الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

"رام الله" ملهمة المبدعين وحاضنة الثقافة الفلسطينية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إذا كان الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش الذي قضي في التاسع من شهر أغسطس عام 2008 قد طلب قبل رحيله ان يدفن في مدينة رام الله وتكتب على قبره عبارته الشعرية:"على هذه الأرض ما يستحق الحياة"، فان هذه المدينة تبقى حاضنة للثقافة الفلسطينية وملهمة للمبدعين مثل المبدع الفلسطيني رجا شحادة الذي أصدر كتابا جديدا بالإنجليزية اثار اهتمام الصحافة الثقافية في الغرب.


وفي كتابه الجديد حول مدينة رام الله "ذاهب للبيت"، تنبض الصفحات بمشاعر ثرية مفعمة بالشجن والأمل فيما اعتبر نقاد في الصحافة الثقافية الغربية كالبريطاني الكس برستون ان رجا شحادة أحد اعظم الكتاب الفلسطينيين المعاصرين الذين يكتبون بالإنجليزية بشأن فلسطين.


ورجا شحادة الذي ولد عام 1951 يتحدث في هذا الكتاب عن مدينته رام الله وهي مدينة منفتحة وهذه المدينة التي تعد بمثابة العاصمة الثقافية الفلسطينية تقع في قلب الضفة الغربية وتبعد بأميال قليلة عن شمال القدس ويقدر عدد سكانها بنحو 30 الف نسمة فيما تتميز ببساتينها وحدائقها الجميلة وتحتضن مقر السلطة الوطنية الفلسطينية والعديد من المكتبات كما برع سكانها في تطريز الأزياء الشعبية الفلسطينية.
ودرس الكاتب والمحامي الفلسطيني رجا شحادة القانون في لندن وله عدة كتب في القانون الدولي فضلا عن أعماله الأدبية والسياسية التي كرسها لفلسطين ومن بينها "غرباء في المنزل" وعندما توقف البلبل عن الغناء" و"يوميات الاحتلال" و"لغة الحرب ولغة السلام" و"الحياة خلف نقاط التفتيش الإسرائيلية".
ووقائع كتابه بعنوانه الكامل "ذاهب للبيت: مسيرة عبر خمسين عاما من الاحتلال "، تدور بسرد نثري رفيع المستوى في يوم واحد هو الخامس من يونيو عام 2017 الذي وافق الذكرى الخمسين لحرب الخامس من يونيو واكتمال الاحتلال الإسرائيلي لكل فلسطين ومن بينها مدينة رام الله التي قضى فيها أغلب سنوات عمره منذ ان استقبلته طفلا صغيرا مع أسرته بعد خروجهم من يافا في رحلة أليمة من رحلات نكبة 1948.
وتتميز رام الله التي تلاصق "مدينة البيرة" بثراء حياتها الثقافية وتحوي العديد من المراكز الثقافية فيما ذكرت كتابات تاريخية أن تلك المنطقة عبرتها قوات صلاح الدين الأيوبي عام 1187 الميلادي في طريقها لتحرير القدس من الغزاة الفرنجة.
ومن الأحياء الشهيرة في رام الله "المنارة" و"عين مصباح" و"القسطل" و"المصيف" و"المغتربين" وبور سعيد" و"الجبل" و"السرية" و"البيدر" و"دار عواد" و"دار إبراهيم" و"الحساسنة" و"المنطقة الصناعية" ومن شوارعها المعروفة "شارع الارسال" و"شارع فلسطين" و"شارع القدس" و"شارع يافا" و"شارع شيلي" و"شارع راشيل كوري" و"شارع الطيرة" و"شارع النهضة"و"شارع الصناعة" و"شارع الأندلس" و"شارع المبعدين".
وعبر وقائع اليوم الواحد التي بدأت بخروجه من بيته قاصدا مكتبه القانوني في رام الله"مدينة الحكايات والكفاح" فان ذهابه عائدا للبيت الذي يستغرق عادة 45 دقيقة طال لأربع ساعات ليتمشى الهوينا في جولة طاف فيها بتاريخ المدينة ويستدعى ذكرياته الحميمة والأليمة ومن بينها اغتيال والده على يد احد المتعاونين مع سلطات الاحتلال التي فرضت حصارا قاسيا على رام الله في عام 2002.
وإذا كان رجا شحادة قد ولد في يافا فانه عاش في رام الله وهو من أبرز "كتاب الذاكرة الفلسطينية" كما يتجلى في كتابيه "غرباء في المنزل" و"عندما توقف البلبل عن الغناء" وقد صدرا في بدايات القرن الواحد والعشرين عندما بدت آمال السلام تتبدد غير ان الأمل لم يخمد في المقاومة بصورها المتعددة ضد الاحتلال.
وكتابه الجديد "ذاهب للبيت" اقرب لرحلة مع الذكريات المصورة بالكلمات ومرثية للمدينة التي احبها وهو يراها تواجه خطر الزوال مع اتجاه الكثير من أبنائها للرحيل إلى أوروبا والولايات المتحدة.
وفي مواجهة هذا الخطر يستدعي رجا شحادة رام الله القديمة ويتشبث بذاكرة المدينة بقدر ما يتغنى بملامحها المميزة ومناخها واجوائها الفريدة وحدائقها وبساتينها الغناء وكأنه رغم الألم والخطر يتمسك بالأمل في ثنايا تاريخ مدينة أثبتت من قبل قدرتها على مواجهة كثير من المحن والأهوال فيما يتلاحم سكانها بمختلف مكوناتهم ساعة الخطر لتتجلى "روح رام الله الجامعة لكل أبنائها".
ومنذ احتلالها في عام 1967 صادرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي مساحات كبيرة من أراضي رام الله "التي تتوسط فلسطين التاريخية" لاقامة مستوطنات اغتصابية كما تعرضت الكثير من مبانيها لدمار جراء هجمات ألة الحرب الإسرائيلية.
وان كانت "الكتب تتشكل وفقا لسياقات كتابتها" كما يقول الناقد الثقافي البريطاني الكس برستون في معرض تناوله لهذا الكتاب الجديد لرجا شحادة الذي "يستولد معاني جديدة من تاريخ رام الله" فانها لمآساة للإنسانية ان "يتحول القانون لمجرد رطانة عاجزة عن استرداد حقوق من سلبت حقوقهم لتتفاقم مشاعر المرارة والإحباط بكل مايعنيه ذلك من خطر".
ورغم ثقل السنين ووجع النكبة وتداعياتها فان الثقافة الفلسطينية تبدو مدركة لأهمية اسئلة المستقبل كما ان المثقفين الفلسطينيين مثل رجا شحادة لم يتخلوا عن تفاؤلهم التاريخي وهو ما يتبدى في كتابه الجديد وهو الذي أصدر من قبل في كتاب صدر بالإنجليزية بعنوان:"يوميات الاحتلال" ليطرح رؤيته الغاضبة والآسيانة والمتفائلة معا لحال وطنه في مواجهة الاحتلال الاسرائيلى حيث المستعمرات اليهودية تتخلل ثنايا المشهد في الضفة الغربية والطرق الالتفافية تفصل الفلسطينيين عن اراضيهم.
وقدم رجا شحادة في هذا الكتاب الذى يغطى بيومياته الفترة من عام 2009 وحتى عام 2011 رؤية تجمع مابين الغضب والجمال ليحق وصف هذا الكاتب بأنه "رجل غاضب ومع ذلك فهو تأملى النزعة يكتب ببساطة وجمال رائعين".
وحول ثقافة الإبادة وفكرة "احتلال ارض الغير واستبدال شعب بشعب وثقافة بثقافة وتاريخ بتاريخ" ليصبح صاحب الأرض غريبا في ارضه تحدث رجا شحادة في كتاب بالإنجليزية منذ أكثر من عقد كامل عنوانه "غرباء في البيت".
واذا كان الكاتب والمحامى الفلسطينى رجا شحادة غاضبا حيال احجام حلفاء إسرائيل ومانحيها عن التحرك لمنع التمييز ضد الفلسطينيين فقد تناول في كتاب صدر بالإنجليزية ايضا بعنوان:"مشاوير فلسطينية" وحصل به على جائزة "اورويل" البريطانية لأفضل كتاب سياسى في عام 2008 دور الغرب في مساعدة إسرائيل على تحدى قرارات الأمم المتحدة.
ويرى شحادة ان احلام السلام والكرامة مازالت بعيدة عن الواقع بل انها قد تتحول لكابوس أحيانا غير انه يقول بصوت الأمل "ان كل مايقيمه الاحتلال إلى زوال يوما ما كما زال كل احتلال من قبل في التاريخ" فيما لم يكن وحده من كتب عن "رام الله" التي تشكل بحق مصدر الهام لمبدعين.


وفي كتاب صدر عام 1997 بعنوان "رأيت رام الله" وفاز بجائزة "نجيب محفوظ للإبداع الأدبي" يتحدث الشاعر الفلسطيني والكاتب الفلسطيني مريد البرغوثي عن مدينته ورحلة العودة لوطنه وفي هذا الكتاب بلغته الشاعرية مضات مشرقة بكل ماهو إنساني ونبيل عن علاقته بزميلته في الجامعة رضوى عاشور والتي توجت بالزواج فيما قضت هذه المثقفة الكبيرة والروائية والأكاديمية المصرية البارزة في الثلاثين من نوفمبر عام 2014.
ومريد البرغوثي ذاته احد ابرز المثقفين الفلسطينيين الذين تأثروا واثروا في الثقافة المصرية وهو يقدم في كتابه "رأيت رام الله" لمحات عن هذه الحقيقة وخاصة في شبابه الباكر كطالب بجامعة القاهرة يتطلع لنشر قصائده في مجلات ثقافية مصرية في ستينيات القرن العشرين فيما قامت رضوى عاشور بترجمة مختارات لزوجها الشاعر والكاتب مريد البرغوثي إلى الإنجليزية صدرت في عام 2008 بعنوان "منتصف الليل وقصائد اخرى" وهو العام ذاته الذي صدرت فيه روايتها "فرج".
وصاحبة "ثلاثية غرناطة" كانت مدافعة باسلة عن قضايا التحرر الوطني والإنساني وفي مقدمتها القضية الفلسطينية مع فضح ثقافة الاستعلاء الدموى والابادة والاقتلاع الحاضرة بقوة ودموية في فلسطين كما هى حاضرة في الغضب المقاوم والثقافة المناوئة للمظلومية التاريخية كما تجلت في كتابات وإبداعات الدكتورة رضوى عاشور.
وإذ يقول مثقف فلسطيني كبير هو الكاتب والناقد الثقافي فيصل دراج إن الشعب الفلسطيني "تمايز" عن غيره من الشعوب بمآساة كارثة حرمته ارضه فيما استولدت المآساة ذاكرة جريحة توارثها الأحفاد عن الأجداد وترجمت ذاتها كتابة بالشعر أو برواية و"تتسلح بتفاؤل يستعجل عودة الوطن الذي كان" فهاهو رجا شحادة يتشبث بذاكرة رام الله في كتابه الجديد بمزيج بديع يراوح بين الألم والأمل..انها رام الله ملهمة المبدعين وحاضنة الثقافة الفلسطينية.