الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حتمية مواجهة الفساد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أحد تعريفات الفساد تتبلور فى أعمال غير شرعية وغير نزيهة يقوم بها الأشخاص الذين يشغلون مناصب فى السلطة مثل المديرين والمسئولين الحكوميين بمختلف درجاتهم وغيرهم، وذلك لتحقيق مكاسب خاصة، ومن الأمثلة على ظواهر الفساد إعطاء وقبول الرشوة والهدايا غير الملائمة والمعاملات السياسية غير القانونية والغش أو الخداع أو التلاعب فى النتائج والاحتيال وغسيل الأموال وغير ذلك كثير، ولذا فالفساد ومكافحته قضية رئيسية بالنسبة لجميع دول العالم سواء كانت متقدمة أو نامية، فقد اهتمت دول كثيرة بنصوص دستورية لمكافحة الفساد مثلما جاء فى المادة 118 من الدستور المصرى التى تقول: «تلتزم الدولة بمكافحة الفساد ويحدد القانون الهيئات والأجهزة الرقابية المختصة بذلك وتلتزم الهيئات والأجهزة الرقابية المختصة بالتنسيق فيما بينها فى مكافحة الفساد وتعزيز قيم النزاهة والشفافية ضمانًا لحسن أداء الوطنية العامة والحفاظ على المال العام ووضع ومتابعة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد والمشاركة مع غيرها من الهيئات والأجهزة المعنية وذلك على النحو الذى ينظمه القانون. «هنا نجد أن الفساد والحديث عنه دائما ما يتلخص فى الفساد الإدارى الممثل فى الوظائف العامة والمال العام وتقديم الخدمات للجماهير، وهو الفساد المنتشر انتشار النار فى الهشيم والذى أصبح لعوامل وظروف كثيرة ومتعددة أقرب إلى العادى والطبيعى الذى اعتاد عليه الناس، وهنا الخطر كل الخطر حين يصبح الفساد وغير المشروع وكأنه مشروع. 
لا شك أن الفساد وحتى الإدارى منه جاء نتيجة لتراكمات من الممارسات والسلوك المرتبط بالظروف الاقتصادية وبالظرف الاجتماعى إلى جانب الاستهانة بالقانون والحصول على المصالح الذاتية على حساب المصلحة العامة هذا مع غياب لمجموعة القيم الدينية والإنسانية والقيمية الحاكمة والموروثة، ففى ستينيات القرن الماضى كانت الرشوة أيًا كانت قيمتها تمثل عارًا اجتماعيًا يصيب الفرد وأسرته لوقت طويل حتى أننا سمعنا الرئيس عبدالناصر يتحدث فى خطبه عن عسكرى المرور الذى يرتشى بخمسة قروش،الآن نجد مسئولين كبارا وقادرين ماديًا يتعاملون مع الرشوة كأنها قانون وغيرها ضد القانون، ولذا لا يجب أن نناقش الفساد الإدارى بعيدًا عن المناخ والسلوك الاجتماعى الذى اجتاح وسيطر على المشهد العام، فهناك فساد إداري، نعم، وهو الذى يواجه بشدة وبطريقة غير مسبوقة من القيادة شخصيًا وممثلة فى الأجهزة الرقابية وعلى رأسها الرقابة الإدارية، ولكن هناك فسادا اجتماعيا وأخلاقيا نراه الآن منتشرا بصورة غير مسبوقة أيضًا وتمثل فى حوادث يندى لها الجبين حيث تعدت كل القيم الإنسانية مثل اعتداء أب على ابنته وأخ على أخته..إلخ فهذه أمثلة من الفساد الاجتماعى والأخلاقى ناهيك عن تدهور العلاقات والتعاملات بين البشر غريبًا وقريبًا وانتشار تلك الألفاظ واللغة الهابطة التى لا تتوافق مع العادات والتقاليد المصرية والمعبرة عن الهوية المصرية فهذا أيضا فساد، وهناك فساد دينى وهو استغلال الدين بقيمه ومقاصده العليا لصالح مصلحة ذاتية أو اجتماعية أو حزبية أو تنظيمية مما يجعل هناك فكرًا دينيًا خاطئًا منتشرًا ومسيطرًا يفرز متطرفين وإرهابيين يمثلون خطورة على الوطن. وهذا فساد. 
وهناك فساد اقتصادى فعندما يسيطر الرأسمال غير المشروع على الأسواق ويتحكم فى السوق والأسعار بلا ضابط أو رابط ناشرًا الفساد بأمواله الملوثة وفى كل الاتجاهات مستغلًا الحاجة والظروف فهذا فساد، كما نعانى من فساد الأذواق والأحاسيس وإسقاط قيم الجمال والتذوق السليم بنشر وانتشار ذلك الفن الهابط من سينما ومسرح وموسيقى وأغان وكلمات لا علاقة لها بالفن الرفيع والثقافة العالية التى تُربى الوجدان وترقق القلوب وتنشر الحب والمحبة، وهذا أيضًا فساد. وهناك فساد فى التعليم الذى يمثل البوتقة المصرية التى تنصهر فيها الشخصية الوطنية المصرية التى تحافظ على الوطن وتنتمى إليه، فنجد فى التعليم فساد الدروس الخصوصية التى تلتهم الأموال التى يحتاجها الآباء والأسر لسد الرمق وليس للدروس التى فرغت المدارس من طلابها وأوقفت دورها فى التربية والتنشئة وإعداد الشخصية المصرية التى سيُعتمد عليها فى المستقبل.
الفساد أنواع وكلها تتمثل وتتماثل فى درجة الخطورة على الوطن فانتشار الفساد بهذه الصورة يكرس إسقاط القانون وتغييب العدالة التى تساوى بين المستحقيين بعيدًا عن الرشوة والمحسوبية والواسطة، حيث إن غياب العدالة يولد الاغتراب عن الوطن فيُسقط الانتماء إليه فندخل فى الدائرة المغلقة التى تجعل الفرد لا يعنيه إلا مصلحته التى تبرر له كل شىء غير مشروع قبل المشروع وهذا فى حد ذاته تهديد لسلامة الوطن وأمنه العام،حيث إن الفساد ما زال يمثل أهم الأدوات والأساليب المخابراتية لإسقاط الدول فى العالم كله، هنا ومع أهمية تطبيق القانون على الجميع بلا استثناء ومع دور الأجهزة الرقابية الملموس لا ولن نقضى على الفساد بسهولة فالفساد ومحاربته طريق طويل وشاق ويحتاج إلى مساندة الجميع بقناعة ذاتية أولها الاقتناع بعدم تجاوز القانون عن طريق الرشوة لتخليص مصلحة ذاتية؛ ففاقد الشىء لا يعطيه، فالراشى لا يقل سوءًا عن المرتشى بل يزيد لأنه يصر على تلويث المناخ لمصلحة ذاتية. وهناك دور المؤسسات الدينية العملى بعيدًا عن الاكتفاء بالوعظ فقط، ودور للتعليم الذى يمثل الدور الأهم فى إطار تكوين شخصية سوية تلتزم بالقيم والأخلاق والقانون، ودور للإعلام والفن الذى يربى الذوق ويهذب الأحاسيس حتى تتسامى الأخلاق؛ ولذلك فعل بحق السيسى فى مؤتمر الشباب السابع حين تحدث عن النظافة وتأثيرها فى تربية وتكوين الشخصية المصرية. 
حمى الله مصر وشعبها من آفة الفساد.