الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

أحلام «أردوغان» التوسعية بـ«السودان» في مهب الريح.. أنقرة تحاول استعادة زمام المبادرة بالساحة السودانية.. وإلغاء اتفاقية «سواكن» يربك حسابات تركيا ويواجه مطامع السلطان العثماني

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شهدت السودان احتفالات واسعة، السبت ١٧ أغسطس، بتوقيع الوثيقة الدستورية لاتفاق تقاسم السلطة بين المجلس العسكرى الحاكم والمعارضة المدنية، وذلك بحضور دولى وأفريقى كبير.
وعلى الرغم من أن الاتفاق فى معطياته الأولية، ينسحب بصورة كبيرة على الأوضاع الداخلية وإعادة ترتيب البيت السودانى الداخلي، إلا أن هذا الأمر سينعكس أيضًا على مسار العلاقات الخارجية السودانية سواء مع محيطها الإقليمى أو القوى الدولية، وفى هذا الإطار سيتم تناول الدور التركى فى السودان، بعد توقيع هذا الاتفاق، ومحدداته ومستقبله فى ظل تلك المتغيرات.


تركيا والسودان.. مرحلة ما بعد البشير
لم تختلف السياسة التركية فى فترة حكم الرئيس السودانى السابق عمر البشير عن تلك القادمة بعده، فى ظل تقاسم السلطة بين الجانبين، من قوى الحرية والتغيير وبين المجلس العسكرى السودانى الانتقالي، فعلى الرغم من حالة الاضطرابات الداخلية السودانية، حاولت أنقرة الاستمرار فى توظيف أدواتها لتحقيق المنافع السياسية والاقتصادية والعسكرية، حيث يسعى النظام التركى لاستعادة زمام المبادرة فى الساحة السودانية، من خلال توظيف المجال الدينى والاقتصادى والسياسي، بعد أن أربك عزل الرئيس السابق عمر البشير خطط الرئيس التركى رجب طيب أردوغان الجيوسياسية فى السودان والمنطقة بصفة عامة.
وفى هذا الشأن ووفق المتغيرات الداخلية السودانية التى ظهرت بعد رحيل البشير، عملت تركيا على التأكيد على ضرورة الانتقال السلمى للسلطة وتسوية الأزمة الداخلية، خاصة بعدما أعلن المجلس العسكرى الانتقالي، رفضه إقامة قاعدة تركية فى جزيرة «سواكن»، وإنهاء العمل بالاتفاقية الموقعة بين الجانبين فى ديسمبر عام ٢٠١٧، ومن جانب تركيا أكدت ضرورة الإبقاء على الاتفاقيات المبرمة بين الطرفين، فى الوقت الذى باتت تتزايد التخوفات من إلغاء السلطة الانتقالية لاتفاقية «سواكن»، وهو أمر من شأنه أن يعيد خلط الأوراق التركية فى المنطقة، ويربك جهودها فى ترسيخ وجودها فى واحدة من أهم المجالات الاستراتيجية والفضاءات الجغرافية، التى تعد مجالًا حيويًا لأمن المنطقة وبخاصة لأمن السعودية ومصر، وذلك لأن جزيرة «سواكن» تحظى بأهمية استراتيجية كونها أقرب الموانئ السودانية إلى ميناء جدة الاستراتيجى على البحر الأحمر، تبلغ مساحتها عشرين كيلومترًا مربعًا، وفيها أكثر من ٣٧٠ قطعة أرض سكنية وحكومية، ستقوم الحكومة التركية بإعادة ترميمها وجعلها منطقة سياحية.
ولتحليل سياسة تركيا تجاه السودان لا يمكن تجاوز تصريحات الرئيس التركى أردوغان والمتعلقة بسياساته التوسعية، وحرصه على عودة الإرث العثمانى من جديد من خلال السودان، لإيجاد موطئ قدم فى البحر الأحمر وأفريقيا، ومن قبل استخدمت الدولة العثمانية جزيرة «سواكن» مركزًا لبحريتها فى البحر الأحمر، وضم الميناء مقر الحاكم العثمانى لمنطقة جنوب البحر الأحمر بين عامى ١٨٢١ و١٨٨٥.
لم تنحصر مطامع أنقرة فى الجزيرة الاستراتيجية، فبالإضافة إلى «سواكن»، تستثمر تركيا فى مطار الخرطوم الدولي، واستأجرت الحكومة التركية أراضى بلغت مساحتها ٧٨٠ ألفا و٥٠٠ هكتار لمدة ٩٩ عامًا.
وامتدادًا للسياسة التركية، غادر وزير الخارجية التركى مولود أوغلو أنقرة فى ١٧ أغسطس ٢٠١٩، إلى السودان، والتقى الرئيس العسكرى الانتقالى السودانى عبد الفتاح البرهان، فى جلسة مغلقة، فى إطار زيارة يجريها الوزير التركي، لحضور مراسم توقيع «وثيقة الإعلان الدستوري» النهائي، وزعم أوغلو مواصلة بلاده تقديم الدعم للسودان حكومة وشعبًا، من أجل تعزيز الاستقرار والأمن هناك.


الأدوات التركية
تسعى تركيا فى مسيرة بناء دورها فى السودان إلى الاعتماد على العديد من الأدوات اللازمة لتحقيق أهدافها فى السودان بصورة خاصة والقارة الأفريقية بصورة عامة، من خلال مدخلين أساسيين، المدخل الدينى والمدخل الاقتصادي، ومن خلالهما تستهدف أنقرة تعظيم منافعها السياسية والعسكرية، وفى هذا الإطار يمكن الإشارة إلى أن النظام التركى يسعى إلى استعادة زمام المبادرة فى الساحة السودانية، من خلال توظيف المجال الدينى بفتح خمسة مساجد دفعة واحدة، بعد أن أربك عزل البشير خطط أردوغان الجيوسياسية، عن طريق هيئة الإغاثة الإنسانية التركية فى ٢١ يونيو ٢٠١٩، بهدف استمالة السودانيين، بعدما أثار تمسك أردوغان بحليفه البشير طيلة فترة الاحتجاجات غضب الشارع السودانى الذى عانى لعقود من سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، نتيجة سياسات الأحزاب الإسلامية.
على الجانب الاقتصادي، أبدت تركيا اهتمامًا متزايدًا تجاه تطوير علاقاتها الاقتصادية مع السودان، وبدأت بتوقيع العديد من الاتفاقيات منذ عام ٢٠١٤، الهادفة لتشجيع الاستثمار فى البلدين.
إضافة إلى مذكرة تفاهم للتعاون فى مجال إنشاء مناطق حرة، بهدف إنشاء وتأسيس بنية تحتية قوية للعلاقات الاقتصادية، وهذه كانت أولى البوابات التى فُتحت أمام المستثمرين الأتراك فى السودان، إضافة إلى بداية تأسيس مشروعات مشتركة بين الدولتين فى السودان، وهذا يتطلب بناء أسس التكامل الاقتصادى بين الدولتين، لتسهيل وإنجاز المشروعات وتسهيل عمل المؤسسات المالية الممولة للمشروعات من ناحية التحويلات، وفتح فروع للمصارف التركية فى السودان، وكذلك المصارف السودانية فى تركيا، إضافة إلى إنشاء مصارف مشتركة بين الجانبين لغرض تيسير عمل المستثمرين، فى المجال الزراعى واستصلاح الأراضى وتربية الحيوانات، والقطاع السياحي، وفى هذا الأمر يُذكر أنه فى عام ٢٠٠٩، رفعت حكومة السودان تأشيرة الدخول عن المواطنين الأتراك، فى إطار تعزيز العلاقات التجارية بين البلدين، ودعا الرئيس السودانى عمر البشير، رجال الأعمال الأتراك إلى الاستثمار فى السودان، قائلًا: «نريد إقامة شراكة استراتيجية بين البلدين. نريد رجال الأعمال الأتراك للاستثمار ليس فقط فى قطاع الزراعة، لكن أيضًا فى بناء البنية التحتية».


المشهد الإقليمى والدولى
بالتزامن مع حالة الاضطرابات الداخلية السودانية، فإن هذه الاضطرابات امتدت تأثيراتها إلى خارج حدود السودان إقليميًا ودوليًا، وهذا المشهد الإقليمى والدولي، الذى تنخرط بداخله العديد من الدول، ليس جديدًا بحداثة الاضطرابات الداخلية السودانية، ولكنه برز بصورة كبيرة على الساحة بعد هذه الأحداث، خاصة بعدما تم تعليق عضوية السودان فى الاتحاد الأفريقي، حتى تتولى إدارة البلاد سلطة مدنية انتقالية للخروج من الأزمة، ومن ثم توالت العديد من الجهود الفردية من جانب دول عدة، خاصة من جانب مصر وإثيوبيا، لتسوية الأوضاع الداخلية وفق نمط الجهود الهادفة لتحقيق المساعى الحميدة فى سياستهما، وأن مصر ترأست الاتحاد الأفريقى، وتمتلك العديد من الأوراق، التى يمكن أن تخدم مستقبل العملية الانتقالية بعد توقيع الوثيقة الدستورية.
من زاوية أخرى، فإن الدور التركى الذى بدأ قديمًا ويحاول الاستمرار فى ظل العديد من القوى الإقليمية المناوئة له ولوجوده، ومن ثم ظهرت محاور صراعية جديدة قديمة، ولكن بصورة أكبر، فبعد سيطرة تركيا على جزيرة وميناء «سواكن»، وعلى الجانب الآخر الحضور القطرى فى ميناء بورت سودان وتطويره ليصبح أكبر ميناء للحاويات على البحر الأحمر، فإنه بذلك سيتم السيطرة على الممر الأكثر محورية فى منطقة البحر الأحمر من الحدود المصرية إلى باب المندب فى اليمن، هذه السيطرة من جانب الحليفتين تركيا وقطر فى مواجهة التواجد السعودى والإماراتي، قد يكون انعكاسًا ونقلا لساحة توتر جديدة فى العلاقات العربية التركية، وبخاصة دول مصر والسعودية والإمارات التى ترفض التواجد التركى ودور أنقرة فى تهديد أمن واستقرار المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك؛ دعت الحكومة السودانية السابقة روسيا لإقامة قاعدة عسكرية لها فى مدينة «سواكن»، وبالدرجة الأولى، فإن طلب الخرطوم من موسكو تشييد الأخيرة قاعدة عسكرية لها فى السودان، لأن الحضور الروسي، واستنادًا إلى التجربة السورية، سيعنى مزيدًا من التنافس الإقليمى والدولى على أرض السودان.
وتأسيسًا على هذا الواقع والظروف المحيطة بالسودان، فإن حالة التنافس الإقليمى والدولى تعوق بلا شك أى تقدم اقتصادى أو تنمية مستدامة فيه، أو تحقيق معدلات مقبولة من الاستقرار، ومن ثم فإن تركيا عازمة على الاهتمام بأمن البحر الأحمر، والذى يدلل على بحثها عن نفوذ إقليمى ودولى، وتوجيه رسالة سياسية لدول الخليج والدول العربية بأنها موجودة فى الساحل الغربى للبحر الأحمر، بالتوازى مع ذلك، فإن الدور التركى يعد مقدمة لصراع نفوذ تحاول دول عربية وإقليمية ممارسته على السودان. ويخشى هؤلاء أن يتحول بلدهم إلى ساحة نزاع بين الدول العربية من جانب، وقطر وتركيا من جانب آخر، بما يجمعهم من مصالح إيديولوجية وسياسية، والتى تعمل بعض الدول مثل السعودية والإمارات ومصر على مواجهة هذا النفوذ المتنامى لما يمثله من تهديدات لأمنها.