الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

ترميم علاقات السودان الخارجية أولوية كبرى في برنامج الحكومة الانتقالية

عبد الله حمدوك رئيس
عبد الله حمدوك رئيس الحكومة الانتقالية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كثيرا ما كان ملف السياسة الخارجية وعلاقات السودان مع العالم الخارجي ، أحد الملفات الخلافية بين نظام الرئيس السابق عمر البشير وبين خصومه ومعارضيه السياسيين ، الذين طالما اتهموه بتخريب علاقات الخرطوم مع جيرانها أو مع القوى الدولية ، وجعل السودان يعيش في شبه عزلة دولية ، والحق أفدح الضرر بالمصالح الوطنية للبلاد ، نتيجة الحسابات الحزبية الضيقة للنظام الحاكم ، والتي ورطت البلاد في الكثير من الأزمات مع الخارج.
ولذلك كان متوقعا أن يحظى هذا الملف بأولوية كبرى في سلم اهتمامات السلطة الجديدة التي تولت مقاليد الأمور في السودان عقب الاطاحة بنظام البشير، لاسيما في ظل الارتباط الوثيق بين السياسية الخارجية للبلاد وتطورات المشهد الداخلي واستحقاته المستقبلية. فالسلطة الجديدة في الخرطوم تدرك أن أحد المداخل الأساسية لمعالجة الأزمات الداخلية العديدة التي يعيشها السودان ، هو اقامة علاقات متوازنة مع محيطها الاقليمي العربي والإفريقي والدولي ، ومعالجة آثار التركة الثقيلة التي خلفها النظام السابق فيما يخص علاقات السودان الخارجية .
وفي هذا الإطار فقد تعهد عبد الله حمدوك رئيس الحكومة الانتقالية بانتهاج سياسة خارجية معتدلة تأخذ بمصالح البلاد العليا، لتكون هدفا للمرحلة المقبلة، وقال إن "الفترة الانتقالية ستشهد سياسية خارجية متزنة تُراعي في المقام الأول مصلحة السودان حتى يخرج من مرحلة العزلة ويكون صالحا لنفسه ولمحيطه الإقليمي والدولي " .
وفيما بدا أنه رسائل طمأنة للأطراف الدولية والاقليمية بأن السلطة الجديدة حريصة على تجاوز ميراث النظام السابق ، أكد حمدوك في حوار مع قناة النيل الأزرق السودانية أن السودان "أصبح متصالحا مع نفسه ومحيطه الإقليمي والدولي، وأن السياسة الخارجية ستلعب دورا في رسم صورة مختلفة للبلد عن السودان الذي عرفه العالم في الثلاثين عاما الماضية".
وأضاف حمدوك أن "السياسة الخارجية ستخضع للمصالح المشتركة، وسندير ملفات السياسة الخارجية بما يحقق مصلحة السودان والشعوب الأخرى، وبهذه الطريقة يمكن أن ندير تعقيدات السياسة الخارجية"
ورغم تأكيده على رغبة السودان الجديد في أن يكون جزءا من المنظومة الدولية ، فإن حمدوك شدد على رفض حكومته لأي إملاءات من الخارج بشأن سياسة بلاده الخارجية ، مضيفا أن بلاده "لن تقبل أن تملى عليها شروط ،والسياسة الخارجية تخضع للمصالح المشتركة ".
تصريحات عبد الله حمدوك حول السياسة الخارجية السودانية المستقبلية ، عكست ، في رأي المحللين والمراقبين ، إدارك الحكومة الجديدة لأهمية اعادة وترميم علاقات السودان مع المجتمع الدولي ، ليس فقط لاخراجه من حالة العزلة والحصار التي فرضت عليه لعقود طويلة وتسببت في الحاق اضرار فادحة بالمصالح الوطنية السودانية ، ولكن لأن تجاوز هذه العزلة سيمهد الطريق لمد يد المساعدة الدولية للسودان ،لإقالته من عثراته وأوضاعه الاقتصادية الصعبة. فالبلاد تحتاج لمساعدات ضخمة من أجل استعادة عافتيها الاقتصادية والانطلاق نحو تحقيق الأهداف التي رفعها المحتجون والمتظاهرون خلال الثورة الشعبية التي اطاحت بحكم البشير.
وقد قدّر رئيس الوزراء السوداني، أن بلاده بحاجة إلى 8 مليارات دولار لدعم الاقتصاد السوداني خلال العامين المقبلين، مضييفا أن حكومته تحتاج أيضا إلى ملياري دولار لدعم احتياطي النقد الأجنبي لوقف تراجع العملة المحلية.
فمن بين التحديات التي تواجه مجلس السيادة ورئيس الحكومة الانتقالية ، على صعيد السياسة الخارجية، استعادة عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي، التي كانت قد عُلقت في 3 يونيو الماضي ، على خلفية أحداث فض اعتصام القيادة العامة ومقتل عشرات المعتصمين خلال تلك الأحداث.
وقد تعهدت مصر في الكلمة التي القاها الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء خلال الاحتفال بتوقيع الوثيقة الدستورية بين شركاء الحكم في السودان ، على تقديم كل الدعم للسودان الشقيق ، بما في ذلك الدعم السياسي في المحافل الإقليمية والدولية، وفي مقدمتها الاتحاد الأفريقي، حتى يستعيد السودان مكانته المتميزة في القارة. وترأس مصر الاتحاد الافريقي حاليا.
كما يأتي رفع اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، على رأس اهتمامات الحكومة السودانية الجديدة ، كما قال عبد الله حمدوك ، الذي أعلن عن بدء محادثات مع الولايات المتحدة في هذا الصدد.
وتصنف واشنطن السودان ضمن هذه القائمة منذ عام 1993، عندما اتهتمه بدعم ورعاية الارهاب ، بعدما استضاف النظام السوداني في ذلك الوقت عددا من قيادات الجماعات الإسلامية المتشددة .
ويأمل السودانيون أن تساهم التحولات السياسية الراهنة التي يعيشها السودان ، ولاسيما على صعيد علاقاته الخارجية ، في استعادة دور السودان كدولة فاعلة وشريكة في تحقيق التعاون الإقليمي والدولي المشترك لصيانة السلم والأمن الدوليين بكافة أبعاده. كما يراهن السودانيون على أن يتم توظيف السياسة الخارجية الجديدة للسودان في تحقيق المصالح الوطنية ،سواء على صعيد تعزيز الاستقرار والسلام ، أو على صعيد تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والتنموية ، وذلك من خلال إرساء علاقات خارجية متوازنة ترتكز على التعاون المشترك وتبادل المنافع والمحافظة على مصالح الشعب السوداني.
ويرى المراقبون أن نجاح الحكومة السودانية الانتقالية في إعادة ترتيب علاقات السودان الخارجية ، ومعالجة تركة الإخفاق الخارجي للنظام السابق ، من شأنها أن تنعكس بشكل إيجابي على الكثير من الملفات الداخلية السودانية ،سواء فيما يتعلق بإلغاء الديون الخارجية ورفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان، ، أوتأمين الدعم الإقليمي والدولي لتحقيق السلام الدائم في أنحاء البلاد المختلفة، وهذان هما الملفان اللذان يمثلان أولوية كبرى في برنامج الحكومة.
لكن نجاح الحكومة السودانية في هذه المهمة ، يتطلب – كما يرى محللون وخبراء سياسيون سودانيون – ضرورة وضع استراتيجية محددة المعالم لسياسة السودان الخارجية تجاه المحيط الدولي والإقليمي تتفق مع شكل الدولة الجديد ، وأن تتوافق حولها كل القوي السياسية السودانية ، بما يؤدي إلى قبولها وتنفيذها على المستوى الداخلي والخارجي.