الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

تركيا وسيناريوهات ما بعد معركة إدلب

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شهدت مدينة إدلب السورية تحركات عسكرية برية وجوية من جانب الجيش السوري، وإحراز تقدم للقوات الحكومية وانسحاب فصائل من المعارضة المسلحة من بلدة خان شيخون، وأعلنت وزارة الدفاع التركية، في ١٩ أغسطس الجاري، أن رتل عسكرى تابع لها يتكون من ٢٥ من الآليات والمعدات والشاحنات دخل من معبر باب الهوى الحدودى إلى الأراضى السورية، تعرض لقصف جوى خلال توجهه إلى نقطة المراقبة التاسعة في إدلب، بعد ساعات من تحذير النظام السورى لنظيره التركى من دعم الإرهابيين مناطق ريف إدلب، غداة دخول قوات النظام السورى إلى خان شيخون للمرة الأولى منذ عام ٢٠١٤، بعد معارك دموية عنيفة مع المعارضة المسلحة.
التدخل التركى المباشر
تأتى أهمية التدخل العسكرى السورى بمساعدة الحليف الروسى كونه جاء بعد مؤتمر أستانا ١٣ في مطلع أغسطس ٢٠١٩، والذى تم التباحث خلاله حول أهمية تسوية الأزمة السورية وصياغة دستور جديد للبلاد، والفصل في المنطقة الآمنة في إدلب، والتى تُعد تركيا إحدى الدول الضامنة لتنفيذ هذه الاتفاقيات.
كما أن عملية التدخل العسكرى السورى وحليفه الروسى يمكن أن يكون لها العديد من الانعكاسات، خاصة على تركيا بعدما تراجعت الجماعات المسلحة المدعومة من جانبها، وسيطرة القوات الحكومية على العديد من المناطق في خان شيخون، في الاتجاه الذى يدفع بالتدخل العسكرى التركى المباشر في منطقة إدلب.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن تركيا قامت بتنفيذ العديد من العمليات العسكرية داخل الأراضى السورية؛ المرة الأولى كانت عملية «درع الفرات» التى انطلقت في أغسطس ٢٠١٦ واستمرت حتى مارس ٢٠١٧. والمرة الثانية كانت عملية «غصن الزيتون» التى انطلقت في الربع الأول من عام ٢٠١٨. ومنذ ذلك الوقت تسيطر تركيا على ما يقارب ٢٪ من الأراضى السورية. ولعل هذه العملية العسكرية التى لاحت في الأفق من جانب أنقرة تأتى بالتزامن مع العديد من المتغيرات الإقليمية والدولية التى من شأنها أن تؤطر بصورة كبيرة لشكل وتداعيات هذه العملية العسكرية هذه المرة، سواء على مستوى الداخل التركى أو الظروف الإقليمية والدولية الحالية، التى قد تتداخل بالمنح والمنع للتدخل العسكرى المباشر، ولعل أبرز تلك المحددات:
على المستوى الدولى والإقليمى لم تمنع الاعتراضات الدولية والإقليمية التحركات التركية العسكرية في منطقة الشمال السوري، وقامت باحتلال العديد من المناطق التى كانت تسيطر عليها قوات سوريا الديموقراطية (أكراد سوري)، ومن ثم لا يوجد قوة إقليمية أو دولية تستطيع أن تمنع تركيا بصورة كلية من تنفيذ تهديداتها بالتدخلات العسكرية المباشرة، وإن كان من الممكن ضبط طبيعة هذه التدخلات بصورة غير مباشرة.
وبعد خسارة أردوغان في الانتخابات البلدية في معاقل سياسية واقتصادية مهمة يحتاج أردوغان إلى قضية يوحد به الشعب التركى ويحشده خلف سياسته، وفى هذا الإطار يسعى أردوغان إلى توظيف الملف الكردي، خاصة أن الفترة الأخيرة شهدت العلاقات بينهما توترات متصاعدة، بعدما نفذت الدولة التركية عملية اغتيال لكادر كردى من حزب العمال الكردستانى المعارض في ٢٧ يونيو ٢٠١٩، والتى رد عليها حزب العمال بعملية انتقامية تمثلت باغتيال دبلوماسى تركى في شمال العراق في ٢١ يوليو ٢٠١٩، والتى على خلفياتها اشتعلت من جديد وتيرة الأزمة الكردية في تركيا.
ملفات متداخلة
وفق هذه المتغيرات، فإن هناك العديد من السيناريوهات المحتملة حول مسألة الدخول العسكرى المباشر لتركيا في إدلب أو في منطقة شمال سوريا حيث الأكراد، خاصة أن هذا النوع من العمليات قد ينعكس في العديد من السيناريوهات المرتبطة بشكل خاص بحدود التدخل التركى العسكرى في سوريا بصورته الشاملة سواء في منطقة إدلب أو في شمال وشمال شرق سوريا، وفيما يلى أبرز تلك الاحتمالات:
تقارب سورى كردى
هناك العديد من الانعكاسات حول مستقبل التدخل العسكرى التركى في شرق الفرات كامتداد لتحقيق نجاحات ميدانية في ظل تراجعها في منطقة إدلب، بحيث إذ لم تساند القوات الأمريكية قوات سوريا الديموقراطية في عملياتها ضد التدخل التركي، خاصة أن هناك احتمالات بأن الهجوم الذى يشنّه الجيش السورى في إدلب مرتبط بالتقارب الأمريكي - التركى في شرق البلاد، مما سيتوجب الأكراد إلى الأسد لمساعدتهم في مواجهة الهجوم التركي، ما يعنى تمكين نظام الأسد من استعادة السيطرة على مناطق سورية كان قد فقد السيطرة عليها منذ سنوات.
حدود المناورة الروسية
تدرك روسيا حركة تركيا المتناقضة الخارجية وخاصة تجاه علاقاتها مع الولايات المتحدة رغم التقارب بينهما على خلفية صفقة منظومة الدفاع الجوى الروسية s- ٤٠٠، بما يتعارض مع الرغبة الأمريكية، ومن زاوية أخرى حاولت تركيا التقارب مع الولايات المتحدة عبر إنشاء مركز عمليات مشترك يتيح لهما تنسيق تحركاتهما في منطقة الشمال السوري، بعد إعلان تركيا الدخول العسكرى في شرق الفرات في خطوة عارضتها الولايات المتحدة.
وتتزايد التخوفات الروسية من أن يتمكن الجانب التركى والأمريكى إلى التوصل لاتفاق نهائى حول الوضع في الشمال السوري، والذى قد يؤدى إلى استمرار النفوذ لفترة أطول، وما له من تداعيات سلبية على النفوذ الروسي، والنظام السوري، ولهذا السبب، أُريد من الهجوم الذى تشنه روسيا والنظام السورى في إدلب تغيير مجريات الأحداث في منطقة شرق الفرات على تركيا والولايات المتحدة، وفرض واقع جديد وحقيقة جديدة قد تفقد فيها تركيا جميع أرباحها المحتملة، وهذا الأمر دفعها إلى مراجعة سياستها في إدلب في اتجاه تكثيف المفاوضات مع روسيا، وهو ما تم بالفعل في زيارة الرئيس التركى أردوغان إلى موسكو في ٢٨ أغسطس ٢٠١٩.
التراجع التركى
في حال الإصرار الروسى والسورى على التخلص من الجماعات المسلحة في إدلب، فسوف تتعرض تركيا إلى العديد من المخاطر، والانتكاسات السياسية والمتمثلة في ضرورة الانسحاب التركى من نقاط المراقبة الاثنى عشر التى تم نشرها بعد اتفاق سوتشى بين موسكو وأنقرة، ولكن مع تقدم القوات الحكومية نحو مركز إدلب، تضيق أمام موسكو وأنقرة فسحة إيجاد حلول وسط، خاصة أن الخط الرئيس للفصل، بين روسيا الداعمة للحكومة الشرعية السورية والموجودة على أراضيها على الأساس الشرعى نفسه، وتركيا، التى كانت وما زالت في دور المعتدى الفعلي، أصبح أكثر وضوحًا، وأن مطامع تركيا للسيطرة على الأراضى السورية لن تلقى دعمًا حتى من قبل المعارضين الرئيسيين للأسد في العالم العربي. ولن تكتفى روسيا وإيران بمعارضة ذلك قولًا، إنما ستتخذ إجراءات ملموسة دفاعًا عن حق السوريين في استعادة أراضيهم.
ما بعد إدلب
لا شك أن معركة إدلب ودخول القوات السورية بمساعدة سلاح الجو الروسى أفرز وضعًا داخليًا معقدًا، كونه مرتبطًا بالعديد من الفاعلين الإقليميين والدوليين خاصة تركيا والولايات المتحدة، وإن كانت تركيا تستحوذ على النصيب الأكبر من حيث التداعيات السلبية سواء في إدلب أو في عموم سوريا وخاصة مناطق الشمال السورى التى تستهدفها تركيا لمواجهة المكون الكردى المنتشر هناك، وتأسيسًا على ذلك من المحتمل أن تشهد الفترة المقبلة إعادة النظر في الوضعية الجديدة التى تريد روسيا وسوريا لتسوية الأزمة الداخلية وفق متطلبات جديدة، وإن كان على تركيا انتهاج سياسات جديدة في ضوء تلك المتغيرات، والتى أصبحت تركيا متغيرًا تابعًا الآن في المعادلة بعدما أصبح رهانها وقدرتها على التواجد لم تتحكم فيه بمفردها بل تداخلت فيه العديد من المتغيرات المستقلة مثل روسيا والولايات المتحدة.
وكما ذكرنا فإن معركة إدلب لا تنفصل عن التطورات في الشمال السوري، ومن المؤكد أن تركيا تبحث عن مشاركة تركية مع قوات أمريكية على الشريط الحدودي، دون إلحاق أذى بقوات سورية الديمقراطية والإدارات الذاتية في المنطقة، خاصة وأن تركيا تحاول الوصول مع الولايات المتحدة إلى صيغة اتفاق بينهما حول المنطقة الآمنة، خاصة وأنه بحسب شروط الاتفاق الذى تم التوصل إليه بين أنقرة وواشنطن، فإن السلطات ستستخدم مركز التنسيق الذى سيكون مقره في تركيا من أجل الإعداد لمنطقة آمنة في شمال سوريا، بهدف إنشاء منطقة عازلة بين الحدود التركية والمناطق التى تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية، القوات المدعومة من واشنطن والتى تصنفها أنقرة إرهابية.