السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

متى ينتهى «فيسبوك»؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أطل موقع "فيسبوك" على العالم من كاليفورنيا فى الرابع من فبراير ٢٠٠٤م، حين أسسه أربعة أفراد على رأسهم مارك زوكربرج. بدأ الموقع لتبادل التواصل بين الأفراد المشاركين فى قطاعات جامعية محدودة، ثم توسعت خدماته ليصل إلى قطاعات أوسع ثم أوسع، وما لبث فى عام ٢٠٠٨م، أن اقتحم العالم أجمع، وصار من الطبيعى أن تسأل كل مواطن عن صفحته على فيسبوك مع سؤالك عن رقم هاتفه، إلا أن فيسبوك الآن يواجه مشكلات كبيرة تظهر مدى تغلغل الشيخوخة فى أوصاله، فكلما تقدم بك العمر زادت وطأة تأثير الأمراض التى يصاب بها عليه، وصارت خطاياه تحسب عليه بعشرة أمثالها، لا سيما لو صارت تلك الخطايا تاريخًا من تكرارها. طالعتنا اليوم نتيجة لعدد من التطورات عدد من الدراسات التى توقعت أن ينتهى فيسبوك خلال أعوام ثلاثة بدأت مع مطلع العام ٢٠١٩م. كيف يمكن أن تنتهى فجأة تلك الأسطورة التى جعلت لطواحين الهواء بطولات فرسانية، وجعلت من الأثير رجل أعمال لا يتوقف عن تحقيق الأرباح فى صفقات افتراضية؟!
كانت أولى الدراسات التى تنبأت بذلك دراسة خرجت على أيدى فريق بحثى من جامعة برينستون، إذ توقعت هذه الدراسة أن يهبط منحنى التزايد فى استخدام فيسبوك والانضمام إليه بشكل متسارع حتى يرحل المستخدمون بكثرة تؤدى لسقوط هذا الموقع خلال عامين من الآن، إذ رأت هذه الدراسة أن فيسبوك وصل إلى ذروته ببلوغ عدد مستخدميه ١.٢ مليار عضو. وتوصلت هذه الدراسة إلى نتيجة جوهرية فاجأت الجميع، إذ أكدت أن هناك تراجعًا بنسب ملحوظة لمستخدمى فيسبوك فى الفئة العمرية بين ١٨ و٢٥ عامًا، وصلت إلى ٢٥٪، وقابل هذا التراجع تزايد للمستخدمين فى الفئة العمرية فوق ٥٥ سنة، بنسبة وصلت إلى ٨٨٪. أجاب معظم من هجروا فيسبوك عن سبب هجرهم له إجابات تتصل بسياسة الإدارة فى التعامل مع المستخدمين، إذ عبروا عن أنهم لم يعودوا يشعرون بأن إدارة الموقع تشاركهم فى نشر المعلومات بقدر ما أحسوا بأنها تعمل على بيع المعلومات من خلالهم، وأنهم يقعون تحت طائلة الاستغلال بشكل أو بآخر بدءًا من الاستغلال المادى الذى يمنع ظهور بعض المضامين للفئات التى يستهدف المستخدم الوصول إليها دون دفع رسوم معينة، حتى الاستغلال الذى يشمل صفقات لا تريحهم كالسماح لبعض الجهات بالاطلاع على بيانات ورسائل لا يسمح المستخدمون بالاطلاع عليها.
وافق ذلك وقوع شركة فيسبوك فى العديد من المشكلات الأخلاقية والقانونية فى الآونة الأخيرة، وهو أمر توقعه وفقًا لقاعدة أثبتتها تحركاتهم: «إنهم يتوسعون فى اللامعقول، لذا سيسقطون فى اللامتوقع». لذا فوجئنا بغرامات مالية بلغت ميزانية دول بأكملها، إذ بلغت تلك الغرامات خمسين مليار دولار. جاءت هذه الغرامات كتعويضات لانتهاكات قام بها الموقع تحت إدارة مارك زوكربرج، تنوعت ما بين السماح لبعض الشركات بالإطلاع على بيانات ورسائل المستخدمين غير المسموح بالإطلاع عليها للعامة، وبين تسريب بيانات بعينها من أجل فوائد تجارية للمسوقين وشركات تهدف للوصول إلى جماهير بعينها من أجل تحقيق أهدافها التجارية والمالية، وشركات تهدف لجمع بيانات من أجل أهداف عمل خاصة، وهذه الانتهاكات وغيرها، أخضعت مارك زوكربرج للاستجواب أمام جهات تشريعية وقضائية فى الولايات المتحدة الأمريكية، وهو مطلوب للخضوع أمام جهات مماثلة بريطانية لأسباب مشابهة لتلك التى أخضعته لذلك سابقًا. دفع كل ذلك المساهمين وأعضاء مجلس إدارة فيسبوك للتفكير فى عزل زوكربرج عن رئاسة مجلس إدارة فيسبوك، إلا أن طرح الأمر للتصويت فى الشركة هو أمر مستحيل تمامًا إذ يملك الرجل ٦٠٪ من الشركة، ويملك أيضًا نحو الـ ٨٠٪ من أسهمها بفروعها المختلفة. ظهر نتيجة لذلك اقتراح ينادى بأن يتخلى مارك عن ملكيته لجزء من الشركة، وعدد من الأسهم حتى يصبح التصويت والإدارة مجديين فى هذا الصدد، ويرى الكثير منهم أن استمرار زوكربرج فى حد ذاته يهدد بتوقف استمرار فيسبوك، ووضعها على طريق النهاية بعد كل هذا التاريخ لها.
إن مارك زوكربرج قدم للعالم عرضًا قويًا لرجل يدافع عن نفسه بذكاء، رغم أن الكثير من قضاياه انتهت إلى دفع غرامات ضخمة، إلا أن شركته ما زالت تحيا وتسيطر إلى حد كبير على قطاع من قطاعات التسويق والبيع عبر الإنترنت، ارتكز دفاعه حول محاولات مقرونة بالأدلة تؤكد لجهات استماعه أن شبكته الاجتماعية لا تشكل خطرًا على استقرار الديمقراطية الغربية، ولا تستهين بالبيانات الشخصية لمستخدميها، حتى إنه اعترف ببعض التقصير غير المقصود فى سبيل ذلك، فقد اعترف بتقصير مؤسسته فى منع استغلال الخدمة من قبل مروجى الأخبار الكاذبة، وجهات أجنبية تسعى للتأثير فى الانتخابات، وجهات تحترف تسريب البيانات، وطالب البرلمان الأوروبى بالعمل على إصدار قوانين أكثر صرامة من أجل حمايته قبل الآخرين من الوقوع فى فخاخ كثيرة، لقد عرض أمام الجميع كيف أن شبكة نشأت من أجل تبادل حديث مع صديقين من نفس الكلية أو الجامعة لا بد أن تتعرض للكثير من الهزات حين ينتقل حديثها إلى مستوى الحديث بين اثنين لا يعرف أى منهما أى شيء عن الآخر، بل ويراهما آخرين لا يعلم بهم أحد. يتوقع الكثير بناءً على ما سبق أن يسقط فيسبوك فى وقت قريب نسبيًا، إلا أن بضعة أبحاث فى الإنسانيات ترى أن فيسبوك يلبى حاجات إنسانية صارت تتمتع بقوة فى حياة كل فرد كتراثه وذكرياته، وهو الأمر الذى سيحمى فيسبوك من الانهيار.