراق أو مستندات كان يحتفظ بها في منزله؟
- لم يجب أحد عن هذه الأسئلة..
هكذا تحول رائد المخرجين المصريين نيازى مصطفى إلى لغز كبير..
كان من أوائل المخرجين الذين درسوا السينما أكاديميًا في ميونيخ بألمانيا ١٩٢٧ عندما أرسله طلعت حرب لدراسة السينما ليعود مخرجًا للأفلام القصيرة، ثم الأفلام الروائية التى بدأها عام ١٩٣٧ واشتهر بالحيل السينمائية وأفلام الحركة والعنف والأفلام التاريخية والبدوية والتى قامت ببطولتها زوجته الراحلة الفنانة كوكا والتى توفيت منذ ٢١ عامًا..
وهكذا تحول مخرج «مصنع الزوجات» ومجموعة أفلام نجيب الريحانى «سلامة في خير» و«سى عمر» و«الجهاد» ليوسف وهبى و«عنتر وعبلة» و«صغيرة على الحب».. تحول إلى لغز غامض.
انتهى نيازى مصطفى، وكانت آخر ورقة في تحقيقات النيابة تقول: بعد مطالعة التحقيقات تفيد الواقعة جناية بالمادة ٤ س في قانون العقوبات.. لأنه في يوم ١٨ أكتوبر ١٩٨٦ بدائرة قسم الجيزة.. قتل عمدًا نيازى محمد مصطفى.. أحاط عنقه بقطعة من القماش وضغط عليه بشدة.. قاصدًا من ذلك قتله.. فأحدث به الاصابات والأعراض الموصوفة بالصفة التشريحية والتى أودت بحياته..