الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

معدل الولادة القيصرية «2»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ذكرنا فى المقال السابق، أن المعدل المقبول عالميًا للولادة القيصرية يتراوح بين ١٥ - ٢٥٪، وأن هذه النسبة تشمل كل الأسباب التى تضمن توفير كامل الرعاية الضرورية للحفاظ على صحة الأم والمولود. وأوضحنا كذلك أن الأسباب غير الطبية، والتى تمثل النسبة الأكبر من الأسباب، هى المسؤلة عن زيادة المعدل فى مصر عن ضعف المعدل العالمي. وهذه الأسباب يشارك فيها المجتمع والأسرة والسيدة الحامل، ولذا لا يمكن أن نلوم الأطقم الطبية فقط، وكذلك هناك عجز فى النظام الصحى وفى توفير بيئة عمل مناسبة للأطباء. وفى هذا المقال نبين المضاعفات المرضية الخطيرة التى تصاحب تكرار الولادة القيصرية، خاصة عند تكرار القيصرية لأكثر من ثلاث مرات، وكذلك نستعرض الطرق التى يمكن أن نتبناها لتقليل معدل الولادة القيصرية فى مصر.
ويجب الإشارة إلى أن الولادة القيصرية أصبحت عملية آمنة، وأن الفريق الطبى (التوليد والتخدير والتمريض)، المتدرب على إجراء العملية فى مكان آمن، وفى وجود أسباب طبية، يساعد على الحفاظ على صحة الأم والمولود.
إلا أن الزيادة غير المبررة فى معدلات الولادة القيصرية فى مصر، بصورة غير مسبوقة، قد يصاحبها مضاعفات خطيرة وقد تؤدى إلى الوفاة.
وفى جميع الأحوال تبقى الولادة الطبيعية الفسيولوجية هى الأقل فى المضاعفات، والأفضل لصحة الأم والجنين، وتبقى الولادة القيصرية عملية كبري، وتصاحبها، كأى عملية كبرى مضاعفات بنسب قليلة (حوالى ١-٢٪) ناتجة عن التخدير، وفتح البطن، وحدوث التهابات بالجرح، وحدوث جلطات بالساقين، والنزف الذى يتطلب نقل الدم، وحدوث إصابة للأمعاء أو المثانة، والبقاء بالمستشفى لفترة أطول. وتزداد كل المضاعفات السابقة مع زيادة عدد الولادات القيصرية (خاصة بعد القيصرية الثالثة)، ويضاف إليها أخطر المضاعفات وهى زيادة معدل حدوث انفجار الرحم أثناء الحمل، والمشيمة الملتصقة الناتجة عن التحام أو انغماس المشيمة فى جدار الرحم، مما قد ينتج عنه نزف شديد أثناء الولادة قد يؤدى إلى استئصال للرحم وحدوث الوفاة. 
وبعد أن كان معدل تواجد حالات المشيمة الملتحمة فى مستشفى المنصورة الجامعى نادرًا جدًا (أقل من نصف فى المائة)، قبل سنة ٢٠١٠، أصبح المعدل الحالى حوالى ٥٪ (أى ازداد عشرة أضعاف فى أقل من عشر سنوات)، وأصبح هو السبب الأول فى وفيات الأمهات وفى استئصال الرحم أثناء الولادة.
ويبقى السؤال الأهم وهو: كيف يمكن أن نقلل من معدل الولادات القيصرية فى مصر لتتناسب مع المعدلات العالمية؟
وللإجابة عن هذا السؤال لابد أن نعود إلى الأسباب سابقة الذكر فى المقال السابق ولابد من العمل على عدة محاور تشمل المجتمع والأسرة والسيدة الحامل والأطقم الطبية والنظام الصحي.
أولًا: توعية المجتمع والأسرة والسيدة الحامل
لابد أن تقوم وزارة الصحة والمجلس القومى للمرأة وكل وسائل الإعلام والمهتمين بصحة المرأة، بحملات توعية لبيان فوائد الولادة الطبيعية، وأنها هى الأساس، وأن الولادة القيصرية هى الاستثناء. وأن المعدل العالمى للولادة القيصرية لايتعدى ٢٥٪ من كل حالات الولادة. وأن الطبيب المؤهل هو الوحيد القادر على تحديد أسباب الولادة القيصرية، ويجب عدم التدخل من الأسرة فى قرار الفريق الطبي.
ولابد كذلك من التوعية بضرورة الثقة فى الأطقم الطبية، وتجريم الاعتداء عليها، وتغليظ العقوبات لكل من يعتدى على الأطقم الطبية لتشمل الحبس والغرامة (والتى قد تصل فى السعودية إلى مليون ريال). وضرورة توعية المجتمع بتقبل النسبة المقبولة للمضاعفات أثناء وبعد الولادة، وهى التى تحدث لأسباب خارجة عن تدخل الفريق الطبى ولايمكن تجنبها.
وضرورة تشجيع السيدة المقبلة على الولادة على التحلى بالصبر والتعاون مع الأطباء، وأن تتقبل آلام ومعاناة الولادة الطبيعية. وهنا يجب الإشارة إلى ضرورة إدخال خدمة المشورة والتوعية للمجتمع داخل المستشفيات الحكومية.
ثانيًا: تدريب وحماية الأطقم الطبية
يجب أن نعترف بأن هناك خللًا فى منظومة التدريب للأطباء، ليس فقط فى مستشفيات وزارة الصحة ولكن أيضا فى المستشفيات الجامعية. ولقد تدربنا ونحن أطباء مقيمين منذ أكثر من ربع قرن على مهارات الولادة الطبيعية، وعلى الطرق المساعدة باستخدام الآلات مثل الشفاط والجفت، وللأسف الشديد، فقد توقف التدريب على هذه المهارات فى كل مستشفيات مصر. ليس هذا فقط، وإنما توقف أيضًا التدريب على ولادة الجنين القادم بالمقعدة، أو حتى القادم برأسه وبه خلل بسيط يحتاج إلى وقت أطول للدوران داخل الحوض. والأهم من ذلك هو لجوء معظم الأطباء فى مصر إلى تكرار الولادة القيصرية لكل سيدة ولدت لأول مرة قيصيرًا، بينما تصل نسبة نجاح الولادة الطبيعية بعد الولادة القيصرية لمرة واحدة إلى أكثر من ٧٠٪. فى إنجلترا. وكل العوامل السابقة، خاصة فى عدم وجود قانون لحماية الأطباء، وشعور الأطباء الدائم بالخوف من حدوث مصاعفات أثناء محاولة الولادة الطبيعية، أدى إلى الزيادة غير المبررة فى معدل الولادة القيصرية.

ثالثًا: تطوير مستشفيات الولادة على مستوى الجمهورية واستحداث خدمتين فى غاية الأهمية وهما:
١- خدمات الولادة بدون ألم 
لابد أن يتوفر فى كل أقسام الولادة أطباء وممرضات التخدير المدربين على تقديم الخدمة باستخدام الحقن فى الظهر (الحقن فوق الغشاء المغطى للضفيرة العصبية (Epidural ) وتثبيت قسطرة لإزالة الألم تستمر إلى مابعد الولادة.
٢- خدمات الولادة فى وحدات مخصصة بالمولدات المؤهلات (Midwives ):
وللأسف الشديد لاتتوفر هذه الوحدات فى أى من مستشفيات مصر، وتعانى مستشفياتنا بصفة عامة من عجز شديد فى أعداد هيئة التمريض، بينما تتجه معظم المولدات المؤهلات (بعد بكالوريوس التمريض) إلى العمل فى دول الخليج. ولذا لابد من تطوير التمريض الخاص بالولادة وإنشاء تخصص التوليد ضمن تخصصات كليات التمريض، كما هو حادث فى معظم دول العالم.
وجدير بالذكر أن توفير خدمتى الولادة بدون ألم، ووحدات خاصة بالمولدات المؤهلات، كفيلان بخفض معدل الولادة القيصرية فى مصر إلى المعدلات المقبولة دوليًا.
رابعًا: مراقبة المستشفيات والمراكز الطبية فى القطاع الخاص
ليست مبالغة أن أكثر من ٩٠٪ من كل الولادات التى تجرى فى القطاع الخاص تنتهى بولادة قيصرية. ولابد من أن تتدخل وزارة الصحة فى وضع ضوابط وإرشادات للأطباء، ومراقبة عملهم، وتسجيل معدل الولادات لكل طبيب، وتشكيل لجنة من وزارة الصحة والجامعات تراقب وتحاسب من يتعدى النسب المقررة بدون دواعى طبية.
خامسًا: إنشاء المجلس المصرى للصحة (General Medical Council). على غرار المجلس الطبى البريطانى والمجلس السعودى للتخصصات الطبية. وتكون مهمته حماية المرضى وتوجيه الأطباء. وكذلك مراقبة أداء الأطباء ومدى التزامهم بالإرشادات والقواعد الطبية، ومراقبة سجلات المواليد لكل طبيب أو مؤسسة طبية، ومعاقبة كل من يخالف القواعد العلمية بدون أسباب موضوعية. وأظن أن مصر مقبلة على ذلك فى القريب العاجل.
والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل.