الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

رسائل المصريين إلى الإمام الشافعي.. سيد عويس يرصد بكتاب 160 رسالة تطلب الشفاعة في قضاء الحوائج ورفع الظلم

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
المصريون منذ أن وجدوا على هذه الأرض وهم ينظرون إلى الموت نظرة تقدير ويعرفون ما حُرمة الموتى ويؤمنون بالحياة بعد الموت وبالبعث والنشور، ويقدرون مكانة الصالحين والأولياء حتى بعد رحيلهم، لذا ليس غريبا أن يزور الأحياء الموتى بشكل عام وأضرحة الأولياء والصالحين على نحو خاص، لكن اللافت أن بعض المصريين تعاملوا مع الصالحين والأولياء والقديسين رغم رحيلهم منذ مئات السنين وكأنهم أحياء بيننا، فيبثون لهم شكواهم ويسألونهم التشفع لهم لقضاء حوائجهم، ومنهم من يرسل له الرسائل والخطابات لتعذره الحضور بنفسه إلى ضريح الولى الصالح أو القديس لسبب من الأسباب.
إن كثيرًا من العادات التى يمارسها المصريون حتى اليوم، هى عادات كان يمارسها أجدادهم منذ آلاف السنين، فالشكوى إلى الموتى وطلب قضاء الحاجات منهم، فضلا عن إرسال الرسائل إليهم كانت كلها أمور يمارسها أجدادنا القدماء، حيث إن الصلة بين ظاهرة النوم وظاهرة الموت ومفهوم القرين وعوامل وجود ظاهرة الموت ووجود آلهة للموت أو ملاك الموت، والتفكير فى الموت وعدم خشية الموتى والاعتقاد بوجود حياة بعد الموت، والاعتقاد فى وجود حياة فى القبر، وفى حساب الآخرة (حساب الضمير) وفى وزن الأعمال، وفى وجود الجنة وشجرة الحياة (شجرة الخلد)، وفى وجود حارس للجنة، وفى وجود النار (الهاوية).
استمر المصريون على مر الأجيال يؤمنون بكل هذه الأمور ويمارسون الحياة على وجه الأرض على هديها، وقد تصور الكثير فى بعض المجتمعات الأخرى صورا للروح متعددة مثلهم فى ذلك مثل المصريين القدماء، وكانت نظرتهم نحو الشهداء والمستشهدين هى نظرة المصريين، وقد قبل الفارسيون من أتباع «زارتشترا» فكرة «الصراط»، وهو عبارة عن قنطرة يعبرها الناس بعد موتهم. وتكون عريضة أمام الأبرار، وضيقة أمام الأشرار، ومن ثم لا يستطيعون العبور، ويهوون منها إلى الهاوية.

الدكتور سيد عويس رصد رسائل المصريين إلى أحد الأولياء وهو الإمام الشافعى فى كتابه الممتع (من ملامح المجتمع المصرى المعاصر: ظاهرة إرسال الرسائل إلى ضريح الإمام الشافعي) ولمن لا يعرف الإمام الشافعى على نحو دقيق، فهو أبوعبدالله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد بن يزيد بن هاشم بن عبد المطلب، ولد بغزة فى فلسطين، وفى رواية أخرى بعسقلان، وفى رواية ثالثة باليمن عام ١٥٠ هجرية. وفى ذلك قال الشافعى عن مولده: ولدت بغزة سنة خمسين ومائة، يوم وفاة أبى حنيفة، فقال الناس: مات إمام وولد إمام، وحملت إلى مكة وأنا ابن سنتين.
حفظ القرآن وهو طفل صغير فى مكة، ثم درس اللغة والأدب، وقال إسماعيل بن يحيي: سمعت الشافعى يقول: حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظت الموطأ وأنا ابن عشر سنين.
رحل الإمام الشافعى من مكة إلى بنى هذيل، ثم عاد إلى مكة ومنها رحل إلى المدينة ليلقى فيها الإمام مالك بن أنس، رضى الله عنه، وبعد وفاة الإمام مالك رحل إلى بغداد ثم عاد إلى مكة ثم رجع إلى بغداد ومنها خرج إلى مصر.
يقول ابن خلكان: وحديث رحلته إلى الإمام مالك مشهور، فلا حاجة إلى التطويل فيه، وقدم بغداد سنة ١٩٥ هجرية، فأقام فيها سنتين، ثم خرج إلى مكة، ثم عاد إلى بغداد سنة ١٩٨ هجرية فأقام شهرا، ثم خرج إلى مصر، وكان وصوله إليها فى سنة ١٩٩ هجرية وقيل ٢٠١ هجرية، ولم يزل بها إلى أن توفى يوم الجمعة آخر يوم من شهر رجب سنة ٢٠٤ هجرية.
نعود إلى كتاب الدكتور سيد عويس والذى رصد فيه أكثر من ١٦٠ رسالة أرسلها بعض الناس من محافظات عدة إلى ضريح الإمام الشافعى، يطلبون منه الشفاعة فى قضاء حوائجهم ورفع الظلم عنهم ورد حقوقهم، إذ يقول فى كتابه: «الكثير من الناس على اختلاف مكانتهم الاجتماعية، الذين يلجأون إلى الإمام الشافعى عن طريق زيارة ضريحه، وليس بالضرورة عن طريق إرسال الرسائل إليه. فهؤلاء يذهبون إليه زرافات ووحدانا يتحدثون إليه، ويناجونه، ويشكون إليه ويطلبون منه. ولن نعدم أن نجد بعضهم يكتبون قصاصات يرمونها فى «المقصورة» حاوية على أناتهم ووجائعهم ومطالبهم».
لم يكن الهدف من الكتاب هو جمع وعرض هذه الرسائل، ولكن تحليلها ودراستها، فهى تتضمن شكاوى، والشكاوى أنماط عدة، صنفها سيد عويس إلى خمسة أنواع، وتبين أن أكثر الأنواع التى أمكن تحديدها هو شكاوى الاعتداء على الأموال، وتليها شكاوى الاعتداء على الأشخاص، ثم الشكاوى فى نطاق الأسرة، ثم الشكاوى فى نطاق العمل. أما النوع الخامس فهو بعض الشكاوى الأخرى ونسبته نحو ثلث الشكاوى كلها، وهو يشتمل على شكاوى بسبب الاعتداء الذى لم يبن نوعه ونسبته من الشكاوى كلها تبلغ وحدها أكثر من الخمس. وكانت طلبات مرسلى الرسائل متعددة الأنواع، وتظهر ما فى نفوسهم من غل وحقد ومن مرارة ومن ضياع، وقد صنفها الدكتور سيد عويس إلى أربعة أنواع.
وتبين أن أكثر أنواعها هو طلبات الانتقام، وتليها طلبات الحكم العادل ورفع الظلم، وتلى ذلك الطلبات الشكلية، ثم يلى ذلك بعض الطلبات الأخرى (قراءة الفاتحة، والشفاء من المرض، والزواج...).
الكتاب يكشف ما للموتى من القديسين والأولياء، من سلطان على المصريين وحياتهم؛ حيث يقومون بإحياء موالدهم وزيارة أضرحتهم والصلاة والدعاء لهم، والتشفع بهم، والقسم بأسمائهم، والدعاء على الظالمين أمام عتباتهم، وكذلك توزيع الصدقات، والنذور لهم ليست المادية فقط، ولكن العينية أيضا؛ حيث نجد أن كثيرا من الناس ينذرون صوما أو صلاة أو دعاء للولى أو القديس.
والناس إذ يلجأون إلى أولياء الله؛ فإنهم يختارون عادة أبعدهم صيتا فى تحقيق الآمال أو فى تخفيف الآلام، وهم ينعتونه بأحسن الصفات ويخلعون عليه أرفع الألقاب، ويدللون على علو قدره بقولهم «إن سره باتع».
وقد يشتهر ولى دون غيره بمجال أو بتخصص معين، يصول فيه وحده ويجول. فنجد أن الشعرانى مثلا يتخصص فى المشاكل النفسية والعقلية، فهو قادر على إيجاد الحلول الشافية لكل منها. أما السيدة نفيسة فاختصاصها فى نطاق الأمراض التى تصيب العيون، ونجد المغاورى يشفى النساء من العقم.
أما الإمام الشافعى قاضى الشريعة العادل، فهو كما يعتقد مريدوه أن يفصل فى النزاعات ويحل الخلافات ويرفع الظلم والغبن عن المغبونين.
ومن الكتاب نختار بعض الرسائل التى أرسلها عدد من المصريين الذين تعاملوا مع الإمام الشافعى على أساس أنه ما زال حيا وباستطاعه أن يقضى الحاجات ويفصل فى نزاعاتهم ويقضى بالحق بينهم:


سارق الديوك الرومي
أرسل رجل من محافظة الفيوم رسالة إلى ضريح الإمام الشافعى، وكتب رسالته على ورقة متموغة، ولم يكتب فيها تاريخا، قال بعد ذكر البسملة والصلاة والسلام على سيدنا محمد:
«سيدى البطل الشهير أنا فى عرض الله وعرضك، وببركة الله وبركتك تبين لنا فى الذى سرق الديوك الرومى، وببركة الله وبركتك، وأن الله حاكم عادل بيننا وبينه يصرف فيه هو الله لا إله إلا هو الحى القيوم، وهو على كل شيء قدير، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، وحسبنا الله ونعم الوكيل على كل من سرق هذه الديوك، تبين لنا فيه. الله يا سيدى يا إمام يا شافعى. يا للى شرعت بين أمك وأبوك تبين لنا فى الذى أخذ هذه الديوك الرومى، ولا إذا كان الدعو كاذب تبين فى هذا الشخص الذى ادعى هذا الكذب يا إمام يا شافعي».
اختفاء تقاوى البرسيم 
أرسل رجل من عزبة «الشركة» التابعة للناصرية بمحافظة الفيوم، رسالة كتبها على ورقة عادية، بتاريخ ٢٣ سبتمبر سنة ١٩٥٦، قال فيها دون أن يذكر البسملة أو الصلاة والسلام على سيدنا محمد:
«سيدنا ومولانا الإمام الشافعى، رضى الله عنه. مقدمه العبد الفقير إلى الله تعالى المقيم بعزبة الشركة تبع ناحية الناصرية مركز ومديرية الفيوم، أعرض الآتي:
حيث إنه سرق من على سطح منزلى عدد ٣ ثلاث كيلات برسيم تقاوى، ولم أشعر بهم، سرقوا ليلا أو نهارا، وأنا غافل والله سبحانه وتعالى لم يغفل ولا ينام، وهو الذى يعلم حقيقة الأمر وما فيه، وحيث إنى رجل فقير الحال، وفاقد السمع، ومصلى وأعرف الله حق المعرفة، ولم أسع لضرر أى مخلوق كان، قدمت هذا لقدركم للتصرف برأى الله ورأيكم، والنظر فى أمرى بما يتراءى لسيادتكم، وأنا منتظر أمر الله وأمركم، حتى أرى بعينى من الفاعل، ومنتظر التصرف بفروغ الصبر، والله يفعل ما يريد».
جلسة للحكم فى ضياع ٩٠٠ قرش صاغ
قام رجل من «البتانون» مركز شبين الكوم بمحافظة المنوفية، بإرسال رسالة إلى ضريح الإمام الشافعى، كتبها على ورقة عادية، بتاريخ ٨ مايو سنة ١٩٥٨، جاء فيها بعد ذكر البسملة والحمد لله والصلاة والسلام على أشرف المرسلين: 
«صاحب الفضيلة سيدنا ومولانا قاضى شريعة الإسلام الإمام على التحقيق سيدنا محمد بن إدريس الشافعى رضى الله عنه وأرضاه، وجعل مسكنه الرفيق الأعلى بجواره سبحانه وتعالى آمين. يتشرف بعرض هذا لفضيلتكم العبد الفقير الذليل المقر بالعجز والتقصير المحسوب على الله، ثم على فضيلتكم فلان من البتانون مركز شبين الكوم منوفية.
أعرض الآتى ضد فلان بن فلانة من البتانون المذكورة، إن المذكور أعلاه اغتانى فى مبلغ ٩٠٠ تسعماية قرش صاغ، وطالته مرارا يماطل ولم يدفع وأبى عن الدفع... ولكونى رجل من حملة القرآن الشريف لم يكن لى جاه إلا الله، وسركم الذى عم الكون، بادرت بتقديم هذا الطلب والشكوى إلى فضيلتكم، وقد توسلت إلى الله سبحانه وتعالى بسركم الذى عم الكون، وأنتم أهل البصيرة والشكوى، لكم عين تنظرون فى قضيتى هذه، وتحكموا فيها بما يرضى الله ورسوله ويرضى فضيلتكم؛ حيث إنى ضعيف الحيلة والقوة، ويكون ذلك بأقرب جلسة والحكم بالنفاذ».
كتبت سيدة من الحميرات بمحافظة قنا، رسالة على ورقة عادية، ولم تذكر فيها تاريخا، موجهة خطابها إلى الإمام الشافعى، جاء فيها ما يلي:
«مقدمه لسيادتكم فلانة بنت فلان، بما أنى حرمة فقيرة الحال، ومسكينة وغلبانة، وتتفسر فى الذكرى كسر بيتى، وأخذ منى البهايم والبرسيم تتفسر فيه. وشاركه فى عمره وتخبله بأى داء فى جميع جسمه، أو تلقوه مكتول (مقتول) مرمى، وأنا ولية مسكينة وشاحتة منك ومن الله شكوتى وليك وللاه (ولله)..».
سيدة أخرى من طنطا محافظة الغربية، ذكرت اسمها وكتبت رسالتها على ورقة عادية بتاريخ ٢٢ نوفمبر سنة ١٩٥٦، قالت فيها دون ذكر البسملة والصلاة على النبى، موجهة خطابها إلى الإمام الشافعي:
«سيدنا الإمام الشافعى، بن أبى طالب، بن سيدة النساء السيدة فاطمة رضى الله عنها. وبعد ذلك نشكو لله ولك فلانة بنت فلانة، ونطلب منك أن تسأل الله سبحانه وتعالى أن ينتقم من فلانة وزوجة ابنها فلانة وبنتها فلانة أنهم دخلوا منزلى فى غيابى، وأخذوا الفرخة بتاعتى منى ظلما وعدوانا..».
ونجد رجلا آخر، تعذر التعرف على عنوانه، ذكر اسمه وكتب رسالته على ورقة عادية، ولم يذكر فيها تاريخا، قال بعد ذكر البسملة والصلاة والسلام على سيد المرسلين موجها خطابه إلى الإمام الشافعى قائلا:
«أقدم شكواى إليكم والله خير الحاكمين.. وبعد.

فلان ضد العدوين (الأعداء). 

فلانة وزوجها فلان وفلانة وفلان، ولم يرجعوا عنا واخدين قيراط ونصف أرض وقالوا أخدت منا ٦ ستة جنيهات.. وسمعت الست فلانة رئيسة الهلال، وكانت عاوزة توديهم الكراكون وهربوا على الصعيد..».
رجل آخر من قرية الجميزة مركز السنطة محافظة الغربية، ذكر اسمه، وكتب رسالته على ورقة عادية بتاريخ ١٠ يونيو ١٩٥٦، قال فيها بعد ذكر البسملة والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، موجها خطابه إلى الإمام الشافعي:
«مقدمه لسيادتكم فلان، وبما أنه كانت معى قطعة أرض زراعية، وكانت منذ سنين وهى معى، ولما كان فلان يحرث على مواشيه مثل الفلاحين، تعدى علىّ وذهب إلى ناظر الجمعية ونقلها باسمه بواسطة خفير الزراعة، لأنه ابن عمه واسمه فلان، ونقلوا القطعة ٩ قراريط، وهو راجل مفترى بعائلة كبيرة، وأنا رجل وحدانى وفقير، ولم أقدر أن أقف قصاده، وأنا متكل على الله واطلب من الله ومن سيدى الإمام الشافعى..».