الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مُصابنا في وعينا!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عاشت حياة سعيدة مع رجلٍ أحبته وأنجبت منه ثلاثة أبناء، وكانوا يعيشون فى حب وهناء ورخاء، وبين عشية وضحاها انقلبت حياتهم رأسا على عقب، فقد اقتحم منزلهم السعيد رجال مسلحون، واختطفوهم واقتادوهم إلى حيث لا يعلمون، اقتادوا رب الأسرة فى ذل ومهانة أمام أبنائه إلى مكان مجهول، ثم وضعوا الأم وأبناءها فى عربة كبيرة مع نساء وأطفال آخرين، لينتقلوا إلى أماكن مخصصة للنساء والأطفال المقرر بيعهم فى سوق النخاسة!!. ليفاجأوا بأنهم أصبحوا عبيدا على قوائم الانتظار!!
 تباع الأم وأبناؤها لأحد الرجال، الذى يستغلها ويعاشرها رغما عنها، وبعد شهور يقرر بيعها لآخر، ولكن يتراجع بعد علمه بحملها منه، تنجب الأم بعد شهور فى ظروف شديدة البؤس، بمساعدة أبنائها الذين لم تجد سواهم لمساعدتها فى إنجاب شقيقهم غير الشرعى، ويأتى إلى الحياة طفلا رضيعا تسميه آدم، ويقتل أبوه بعدها بشهور فى إحدى المعارك الدموية التى يشارك فيها، وبعد سنوات من العذاب عاشتها الأسرة التى فرقتها تلك المأساة، والتى عاشها الأب والأم والأبناء كل فى ناحية، تمر الأيام ويستطيع الأب تحرير أبنائه واحدا تلو الآخر مقابل آلاف الدولارات، وبعدها بعامين تنضم إليهم الأم وابنها الرضيع، ولكن بسبب عقيدتهم وشرائع دينهم التى لا تعترف بهذا الرضيع، وتمنع الزواج ممن لا ينتمون لنفس العقيدة والطائفة، تُجبر الأم على التخلى عن رضيعها، حتى يسمح لها بالبقاء مع باقى أبنائها، ووسط صراخ الرضيع وهو ينتزع من أمه، ودموعها وبكائها المتصل وهى تترك فلذة كبدها جبرا وقهرا، تترك الابن الرضيع الذى فقد أباه وحرم من أمه وأشقائه دون ذنب اقترفه، وتُسلمه لإحدى دور الرعاية رغما عنها وعنه!! تظل الأم فى انهيار تام وهى تفكر فى رضيعها الذى ولد من بين أحشائها، والذى لا تحتمل فراقه، فيخيرها الزوج بين عودة الطفل إلى حضنها وبين أبنائها الثلاث وبقائها فى الأسرة، ووسط الصراع العنيف بين قلبها وعقلها وأبنائها جميعا، تقرر الأم استعادة الابن الرضيع الذى ليس له ملاذ فى الدنيا غيرها، وتترك أبناءها الثلاث الذين قد اشتد عودهم عن ذلك الرضيع.. تختار الأم بين أمرين كليهما أمر من الآخر، وتودع أبناءها وهى فى أشد الألم والحسرة والبكاء، عسى أن يعوضهم الأب عن حضنها المفقود، أو تعود إليهم يوما ما!! تصطحب دموعها وآلامها إلى دار الرعاية حتى تضم رضيعها إلى قلبها ليهدأ وتهدأ، فتفاجأ بأن الابن قد فارق البلدة مع أسرة بديلة تبنته.. تنهار الأم تماما وتُحتجز فى أحد المستشفيات عدة شهور، وبعد أن تقف على رجليها مجددا تذهب إلى أسرتها، فيمنعها الزوج من العودة، وتحرم من أبنائها الثلاث أيضا، ويظل قلبها يتمزق دون ذنب أو جريرة!!
هذه القصة ليست من وحى الخيال، وليست فيلما سينمائيا تراجيديا، أو قصة من الحقب المظلمة فى التاريخ، لكنها قصة امرأة عربية تعيش فى زماننا هذا، وغيرها من النساء والأطفال من مختلف الأعمار، والذين لديهم مئات القصص الأخرى التى لا تقل بؤسا عن هذه المأساة.. فقد قدر الله أن نعيش زمانا نرى فيه بأعيننا أصعب مما شاهدناه فى الأفلام والمسلسلات.. هكذا حدث وما زال يحدث فى بعض البقاع العربية التى لا تبتعد كثيرا عن مصر، والتى كانت حتى سنوات قريبة ملاذا للكثيرين ممن يضيق بهم الحال والرزق، فتحولت إلى خراب ودمار وتشريد.. فالقصة التى سردت بعضا من بؤسها حدثت فى إحدى المناطق العراقية، وهى منطقة «سنجار» التى يعيش فيها الكثير ممن ينتمون للأقلية العرقية «الإيزيدية» حيث اجتاحتهم المجموعات المسلحة لجماعة داعش الإرهابية، فى الثالث من أغسطس عام 2014، وارتكبوا ضدهم جرائم إبادة جماعية، ومجازر راح ضحيتها الآلاف، إلى جانب الضحايا من النساء والأطفال الذين اختطفوهم وأخذوهم سبايا، وتاجروا فيهم واستغلوهم أبشع استغلال!! ونتج عن ذلك مئات القصص التى لا تصدق، والتى كان ضحيتها دائما النساء والأطفال.. هكذا ضاعت المنطقة العربية بفعل الجهل وغياب الوعى، والانسياق وراء الدعوات الهدامة التى كان ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، فسقط العراق دون أن تستفيق الشعوب العربية، والتى ثارت بعدها على الأنظمة بحجة استبدادها، ليتم تقسيمه وتفتيته وفقا للمصالح الصهيونية، وهكذا انتقلت بلاد الأمن والعزة والرخاء، إلى خوف وإذلال وتشريد، وتحولت «القوارير» إلى سبايا يبعن ويهادى بهن!! وتم اغتيال الطفولة والبراءة والقيم الإنسانية!! أما الجماعات الإرهابية التى اتخذت الإسلام قناعا، وجندت آلاف العرب تحت شعار التوحيد، ليصبح القتل والتعذيب والتشريد والاستغلال الجنسى فى أذهانهم من صميم الإسلام، فهو ما يؤكد أيضا إخفاق الأنظمة العربية بكل مؤسساتها فى معركة «الفكر»، فلو أنهم كانوا قد أمدوا الشباب بحصانة من العلم والمعرفة والوعى الحقيقى، ضد الأفكار الهدامة والمعلومات المغلوطة والشعارات الكاذبة، لما وصلت الأمور إلى ما آلت إليه!! فلولا غياب الوعى، لم نكن لنصل لهذه النتائج المروعة التى سنظل ندفع ثمنها أجيالا وأجيالا.. فيا ليتنا ندرك أن معركتنا الحقيقية كانت وما زالت وستظل هى «الوعى»، والذى ما زال البعض يتفنن فى تغييبه دون وعى!!