الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عن «الدولة» الملتبسة في مفهومها وأدوارها؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هل يمكن أن نصف الكيانات القائمة لدينا والملتبسة فى واقعنا العربى المأزوم على أنها (دول) ناجزة ومكتملة؟!
وهل يمكن أن نطلق على ما لدينا من كيانات قائمة مصطلح (الدولة) وأن نسبغها بذلك النعت؟! 
الرئيس السيسي وبعد توليه المسئولية واقترابه بشدة من الملفات العالقة والمشكلات المتراكمة والمستعصية، لفت نظره إلى أننا لم ننجح طوال سنين مضت فى استكمال بناء واختراع تلك الدولة، حيث أكد يومها أننا لا نزال مجرد (شبه دولة) وهو موضوعى طبعًا ودقيق فى وصفه وعلى حق كامل فيما نبه وأشار إليه. 
ولقد عرف العالم مصطلح الدولة القومية فى القرن السابع عشر بعد نهاية حرب الثلاثين ١٦٤٨/١٦١٨ وتحديدًا بعد صلح (ويستفاليا) الشهير، وهى دولة كل مواطنيها بغض النظر عن الدين أو الطائفة أو العرق أو الجنس أو... 
ونشأت البرلمانات (السلطة التشريعية) 
وأنيط بها سلطة إصدار القوانين ورقابة السلطة التنفيذية، وكتبت الدساتير وتم الفصل بين السلطتين المدنية والدينية بعد انتشار رسالة الفيلسوف الإنجليزى الشهير جون لوك وشيوعها ١٦٦٩ م ومن قبلها كتابات توماس هوبز عن العقد الاجتماعى ١٦٥٠م. 
وتحددت سلطات ثلاثة حصرية للدولة ووضع الفرنسى عام ١٧٤٨ مونتيسكيو أهم كتبه «روح القوانين» حيث تبلورت مبادئ الفصل بين السلطات الثلاثة. 
وتحددت طبيعة «الدولة» وأصبحت الدولة تعرف بأنها (أداة الأم) فى تحقيق مصالحها، وأنها أداة المجتمع لضبط اجتماعه، وإنفاذ قوانينه التي تراضى عليها المجتمعون فيه فى منطقة جغرافية ما لها حدود معروفة ومحددة. 
وتحدد تاليًا دور الدولة ومجالها الحيوي وأين يبدأ وأين ينتهي، حيث امتلكت الدولة أن تحاسب مواطنيها والمقيمين فيها على (الجريمة) التى تقع فى (حق الغير)، بينما لا يمتد مجالها لحسابهم على (الخطيئة) التى تقع فى (حق الله) فهذا دور حصرى لله حيث قد تتبع الخطيئة توبة خالصة وقد يقبلها الله. 
وبدأت قوانين العقوبات تفرق بين الاغتصاب مثلًا والذي هو (جريمة) فى حق مواطن آخر، وبين ممارسة الفاحشة المحرمة بالاتفاق بين الراشدين والذي هو (خطيئة) فى حق الله. 
حيث مُنعت الدول من أن تكون هى الله، وأصبحت الدول تصنف ذلك التصنيف الشهير (مدني / ودينية) على أساس قانون العقوبات لديها مثلا، فإذا كانت الدوله تحاسب على «الجريمة» و«الخطيئة» معًا صارت دولة دينية بامتياز، وسرقت دور الله وأصبحت تحاسب المواطن على خطايا قد يتوب عنها وقد يتوب الله عليه يوم القيامة ويعفيه من العقاب!! 
وبدأت قوانين العقوبات تفرق بين الجريمة والخطيئة وترك ما لقيصر لقيصر... وما لله لله، حيث اقتصر مجال سلطة الدولة فى العقاب على «الجريمة» حصرًا. 
رفض الفكر السياسى أن تكون (الدولة) هى (الله) أو أن تحل الدولة محل الله وأن تعاقب الدولة الناس على (الخطايا) فى حق الله. 
وتحددت الإحداثيات العقابية لسلطة الدولة ومجالها الحيوي وحدوده، كما تحددت حدود سلطتها فى التشريع أيضا فترك لبرلماناتها حق (تنظيم الحلال) وهو لا نهائي، فبناء عمارة أو ركوب سيارة أو.. حلال ولطالما أنه حلال حق للبرلمان سن القوانين لتنظيمه وفقا لمصلحة المجتمع العليا وظروفه. 
بينما منع البرلمان من تشريع قوانين تخص المحرمات الدينية فهي معروفة وأزلية ومحددة ولا يملك تحديدها غير الله، ومتروك للناس حرية الاختيار وحرية الالتزام بها أو عدمه تمهيدًا لحسابهم الحساب الإلهي وليس الحساب الدولوي. 
فإذا كان الله حرم عقوق الوالدين وحرم الفواحش فلا يجوز للقانون أن يحرم المحرم وأن يترك للناس كامل الإرادة فى الاختيار وأن يبروا آباءهم أو لا يبروا وألا يقربوا الفواحش أو يقربوها وأن يجتنبوا الخمر أو يمروا به وحسابهم على خالقهم فليس هذا دور الدولة، ناهيك عن أن الدولة أصلا ليس لها مرجعية دينية أو طائفية أو مذهبية محددة إسلامية أو مسيحية أو يهودية فالمرجعية للدستور الذي ستتوافق على مبادئه الأمة. 
وفى ديارنا فقد عرفنا مصطلح الدولة الوطنية الحديثة القومية الدستورية حديثا فعندما قرر محمد على أن ينشئ جيشًا لأول مرة وحاول استدخال المصريين إلى الجهادية (١٨٢٢ ) كان الأمر شبه مستحيل. 
وعندما دخل محمد على فى حروب الشام الأولى ١٨٣٣/١٨٣١ مع السلطان العثماني خليفة المسلمين اختلط الأمر على جنودنا المسلمين الذين طلب منهم أن يحاربوا خليفة المسلمين!!
كان الجنود يقولون إنهم جنود الباشا ولم يدركوا أنهم جيش مصر وهو ما صعب على محمد على مهمة بناء الجيش فى البداية فلم يكن معنى لوطن قد نشأ وتبلور وأنه يجب حمايته والذود عنه. 
ولا يزال مفهوم الدولة وطبيعتها لدينا ملتبسًا ولا يزال مصطلح (الدولة) لدينا ضبابيًا وفوضويًا وهلاميًا وغير محدد الطبيعة والفضاء والملامح ومرتبك الدور وغير محدد الأطر أو الحدود الإبستمولوجية وخصوصا بعد انتهاء المرحلة الاستعمارية التى وجدنا فيها أنفسنا فجأة أمام مهمة يجب إنجازها وهى أن نبنى «دولة» وأن ننشئ سلطاتها الثلاثة ومؤسساتها المدنية وقبل كل ذلك أن نكتب عقدها الاجتماعي (دستورها). 
وقد تقوم الدولة. فى ديارنا بأدوار ليست لها نهائيًا كملاحقة المفطرين مثلا فى شهر رمضان أو ملاحقة الراغبين فى ممارسة الفواحش من الراشدين (بالاتفاق) ويتم ذلك على حساب دافع الضرائب الذي يدفع في انتظار الخدمات!!
أو تقوم الدولة بعمل إذاعة للقرآن الكريم من موازنة الدولة الجامعة التي يشارك فيها غير المسلمين وهذا عجيب أيضا!! 
أو تقوم الدولة ببناء دور عبادة على حساب الموازنة العامة وقد تتخلى الدولة أيضا فى المقابل عن أدوار حصرية لها وتنسحب منها تمامًا تاركة فراغات عديدة يستغلها غالبًا الجهاديون من تنظيم الإخوان الإرهابى كى يقدموا للناس أنفسهم كدولة بديلة لدولة منسحبة من أدوارها الأساسية كالصحة أو التعليم أو البطالة أو الخدمات أو رعاية الأرامل والأيتام والمسنين والعجزة.
■ دولة تعنى مواطنا، ومواطن تعني مساواة. دولة تعنى دافع ضرائب، والضرائب فى مقابلها خدمات. 
■ دولة تعنى ميزانية من الجميع تعود على الجميع وتصرف على الجميع. 
■ دولة تعنى مواطنة ومساواة ودستورا متوافقا عليه هو المرجعية عند الاختلاف. 
■ دولة تعنى مساواة فى قانون العقوبات على الجميع. 
■ دولة تعنى مواطنا وليس امرأة ورجلا وليس مسيحيا ومسلما. 
■ عندما يتعافى مفهوم الدولة الملتبس لدينا ويضبط معناها ومفهومها سنعرف وقتها أدوارها وسنكف عن ترك أدوارها الأساسية وسنكف أيضا عن الاستغراق فى أدوار ليست لها من الأساس.