الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

"العدالة والتنمية" يواصل السقوط.. الانتخابات البلدية تكشف عورات أردوغان.. والمعارضة تواصل الضغط لتقليص صلاحياته

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تواجه تركيا العديد من الأزمات التى طالت الكثير من القطاعات السياسية والاقتصادية والعسكرية، إلا أنه مؤخرًا شهد حزب العدالة والتنمية الحاكم العديد من الأزمات التى باتت تشكل عقبة كبيرة أمام مسار حركته الداخلية والخارجية، خاصة بعدما أعلن العديد من الرموز السياسية الكبيرة فى الحزب الانشقاق عنه وإنشاء حزب سياسى جديد، وأعلن عن ذلك وزير الخارجية السابق أحمد داوود أوغلو، وعلى باباجان نائب رئيس الوزراء السابق، ووزير الاقتصاد الأسبق، وعبدالله جول الرئيس الحادى عشر للجمهورية التركية.
فبعدما كان الحزب الحاكم متماسكًا إلا أنه يشهد فى الفترة الحالية حالة من الانقسامات التى سوف تنعكس بصورة كبيرة، وذلك بعدما تم الإعلان بأن هذه الانشقاقات جاءت على خلفية الخلاف العميق حول مبادئ العدالة والتنمية التركى بين الانشقاقات الداخلية ومستقبل التواجد بأن الحزب استغل السلطة فى تحقيق المصالح الشخصية، فيما أعلن جول بأن قرار الاستقالة جاء على خلفية تفرد الرئيس التركى الحالى رجب طيب أردوغان بالقرارات الداخلية والخارجية للحزب، وبالتالى فإن هذه الانشقاقات ستؤثر بصورة كبيرة على مسار حركة الحزب الحالية والمستقبلية، وبالتالى تمثل هذه الأحداث نمطًا للصراع بين نهج الفردانية المتجسدة برئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، وبين الآخرين كل الآخرين داخل الحزب وداخل الحالة المؤيدة للحزب وداخل الفئات المعارضة للحزب على المستوى الداخلي.


مؤشرات التراجع

هناك العديد من المؤشرات التى ظهرت بصورة واضحة فى العديد من المتغيرات الداخلية والخارجية والتى انعكست بصورة كبيرة على الحزب ولعل أبرز تلك المؤشرات:
نتائج الانتخابات البلدية: أظهرت الانتخابات البلدية المنعقدة مؤخرًا فى ٢٣ يونيو ٢٠١٩، تراجعًا ملموسًا فى شعبية العدالة والتنمية، بعدما فازت المعارضة بقيادة حزب الشعب الجمهورى وتحالف الأمة بالعديد من المدن الكبرى مثل أنقرة وأزمير وإسطنبول كبريات المدن التركية والتى تستحوذ على أهمية سياسية واقتصادية كبيرة، والتى تؤشر على تراجع أهمية الحزب فى العديد من المناطق الجغرافية الهامة داخل تركيا وخاصة المدن الكبرى.
٢) الضغوط الاقتصادية: تعانى تركيا من العديد من الأزمات الاقتصادية التى تؤثر بصورة سلبية على شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم، خاصة فى ظل ارتفاع معدلات التضخم، وزيادة معدلات البطالة، وتراجع الاحتياطى النقدى من العملة الصعبة فى ظل العقوبات الاقتصادية المحتملة عليها من جانب الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي.
٣) الانقسامات الداخلية: يعانى حزب العدالة والتنمية حالة من الانقسامات والتشرذم الداخلي، خاصة من جانب العديد من الرموز السياسية مثل أحمد داوود أوغلو، وعبدالله جول، وعلى باباجان، وانعكاساتها على مستقبل الحزب فيما يتعلق بتماسكه الداخلى أو فيما يتعلق بمسار علاقاته مع المعارضة، أو فى مساره الخارجي، الأمر الذى ظهر بصورة كبيرة مع نتائج ومؤشرات كل الاستحقاقات الانتخابية التى أجريت بعد يونيو ٢٠١٦، وحادثة الانقلاب الفاشل.
٤) مشكلة اللاجئين: ظهرت مشكلة اللاجئين بعدما تزايدت الضغوط الشعبية التركية تجاه سياسة العدالة والتنمية الذى حاول توظيف موجات التدفق العالية من جانب اللاجئين فى ممارسة دور خارجى فاعل فى الأزمة السورية بالمشاركة فى عمليات التسوية السياسية المستقبلية والمتعلقة فى المقام الأول بالمكون الكردى ومواجهته عسكريًا، أو من خلال استغلال اللاجئين للحصول على التمويلات الأوروبية الخاصة بصناديق الدعم الموجهة لهم، وفى هذا الإطار شهدت تركيا حالة من الاضطرابات الداخلية فيما يتعلق بوضعية اللاجئين الداخلية بفعل الضغوط الاقتصادية التى تشهدها تركيا، ومع تزايد الضغوط الداخلية تم ترحيل العديد من اللاجئين السوريين إلى إدلب وبعض المدن السورية.
٥) ضغوط المعارضة: يحاول حزب العدالة والتنمية الاستجابة للضغوط الشعبية والمعارضة له فيما يتعلق بالانتقادات السياسية المتعلقة باعتقال المعارضين أو فساد بعض رموز الحزب والتى وصلت إلى اتهام بلال ابن الرئيس التركى أردوغان بالتورط فى قضايا فساد، ويحاول الحزب ضمن سلسلة من القرارات، إعادة التماسك إلى صفوفه، والاستجابة لمطالب جزء كبير من قواعده وناخبيه المستاءة من سياسة الحكومة فى إدارة العديد من الملفات، وتوجيه رسالة إلى هذه المجموعات بأنه قد استجاب لغضبها، وأدرك أهمية الاستماع لمطالبها بشكل أفضل خاصة ملف اللاجئين السوريين. وتمثل هذه القرارات من وجهة نظر المعارضة انتصارًا إضافيًّا لهم، بعد انتصارهم فى عدد من كبرى المدن التركية، وخاصة اسطنبول وأنقرة وإزمير، وتأكيدًا على صواب رؤيتهم بخصوص مسار حركة العدالة والتنمية، ويمكن أن تكون نتائج الانتخابات المحلية بمثابة نقطة الرجوع عن السياسات الأخيرة التى تبناها حزب العدالة والتنمية لتحقيق أجندته الخاصة دون الاعتيار لباقى التوجهات السياسية التركية، كما أنها على الجانب الآخر يمكن أن تكون نقطة تحول بالنسبة للقوى المعارضة التى حاولت البناء على ما تم فى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الماضية، فى مواجهة حزب العدالة والتنمية ومشروعه السياسي، بالإضافة لذلك فإن الأمر سينعكس على معايير المسألة الخاصة ببعض الأشخاص المنتمين إلى حزب أردوغان أو عائلته فيما يتعلق بقضايا الفساد التى طرحها أوغلو فى برنامجه الانتخابى المتعلق بمواجهة مثل هذه التجاوزات، ويمكن القول فى النهاية بأن خسارة بلدة إسطنبول قد تكون اللبنة الأولى لبداية تحول جذرية فى المشهد السياسى الداخلى والخارجى برمته، خاصة مع تصاعد الضغوط الاقتصادية من على تركيا فى ظل حكومة أردوغان من جانب الاتحاد الأوروبى على خلفية أزمة الغاز الأخيرة فى شرق المتوسط.
٦) مزاحمة أردوغان: شهدت الانتخابات البلدية التى عُقدت فى إسطنبول فى ٢٣ يونيو ٢٠١٩، فوز مرشح حزب الشعب الجمهورى أكرم إمام أوغلو، والذى استطاع الوصول للشارع بشكل فشلت فيه أى شخصية معارضة أخرى، وهو ما يستوجب من الحزب العمل على معالجة الملفات الإشكالية التى يمكن أن يستغلها أوغلو سياسيًا، خاصة وأن بلدية إسطنبول تمثل من الأهمية السياسية والاقتصادية ما يمكن أن يؤثر على حزب العدالة والتنمية، وكذلك لشخص أردوغان ذاته، الذى بدأ مساره السياسى كحاكم للبلدية عام ١٩٩٤، إلى أن وصل إلى رئاسة الجمهورية، وبالتالى فظهور شخصية كاريزمية مثل أكرم إمام أوغلو ستؤثر على مساحة التأثير التى يتمتع بها الرئيس التركى الحالى أردوغان.
٧) التوترات الأمريكية: كان للضغوط الأمريكية الأثر السلبى على مسار الأوضاع الداخلية والخارجية التركية والتى انعكست على الحزب فى إجمالها، خاصة فى الجوانب الاقتصادية على خلفية صفقة الصواريخ الروسية s-٤٠٠، وفرض عقوبات أمريكية على بعض القطاعات الاقتصادية التسليحية والدفاعية التركية.
٨) التوترات الأوروبية: أعلنت الدول الأوروبية فرض العقوبات الاقتصادية على تركيا على خلفية نشاطها التهديدى فى منطقة شرق المتوسط، خاصة تلك التى تتعرض لها أنقرة من جانب الاتحاد الأوروبى والتى وصلت حد التهديد بفرض العقوبات الاقتصادية على خلفية سلوكها التصعيدى تجاه اليونان وقبرص على الغاز فى منطقة شرق المتوسط، وتكمن أهميتها كونها تأتى فى ظل الضغوط الاقتصادية التى تشهدها تركيا بالأساس، ومن ثم تتزايد نتائجها فى التأثير على الداخل التركى ووضع حزب العدالة والتنمية فى وضعية سلبية.



مستقبل العدالة والتنمية

على الرغم من النجاحات المتتابعة التى حققها حزب العدالة والتنمية التركى منذ عام ٢٠٠٢، إلا أن الأزمات الأخيرة التى تعرضت لها تركيا من تراجع فى الشعبية، وصعود نجم المعارضة التركية والانقسامات الداخلية التى يشهدها الحزب ألقت الضوء من جديد حول مسار الحزب بل ومسار مستقبل الإسلام السياسي، وجدلية الصعود الإسلامى الجديد فى تركيا، فثمة دينامية خاصة نتجت عن حالة تغيير النظام عقب تأسيس الجمهورية التركية، مرورًا بسياسات الحزب نحو تغيير النظام السياسى من برلمانى إلى نظام رئاسي، وتأميم الحياة السياسية التركية، ووفق هذه السياسات هناك العديد من السيناريوهات المحتملة والتى يمكن أن تفرزها الفترة المقبلة من خلال العديد من المؤشرات التى تتنامى تداعياتها على مستقبل الحزب وتواجده، على النحو التالي:

استمرار السيطرة والهيمنة

يمثل هذا السيناريو امتدادًا لسيطرة حزب العدالة والتنمية الإسلامى على مفاصل الدولة وتوجهاتها الداخلية والخارجية، خاصة بعد العديد من السياسات التى كانت وما زالت تؤسس لمثل هذه السيطرة، وفى هذا الشأن، يذكر أن بعد ما سُمى بمحاولة الانقلاب الفاشل فى ١٥ يوليو ٢٠١٦، والتى تبعها العديد من السياسات التعسفية والاعتقال الممنهج للمعارضين وانتهاك حقوق الإنسان، وتأميم المجال العام بما يعزز فرص توغلهم.

تراجع تدريجى أو جذري

وفق العديد من المؤشرات الداخلية والخارجية التى تؤثر بصورة سلبية على مسار حركة الحزب، وخاصة ارتفاع معدلات الضغوط الاقتصادية وفوز المعارضة التركية فى الانتخابات البلدية المنعقدة فى ٢٣ يونيو ٢٠١٩، والانقسامات التى يشهدها الحزب خاصة من جانب العديد من الرموز السياسية، التى تشكل مرحلة فاصلة فى تداعياتها على مستقبل حزب العدالة والتنمية الحاكم بصورة خاصة والحياة السياسية التركية الداخلية والخارجية بصورة عامة، الأمر الذى يلقى الضوء من جديد على خريطة الأوضاع المستقبلية، فى اتجاه تحقيق مزيد من النجاحات الميدانية للأحزاب المعارضة فى مواجهة حزب العدالة والتنمية الحاكم، والذى بدوره سينعكس على حركة ومسار الحزب داخليًا وخارجيًا إلى حد قبوله بنتائج هذه المرحلة وما ستفرضه الوقائع السياسية الجديدة، والتى ستنعكس بصورة كبيرة نحو القبول المشروط أو التغير الجذرى فى سياسات العدالة والتنمية.

تحالف حذر

من المحتمل فى ظل المعطيات الجديدة تحقيق تعاون حذر بين حزب العدالة والتنمية الحاكم، وبين الأحزاب المعارضة وخاصة حزب الشعب الجمهورى فيما يتعلق بالتنسيق المشترك تجاه الملفات الخلافية مثل تراجع مستوى الحريات، ومؤشرات الديموقراطية، وتأميم المجال العام، خاصة بعد السياسات المتبعة من جانب الحزب التى أظهرت نيته الحقيقة تجاه تركيا وفق مشروعه السياسى والاقتصادي، وعدم اعتماد مقاربات سياسية وعسكرية راديكالية من جانب الحزب الحاكم فى التعامل مع النشاطات الحزبية، وفتح المجال العام أمام حركة التفاعلات الداخلية، مما يفرض سياقات جديدة يعيد من خلالها حزب العدالة والتنمية رؤيته للمشهد السياسى الداخلى والخارجي.

تقدم المعارضة

وفق ذلك الافتراض فمن الممكن أن تقوم المعارضة بالتحالف ضد أردوغان وحليفه الحركة القومية، خاصة بعد وجود العديد من المؤشرات التى أعقبت الانقلاب الفاشل فى ١٥ يوليو ٢٠١٦، بداية من الاستفتاء فى ١٧ أبريل ٢٠١٧، والذى شهد تراجع نسبة التأييد لأردوغان. والتى مررت التعديلات بفارق ضئيل جدًا فى نسبة التصويت، حيث بلغت نسبة المؤيدين للتعديلات الدستورية (٥١.٤٪)، وبين المصوتين ضد التعديل فى الاستفتاء (٤٨.٦٪)، ولعل الفارق الضئيل بين الأصوات المعارضة والمؤيدة للتعديلات الدستورية كشف النقاب عن تراجع مكانة حزب العدالة والتنمية، بالإضافة لذلك خسارته لأهم معقلين تصويتيين هما إسطنبول وأنقرة واللتان كانتا يصوتان لصالح الحزب من قبل، كما جاء فى الانتخابات البلدية الأخيرة.