الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

تفاؤل حذر.. أزمة البريكست تسيطر على "مجموعة السبع".. فاتورة الخروج وشبكة الأمان تعوقان إنهاء علاقة بريطانيا بالاتحاد الأوروبي

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
انعقد اجتماع مجموعة السبعة وسط خلافات حادة حول مجموعة من القضايا العالمية التى تنذر بحدوث انقسامات دولية نظرًا لعدم وجود أرضية مشتركة بين الدول، منها قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى بدون اتفاق، فبعد ثلاث سنوات على إثارة قضية البريكست، لم تتغير الخيارات المتاحة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى التى تتمثل فى الخروج باتفاق، أو بدون اتفاق، أو طلب التمديد أو إلغاء المادة ٥٠ من جانب واحد للبقاء كعضو فى الاتحاد الأوروبي. 


أعلن رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون أنه أكثر تفاؤلا بقليل بإمكان التوصل لاتفاق ينظّم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى بعد المحادثات التى أجراها فى اليومين الماضيين خلال قمة مجموعة السبع فى بياريتس، لكنّه أقر بصعوبة تحقيق هذا الأمر.
وقال جونسون إثر محادثات شاقة أجراها حول بريكست خلال قمة مجموعة السبع «أنا أكثر تفاؤلًا بقليل».
لكنّه أضاف «سيكون الأمر صعبًا... هناك خلاف جوهري» بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي. 
وأكد جونسون أن تعزيز فرض التوصل لاتفاق يقع على عاتق الاتحاد الأوروبي، إلا أنه شدد على ضرورة التفاوض على اتفاق جديد لا يتضمن «شبكة الأمان» الإيرلندية.
و«شبكة الأمان» بند يضمن عدم عودة النقاط الحدودية بين إيرلندا العضو فى الاتحاد الأوروبى وإقليم إيرلندا الشمالية البريطاني.
ووصف جونسون ذلك البند بأنه «غير ديموقراطي» لأنه يطلب من لندن إبقاء قوانينها متماشية مع قوانين الاتحاد الأوروبى خلال مرحلة انتقالية عندما تخرج بريطانيا من عضوية الاتحاد. ويقول الاتحاد الأوروبى إن شبكة الأمان ضرورية لتجنب عودة حدود يمكن أن تؤدى إلى عودة الاقتتال المذهبى فى الجزيرة.
ويرفض الاتحاد الأوروبى التفاوض على اتفاق جديد ويتمسّك بالاتفاق الذى أبرمته رئيسة الوزراء البريطانية السابقة تيريزا ماى مع بروكسل والذى رفضه مجلس العموم ثلاث مرات.
وقال جونسون إن توقّعاته بالنسبة للتوصل إلى اتفاق «تتوقف حصرا على مدى استعداد أصدقائنا وشركائنا (فى الاتحاد الأوروبي) لإيجاد تسوية لهذه النقطة المفصلية والتخلى عن شبكة الأمان واتفاق الانسحاب الحالي.
وكرر جونسون تأكيده أنه فى حال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى من دون اتفاق فإنها لن تسدد كامل فاتورة الخروج من التكتل البالغة ٣٩ مليار جنيه استرلينى (٤٧ مليار دولار، ٤٣ مليار يورو) والتى تم الاتفاق بشأنها بين ماى وبروكسل. لكن جونسون لم يوضح المبلغ الذى ينوى تسديده أو ما إذا كان ينوى تسديد أى مبالغ.
وتابع «فى كل الأحوال، إذا حصل الخروج من دون اتفاق فإن قسما كبيرا من مبلغ الـ٣٩ مليارا سيكون بتصرّف المملكة المتّحدة لإنفاقه على أولوياتنا، وبينها التعامل مع تداعيات الخروج من دون اتفاق».
لكن الاتحاد الأوروبى يؤكد أن على بريطانيا أن تسدد الفاتورة كاملة حتى وإن خرجت من التكتل، ورغم التفاؤل الذى أبداه رئيس الوزراء البريطاني، إلى أن هناك عدة سيناريوهات تحكم الخروج البريطاني أبرزها.

السيناريو الأول
على الرغم أنه يريد إعادة التفاوض على عناصر الاتفاق خاصة إلغاء دعم إيرلندا الشمالية، ولتحقيق ذلك يتعين عليه إقناع الاتحاد الأوروبى بإعادة فتح المفاوضات حول اتفاق الخروج والحصول على اتفاق جديد توافق عليه أغلبية مؤهلة من المجلس الأوروبى وأغلبية بسيط فى البرلمان الأوروبي. وسيتعين عليه الحصول على موافقة البرلمان البريطانى بموجب المادة ١٣ من قانون الانسحاب من الاتحاد الأوروبى لعام ٢٠١٨ والذى يتم على ثلاث مراحل تتمثل فى تمرير اقتراح بالموافقة على الاتفاق من حيث المبدأ وإقرار مشروع قانون اتفاق الانسحاب وأخيرًا تصديق البرلمان على الاتفاق كمعاهدة بموجب قانون الإصلاح الدستورى لعام ٢٠١٠. 
يدعم احتمالية تحقق هذا السيناريو عدة أمور منها أن الاتحاد الأوروبى لا يريد سيناريو عدم وجود اتفاق، وقد أبدى استعداده البحث عن حلول جديدة لمشكلة الحدود الإيرلندية التى تمثل خلافًا أساسيًا، بجانب إعلان جونسون استعداده للتفاوض حول اتفاق للانسحاب وتعهده قبل القمة بالنظر فى الالتزامات التى قد تساعد على طمأنة الاتحاد الأوروبى بأنه مهتم بإيجاد حل، وأن غالبية النواب فى البرلمان البريطانى يعارضون الخروج دون اتفاق وأعلنوا استعدادهم محاولة منع حدوث ذلك مثلما قاموا بتعديل قانون أيرلندا الشمالية لعام ٢٠١٩ لمحاولة منع جونسون من ممارسة حقه فى الوصول للبرلمان.
ولكن هذا السيناريو يواجه عدة معوقات، أمور أولها أصرار قادة الاتحاد الأوروبى على عدم وجود مجال لمزيد من المفاوضات حول اتفاقية الانسحاب، فقد رفض زعيما ألمانيا وفرنسا التفاوض حول الاتفاق مع جونسون خاصة فيما يتعلق فى أيرلندا حيث أصر جونسون على إلغاء ما يسمى بالدعم، وهو نوع من بوليصة التأمين ضد إنشاء بنية تحتية جمركية رسمية على الحدود الأيرلندية، والتى أصبحت فى ظل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى الحدود البرية الوحيدة للمملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي. 
كما توجد عدة معوقات داخلية تحول دون تحقق هذا السيناريو أولها فشل حكومة تريزا فى تمرير اقتراح بالموافقة على الاتفاق عدة مرات مما دفع رئيس مجلس العموم إلى الحكم بعدم إمكانية عرض نفس الاتفاق مرة أخرى على البرلمان فى نفس الدورة البرلمانية. فحتى إن تمكن جونسون من تجاوز هذا العائق بتعديل قانون الانسحاب لإزالة شرط المرحلة الأولى ولكن تمرير هذا التعديل لن يكون سهلًا، كما سيظل بحاجة إلى الحصول على تصويت الأغلبية لإقرار مشروع قانون اتفاق الانسحاب. وإقرار هذا المشروع يعيقه عدة أمور أولها أن النواب المعارضة قد تستغله لممارسة ضغوط ليس فقط على اتفاقية الانسحاب بل وعلى المرحلة التالية من البريكست مثلما حدث مع ماي، وثانيها صعوبة التصديق على اتفاق جديد بحلول ٣١ أكتوبر حيث سيتعين على جونسون التوصل إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبى قبل حلول سبتمبر وهو ما سيترك أمام النواب فى مجلس العموم وقتًا محدودًا لتمرير مشروع القانون وإن تمكن جونسون من تقليص المدة وتحديد موعد لتمريره فإنه ليس لديه مثل هذه الصلاحية على الجدول الزمنى المحدد لتمرير مشروع قانون فى مجلس اللوردات ولتجاوز ذلك على جونسون أن يطلب مزيدًا من الوقت من الاتحاد الأوروبى لإتمام عملية التصديق. وهو معوق آخر أمام هذا السيناريو نظرًا لأن جونسون استبعد مرارًا تمديد آخر للمادة ٥٠. 

السيناريو الثانى
أكد جونسون على استعداد للخروج من الاتحاد الأوروبى دون اتفاق إذا لم يتمكن من التفاوض على اتفاق يمرر فى مجلس العموم بحلول ٣١ أكتوبر. ومن المرجح استمرار تمسكه بهذا السيناريو لعدة أسباب منها العلاقة الجيدة مع الرئيس ترامب الذى شجع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وأكد على ذلك فى اجتماع ثنائى جمعه بجونسون بقوله إن عضوية بريطانيا فى الاتحاد كانت عقبة أمام الجهود المبذولة لإقامة علاقات تجارية أوثق. كما قام ترامب فى عدة مرات بإظهار استعداد واشنطن للتضامن مع جونسون بما يعوض خسائر الخروج من خلال اتفاق تجارى مع الولايات المتحدة، وهو ما أكد عليه فى فعاليات القمة حيث وعد الرئيس ترامب جونسون بصفقة تجارية كبيرة لبريطانيا بعد الخروج من الاتحاد ومن جانبه اعتبر جونسون أن تلك الصفقة ستوفر فرصا هائلة للشركات البريطانية فى السوق الأمريكية،( ) مما يشجع جونسون على الخروج دون اتفاق. ومن الأسباب أيضًا تمسكه بموقفه حول إيرلندا وعدم إبدائه أى استعداد للتراجع عنه وهو ما يرفضه قادة الاتحاد الأوروبي. يرجح هذا السيناريو أيضًا عدم قيام الاتحاد الأوروبى بتنازلات لجونسون فى قمة مجموعة السبعة الاتحاد الأوروبى حتى يصبح الوضع فى البرلمان واضحًا خاصة أن الاتحاد يضع آمالًا كبيرة عليه بأن يخلع جونسون وحكومته مع طلب خلفه تمديدًا آخر لعضوية بريطانيا ثم موافقة بريطانيا على شروط اتفاقية الانسحاب التى تفاوضت عليها تريزا ماى وهذا غير قابل للتحقق فى الوقت الراهن.( ) ويؤكد عدم قيام الاتحاد بالتنازل عدم ثقته فى جونسون خاصة أنه لم يقدم حلولًا بديلة لدعم أيرلندا ووعد فقط بالنظر فى حل ممكن فى حالة عدم وجود ترتيبات بديلة بحلول نهاية الفترة الانتقالية وهو ما يوحى أنه لا يأخذ مخاوف الاتحاد الأوروبى على محمل الجد وتأكد ذلك فى خطاب جونسون عندما قال «الاتحاد الأوروبى يقدم لبريطانيا خيار البقاء فى اتحاد جمركى أو انفصال أيرلندا الشمالية عن بريطانيا.. تحاول بريطانيا صياغة حلول وسط، حان الوقت للاتحاد الأوروبى لاتخاذ خطوة نحو التخلى عن طلبهم (المفرط)». 
وفى ذات السياق إدراك جونسون أنه على الرغم من محدودية المؤيدين نسبيًا للخروج دون اتفاق إلا أن المعارضة البرلمانية عاجزة عن فعل أى شئ مغاير لقراره وذلك بسبب عدم احتمالية نجاح الأساليب المتاحة أمام النواب المعارضين للخروج من الاتحاد الأوروبى دون اتفاق لعدة أسباب منها: توفر فرص محدودة للغاية أمام النواب المعارضين لهذا السيناريو لإصدار أى تشريع يمنع الخروج دون اتفاق. فإذا رغب النواب فى تكرار نفس العملية التى أدت إلى قانون كوبر فى مارس الذى أجبر الحكومة على طلب تمديد، بسبب سيطرة الحكومة على مجلس العموم لن يتمكنوا من إجراء هذه العملية، كما لن يؤدى إلغاء العطلة بمفرده إلى خلق فرص جديدة تدعم هذا الخيار. كما أنه لا يوجد متسع من الوقت لإجراء انتخابات عامة قبل ٣١ أكتوبر.
يضاف لما سبق أن التصويت بسحب الثقة من جونسون لن يوقف خروج بدون اتفاق؛ فإن أراد النواب القيام بهذه الخطوة فإن العملية المنظمة لطلبات حجب الثقة بموجب قانون البرلمانات محددة المدة لعام ٢٠١١ لم يتم اختبارها من قبل، وإن تمكنوا من تجاوز ذلك فسيتم منحهم ١٤ يومًا فقط لتشكيل حكومة وحدة وطنية وإن لم يتمكنوا من ذلك فستكون هناك انتخابات عامة وهو ليس بخيار جيد. هذا فضلًا عن عدم وجود فرصة لإجراء استفتاء ثان إلا بدعم حكومي؛ فإذا أراد بعض النواب إجراء استفتاء آخر باعتباره أفضل وسيلة للكسر الجمود البرلمانى على عكس الانتخابات العامة، لن يتمكنوا من ذلك لأنه سيتطلب تشريعًا وإنفاقًا حكوميًا لإجرائه وكلاهما سيحتاجان إلى دعم حكومى والتى حتى إن وافقت لن يكون هناك وقت كاف لإجراء الاستفتاء قبل ٣١ أكتوبر.