الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تساؤلات طرابيشي العشرة حول الديمقراطية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
سيظل توأم المفكر والناقد السورى الكبير جورج طرابيشى (هرطقات 1) و(هرطقات 2) الصادران عن دار الساقى اللبنانية بالاشتراك مع رابطة العقلانيين العرب فى العامين 2006، 2008 من أهم الإصدارات الفكرية العربية.
ففى هرطقاته الأولى ناقش طرابيشى إشكاليات «التحول الديمقراطيي» فى ديارنا، كما ناقش استعصاءاته ومتطلباته وشروط توفره فى الواقع لا فى الرمز، فى الممارسة لا فى الشعار فى المجتمع قبل السياسة. 
وبعيدًا عما كتبه طرابيشى ضمن مشروعه الفكرى الهام طبعًا ستظل الأسئلة العشرة التى طرحها حول التحول إلى الديمقراطية من الأهمية بمكان. 
فلقد وضعنا طرابيشى أمام إشكاليات كبرى وموضوعية لمعضلة التحول الديمقراطى فى ديارنا والتى يظن بعض (الديمقراطويين) العرب أنه يمكن إنجازه فورًا، وأن «الديمقراطية هى الحل»، على غرار شعار الإسلامويين الشهير «الإسلام هو الحل»!.
وكما يظن أصحاب المنطق الاستسهالى (الخلاصي) والأيديولوجى (الديمقراطوي) الذى يتأسس على فكره «البساط السحري» الذى ينقلنا على الفور من القيعان الخربة إلى القمم الغناء والفراديس الوارفة فيتغير واقعنا فى غمضة عين!!
كما يتأسس على فكرة مصباح علاء الدين الذى (تفركه) فيخرج لك الخادم ليقول لك (شبيك لبيك) فتطلب فيتحقق على الفور كل ما تريد!!
حيث يظن أصحاب الأيديولوجيا الديمقراطية أن التحول الديمقراطى يمكن حدوثه بكثرة المناداة به والإلحاح عليه والهتاف من أجل تطبيقه فى الميادين أو المقالات! 
فهذا منطق يفتقر إلى الموضوعية والدقة وينضح بفائض أيديولوجى يفيض على ضفاف الفكرة الديمقراطية نفسها ويغرق ما عداها ويطمسه!!
فمن ملامح وتمظهرات أى فكر أيديولوجى هو الآتى: 
الانفصال الشديد عن الواقع.
الوصول إلى نتائج دون أى مقدمات منطقيه لها.
إعادة تعريف الواقع بما يخدم الاعتقاد لدى صاحب الأيديولوجيا.
ادعاء استبدال الواقع فورًا والانقطاع مع الماضى. 
الوعود البراقة بتغيير الواقع فورًا. 
التفكير بشكل سطحى استسهالى واعتماد المنطق الخلاصى الذى يتأسس على فكرة مصباح علاء الدين والبساط السحري. 
وعلى الجانب الآخر لا يدرك البعض أن العملية الديمقراطية وإن كانت مجرد (عملية إجرائية) إلا أنها لا تخلو من قيم وعلى رأسها، قيمة قبول الآخر وقبول الهزيمة، والانصياع لرأى الأغلبية، وصون الأغلبية لحقوق الأقلية والفرد، وأنه لا أغلبية دائمة ولا أقلية دائمة، والموضوع يتغير كل انتخابات وفقا لنتيجتها، وأن التفويض الديمقراطى مؤقت ومتغير ومقيد بنصوص الدستور، وأن التشريع فى الديمقراطية مقيد ويتم فى ضوء الدستور وثوابته.
كما يخضع التشريع فى النظام الديمقراطى لرقابة المحكمة الدستورية التى تملك الحق الحصرى فى تفسير نصوص الدستور حيث تعد المحكمة الدستورية بمثابة (الحكم بين السلطات).
وفى النظام الديمقراطى يكون الدستور هو (المرجعية الحصرية) عند الاختلاف بين الأحزاب التى تمارس اللعبة السياسية داخل إطاره المحدد سابقًا. 
كذلك فالديمقراطية تحدد مجال «التنافس الانتخابي» وترسم حدوده حيث لا يدخل ضمنه مثلًا «الاتفاقات الدولية» التى وافق عليها البرلمان بأغلبية ثلثية سابقًا فتلك الاتفاقيات تعتبر إجماعات وطنية متجاوزة لكل ما هو حزبي. 
كما أن القوانين فى النظام الديمقراطى نوعان (عادية ومكملة للدستور) ولا تتم كلها وفقا لمبدأ الأغلبية المطلقة (٥٠٪ +١) وإلا دمرت الديمقراطية من أساسها، فالقوانين المكملة للدستور مثلا والتى (تضع قواعد اللعبة السياسية) وتنظم (الدور السياسى بين الأحزاب) مثل قانون الأحزاب وقوانين الانتخابات وقوانين السلطة القضائية وقوانين الحقوق والواجبات والحريات لا تصدر إلا بأغلبية (الثلثين) وتتطلب إجماعات وطنية واسعة ورضاء عاما يتجاوز موضوع الأغلبية والأقلية هذا.
كذلك التحول من (التنافس إلى التكامل) بين الأغلبية والأقلية فى ظروف الحرب باعتبارها ظروفًا وطنية استثنائية تستلزم توقف الآلية الديمقراطية وتعطيلها بين الأغلبية والأقلية حتى تنتهى الحرب. 
ولا يدرك البعض أن صندوق الانتخابات هو نتيجة لصندوق الرأس، ولا ندرك أن أعداد الناخب وتحويله إلى كائن مدنى هى مسألة سابقة على ذهابه إلى لجان الاقتراع.
ومن المؤسف أن يطالب بعض مثقفينا «بالديمقراطية» مفصولة عن (توأمها الملتصق) «العلمانية» حيث يغيب عن الكثيرين أن أول شروط النظام الديمقراطى أن تكون الدولة (محايدة حيادًا إيجابيًا تجاه معتقدات أفرادها) وأنها لا تميز بينهم على أساس الدين أو الطائفة أو المذهب أو العرق أو الطبقة أو الجنس أو.....الخ 
كما لا يدرك البعض أهمية أن تحمى الدولة حرية الضمير وأن تمكن الجميع من أداء شعائرهم الدينية وأن تكفل لهم حق الاعتقاد وحق ممارسة الشعائر، وأن تكون المواطنة مناط الحقوق والواجبات وألا تنحاز الدولة لشريعة بعض مواطنيها أو معظمهم، وأن يكون حياد الدولة إيجابيا تجاه معتقدات مواطنيها وأن تكون المدرسة الوطنية محايدة تجاه جميع طلابها، وأن يكون التشريع منطلقًا من مبدأ المواطنة وأن يميز قانون العقوبات فيها بين (الخطيئة فى حق الله) و(الجريمة) فى حق الآخرين وأن يعاقب حصرًا على الجريمة فقط، فدولة تعنى مواطنين ومساواة وهذه هى العلمانية. 
والآن إليكم أسئلة طرابيشى العشرة التى وجهها إلى كل المطالبين والحالمين بالتحول الديمقراطى فى ربوعنا.
س1: هل الديمقراطية بذرة برسم الزرع أم ثمرة برسم القطف؟! أى هل الديمقراطية بذرة نزرعها فى التعليم ونرويها ونسقيها ونوفر السبل لنموها، أم أنها شيء جاهز ومعد سلفًا وجاهز للقطف والتناول؟! 
س2: هل الديمقراطية يمكن أن تكون نظاما للحكم قبل أن تكون نظاما للمجتمع؟ أى هل يمكن أن يكون مجتمع غير ديمقراطى فى ثقافته وقيمه وينتج نظام حكم ديمقراطى فى السياسه؟! 
س3: هل يمكن أن تأتى الديمقراطية وأنت تسير وفق سياسات اقتصادية تقضى على وجود الطبقة الوسطى؟ وغنى عن البيان طبعا أن الطبقة الوسطى هى الحامل الشرعى للمشروع الديمقراطى فى أى دولة. 
س4: هل يمكن أن تأتى الديمقراطية اعتمادًا على مجتمع أهلى طائفى تسيطر عليه لوبيات دينية بترولية حيث لا يمكن اعتباره مجتمعًا مدنيًا أصلًا؟ 
س5: هل يمكن أن تأتى الديمقراطية وإعلامنا لا يزال معاديًا للطبقة البرجوازية بشكل مطلق؟
س6: هل يمكن أن تأتى الديمقراطية دونما رد الاعتبار للدولة وللقانون وللعنف الشرعي؟
س7: هل يمكن أن نتحول إلى الديمقراطية ونحن لا نعطى الاعتبار والأولوية لغرس ثقافة ديمقراطية ونختزل الديمقراطية فى صندوق الاقتراع؟ وهل تبدأ الديمقراطية بصندوق الاقتراع أم بصندوق الرأس؟
س8: وهل ستعمل الآلية الانتخابية بمعزل عن الثقافة الديمقراطية؟
س9: هل تأخر الديمقراطية سببه عدوان الدولة وتغولها على المجتمع المدنى أم عدوان السلطة على الدولة نفسها كأداة منظمة ومعقلنة للمجتمع؟
فالدولة بالتعريف تمثل القوة التى تحتكر العنف الشرعى فى المجتمع والسلطة فى الأنظمة العربية تكسر الاحتكار الطبيعى للدولة للعنف الشرعى وتسمح لنفسها أن تمارس العنف ضد المجتمع المدنى وضد الدولة.
س10: هل يمكن الفصل بين الديمقراطية وتوأمها العلمانية فنسمع عن ديمقراطية دونما علمانيه مثلًا؟!