الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ترامب وخداع الملالي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
سيطرت حمى التكهنات، خلال الساعات الأخيرة من عطلة الأسبوع الماضي، على الدوائر السياسية فى العاصمة طهران بشأن اجتماع محتمل بين ترامب وروحاني. وكان ترامب قد أعلن من بياريتز، أنه على استعداد للقاء الملا الإيراني، ويعتقد أن ذلك الاجتماع قد يُرتب له قريبًا. ومن ناحيته، خرج روحانى على شاشات التليفزيون الرسمى الإيرانى معلنًا استعداده هو الآخر لمقابلة «أى شخص» من دون قيد أو شرط.
اتصل بى أحد المحللين «الإصلاحيين» الإيرانيين فى منتصف الليل بتوقيت باريس لإبلاغى أنه، وبمساعدة من ترامب، كان فصيله الإصلاحى على وشك تحقيق انتصار «خادع» على الفصيل المتشدد تحت قيادة المرشد الأعلى على خامنئي.
وفى روايته الهاتفية، سوف يجتمع روحانى مع ترامب فى شهر سبتمبر الحالى أثناء فعاليات الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك. ومن شأن الاجتماع أن يتمخض عن «خريطة طريق» تؤدى إلى اتفاقية تتضمن «الاتفاق النووى الإيراني» الذى أبرمته إدارة أوباما، بالإضافة إلى مطالب أخرى من قبل الرئيس ترامب بهذا الصدد. وهذا بدوره سوف يؤدى إلى رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على إيران، الأمر الذى ينقذ الاقتصاد الإيرانى المنهك من الانهيار الوشيك.
ومن شأن تلك «المعجزة» المنتظرة أن تتزامن مع الانتخابات العامة المقبلة فى إيران مع تأمين فوز ساحق للتيار الإصلاحي. وهذا بدوره سوف يُمكنهم من ممارسة المزيد من الضغوط بهدف تقاعد على خامنئى من منصبه الرفيع واستبداله من خلال حسن روحانى فى دور المرشد الإيرانى الأعلى، مع انتقال محمد جواد ظريف من حلبة الخارجية إلى كرسى الرئاسة. ومع الإطاحة بعلى خامنئى وزمرته، من شأن «فتيان نيويورك» أن ينتقلوا بإيران إلى مدى جديد على اعتبارها شريكًا رئيسيًا لأمريكا فى منطقة الشرق الأوسط.
الأمر الملاحظ فى هذا السرد هو مدى تقادمه وربما سخفه الواضح!
بعد أسابيع قليلة من استيلاء الملالى على مقاليد الحكم فى إيران، اعتبرت إدارة الرئيس جيمى كارتر فى واشنطن مهدى بازركان، وهو أول رئيس للحكومة فى إيران بعد سقوط الشاه محمد رضا بهلوي، أنه الرجل الذى يمكن للولايات المتحدة العمل والتعاون معه.
لكن الانتباه تحول مجددا، بعد الإطاحة بالسيد مهدى بازركان، صوب شخصيات عابرة سريعة الزوال من ذاكرة الأحداث من شاكلة آية الله محمد بهشتي، وأبوالحسن بنى صدر، وصادق قطب زادة الذى كان من المفترض أن يفر بإيران خارج المرحلة الثورية وإعادتها إلى الحياة الطبيعية كدولة قومية معتدلة، بصرف النظر عما كان يعنى بذلك.
وفى ظل وجود آية الله الخميني، المفترض وقتذاك أنه أكبر سنًا من أن يستمر فى الحكم، كان هؤلاء الرجال المذكورون يشكلون زمرة «الثيرميدور» الإيرانية، أى التراجع الإيرانى عن الأهداف والاستراتيجيات الثورية الراديكالية الناجمة عن عهد الإرهاب الذى أعقب الثورة الإسلامية. وكانت هناك باحثة إيرانية شابة تدعى فاريبا عادلخاه، تقيم فى باريس ومن أشد المدافعين عن إيران حتى أنها ألّفت كتابا يحمل عنوان «الثيرميدور الإيراني». (وهى الآن قيد الاحتجاز السياسى فى طهران على أيدى نفس الرجال الذين كانت تدافع عنهم وعن ثورتهم أيَّما دفاع فى شتى وسائل الإعلام الفرنسية).
وعلى مر السنين، استمعنا إلى الكثير من التحليلات المماثلة من فصيل رفسنجانى فى ثمانينيات القرن الماضي، ثم زمرة محمد خاتمى فى التسعينيات، وبعد ذلك الأخوان لاريجانى فى عام 2004، ولقد أخبرنى الرئيس الأمريكى الأسبق جورج دبليو بوش ورئيس الوزراء البريطانى الأسبق تونى بلير، فى مناسبات مختلفة، أنهما حددا رجالا يمكنهما العمل والتعاون معهم فى طهران، وأن مفتاح نجاح تلك المساعى هو التخلص من على خامنئى وزمرته المتشددة.
عند مرحلة معينة، ارتأت إدارة الرئيس الأمريكى الراحل رونالد ريجان أن هاشمى رفسنجاني، الملا الإيرانى الداهية ورجل الأعمال البراجماتى المحنك، هو النسخة الإيرانية الحية من الزعيم الصينى دينج شياو بينج. أما من ناحية تونى بلير، فقد رأى أن محمد خاتمي، الملا الوسطى الإصلاحى ورجل الفكر الناشئ، هو النسخة الإيرانية من الزعيم السوفياتى ميخائيل جورباتشوف. وفى وقت مبكر من عام 2004 كان الساسة فى كل من بريطانيا وفرنسا يعتبرون حسن روحانى أنه الرجل القادر على تحقيق ما تعهد تحقيقه كل من رفسنجانى وخاتمى مع فشلهما الذريع الواضح. وكان الحصان الذى حاز جُل رهانات رجل الخارجية الأمريكية جون كيرى هو دبلوماسى إيران الأول محمد جواد ظريف، الذى منح فصيله المعروف باسم «فتيان نيويورك» لحسن روحانى حُلته «الليبرالية» اللامعة.
غير أن المحللين الغربيين ونظراءهم فى إيران أغفلوا نقطتين حاسمتين فى ذلك التقدير.
النقطة الأولى أنه على غرار كافة النظم الحاكمة (الثورية) افتقرت زمرة الإمام الخمينى لأى آلية واضحة للإصلاح الحقيقى فى الاتجاه الذى تتمناه الطبقة الوسطى من المجتمع الإيرانى ناهيكم عن القوى الغربية الخارجية. وبالتالي، حتى مع محاولات قادة الثورة طرح المبادرات الإصلاحية بين الحين والآخر فهى من المبادرات المحكوم عليها بالفشل منذ الوهلة الأولى. 
وحاول الخمينى نفسه انتهاج خطوة من خلال مشروعه الإصلاحى ذى الثمانى نقاط المعلن عنه فى عام 1981 والذى أفضى إلى حالة دموية عارمة من أحكام الإعدام الجماعية العلنية فى عام 1988، وفى جمهورية إيران الإسلامية، ارتفعت معدلات أحكام الإعدام المنفذة وقرارات الاعتقال السياسية فى ظل الرؤساء الإصلاحيين من أمثال محمد خاتمى وحسن روحاني.
أما النقطة الثانية التى تتجاهلها القوى الغربية فإنها تتعلق بالانقسام الإيرانى الراهن بين معسكرين عريضين يعانى كل منهما من انقسامات فرعية داخلية. أحد المعسكرين يضم أولئك - وهم نسبة الأغلبية الراهنة - الذين يشعرون بخيبة أمل شديدة من الثورة الإسلامية القاتمة ويبحثون عن وسيلة لإغلاق ذلك الفصل الدموى الرهيب من التاريخ الإيرانى المعاصر فى أقرب وقت ممكن. وتستميل فكرة «التغيير داخل النظام الحاكم» آراء البعض منهم، غير أنها لم تطرح حتى الآن تصورًا سياسيًا عمليًا موثوقًا فيه يتعلق بكيفية الاستيلاء على السلطة من داخل النظام الإيرانى الحاكم!
ولدى المعسكر الثاني، نجد كل أولئك الذين - لأسباب جد مختلفة - لا يزالون مؤمنين بالثورة الإسلامية الخمينية. والسواد الأعظم من أبناء هذا المعسكر هم المتشددون، كانوا ولا يزالون كذلك. وبالتالي، وسواء قبلنا الواقع أم أبيناه، فإنه على خامنئي، وليس رفسنجانى ولا خاتمى ولا حتى روحاني، هو الذى يضبط ألحان الأوركسترا فى الجمهورية الإسلامية. وتشير حقيقة الأمر إلى أنه فى كل مرة تبرم القوى الغربية صفقة أو اتفاقًا مع الجمهورية الإسلامية كان الأمر يُرفع فى خاتمة المطاف إلى الخميني، ومن بعدُ إلى خامنئى من دون سواه.
وبالعودة إلى اتفاق باراك أوباما النووى مع إيران، فقد كان على خامنئى هو الذى أمر بالبدء فى المفاوضات قبل أن يعتلى حسن روحانى سدة الرئاسة فى الجمهورية الإسلامية. وكانت النتيجة المعروفة هى خطة العمل الشاملة المشتركة، المعروفة إعلاميًا بالاتفاق النووى الإيراني، التى اعتمدها على خامنئى إثر إيماءة الموافقة الضمنية غير الصريحة التى صدرت وقتذاك.
وبناء على ما تقدم، فإن رغب الرئيس ترامب، أو غيره من الساسة، إبرام صفقة مع النظام الحالى فى طهران، فإن الرجل الذين ينبغى الحديث إليه هو على خامنئى وليس حسن روحانى الذى يقوم بأداء دور الرئيس وفق الخط المرسوم له. وفى يوم الثلاثاء، برهن خامنئى على هذه الحقيقة وأمر روحانى بابتلاع تفاخره العلنى بعقد قمة مرتقبة مع الرئيس ترمب.
تذكرنى كوميديا الراديكاليين فى مواجهة المعتدلين داخل إيران بأوبرا «بوفا» الفرنسية التى تعرض لشخصيتين متناقضتين تمام التناقض، الفتاة «نانيت» التى ترفض بشدة دعوات المعجبين وينتهى بها المطاف فى فراشهم جميعا، والفتاة «يولاندا» التى تعد بالموافقة على جميع الدعوات ولا تجيب أيا منهم قط. وفى النهاية نكتشف أن الفتاتين فى واقع الأمر مجرد فتاة واحدة تتنكر فى لباسين مختلفين فى كل مرة، كمثل الساحرة القادرة العازمة على إيقاع الأذى بالآخرين مهما كلفها الأمر.
فهل أدرك السيد ترامب بيت القصيد؟
* الكاتب إيرانى يعارض النظام الحاكم فى إيران، والمقال نقلا عن «الشرق الأوسط» اللندنية.