الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

التعليم والشخصية المصرية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"التعليم في الصغر كالنقش على الحجر"، "بالعلم يبني الناس مجدهم". العلم بمفهومه العام هو تلك الأساليب والطرق والوسائل التي من خلالها يتلقى الفرد المعلومة والخبرة والقيمة،مما يساهم بالتراكم في بناء شخصية الإنسان في كل المجالات، ذلك البناء الذي يُعد الإنسان لمواجهة الحياة والمشاركة فيها من خلال تلك الخبرة أو هذا التخصص أو تلك القيمة، وأن كانت تلك الأشياء في مجملها، سواء بالسلب أو الإيجاب نظرًا لظروف كثيرة، تخص الشخص أو تخص المجال العام.
من المعروف أن تاريخ العلم بشكله المطلق والشامل كان ومنذ البداية يتم عن طريق المنزل والتأثر بالبيئة الاجتماعية المحيطة ثم ما يتراكم من معلومات عن طريق دور العبادة،ثم كان ما يسمى بالكتاتيب التي كانت تلحق بالمساجد والكنائس لتعليم وحفظ القرآن والمبادئ الدينية مع تعلم القراءة والكتابة ومبادئ الحساب، ومنذ أكثر من ألف عام كان الأزهر الشريف هو الوسيلة الأهم لتلقي علوم الدين، مما جعل التعليم بشكل عام يعتمد على الدين والمدارس التابعة للمؤسسات الدينية، ثم كانت مرحلة محمد على إنشاء عدة مدارس متنوعة تأثرًا أو تحت إشراف الأجانب بعد الحملة الحملة الفرنسية على مصر، إلى أن كانت جامعة القاهرة 1907 البداية الحقيقية لنقلة تعليمية تنحو نحو العصرية ومسايرة التطور. فالتعليم لا يقتصر على تلقي العلم عن طريق المدارس والجامعات فحسب ولكنه عبارة عن عملية مستمرة طوال الحياة باكتساب خبرات متراكمة تأثر في الشخص، وإن كان بالطبع أهم وسائل وطرق التعليم هو ذلك التعليم المدرسي والجامعي باعتباره هو المؤسس والمستمر في عملية بناء الشخصية في كل المجالات العامة والمتخصصة، حتى أن التعليم بهذا الشكل أصبح من أهم التحديات العالمية التي تتسابق حولها الدول كبيرها وصغيرها، حتى أننا وجدنا أمريكا تعتبر نفسها في خطر بسبب التأخر العلمي الذي سبقها فيه الاتحاد السوفيتي في خمسينيات القرن الماضي عندما أطلق أول سفينة فضاء إلى القمر قبل أمريكا. هنا لا شك فإن نداء الرئيس السيسي عند بداية رئاسته الثانية في البرلمان الذي ركز فيه على بناء الشخصية المصرية بالتركيز على التعليم والصحة والثقافة كان هامًا ومهمًا حيث إن هذه المجالات تكمل بعضها البعض في هذا البناء الذي بدونه لا يحدث تطور حقيقي للأمم، ولذا وجدنا تطبيق النظام الجديد في التعليم الذي بدأ بالحضانة والأولى ثانوي باستعمال التابلت على أن تكون الثانوية العامة بالنظام التراكمي، وهو شيء جميل وبداية موفقة، لكن هذا يقع في إطار تطوير اساليب التعليم فيمكن أن يحل اللاب توب بديلًا عن الكتاب مسايرة للتطور التكنولوجي أما الأهم هو تلك المناهج والطرق التي تسقط فورًا وعمليًا طريقة الحفظ والتراكم المعلوماتي الذي يطرحه الطالب في الامتحان بشكل محفوظ دون استيعاب، فالتعليم والتطور وبناء الإنسان الحقيقي والصحيح يكون بأعمال العقل وإنضاج الفكر مما يجعل للفرد شخصية مستقلة لها رؤيتها الخاصة الناقدة بعيدًا عن فكرة النقل التي تجعل العقل خاملًا والفكر مجمدًا، وهذا لا شك يعتمد على مناهج أخرى جديدة تساير التطور وتساهم فعليًا في هذا البناء.
كما أن المدرسة والتعليم المدرسي طوال الوقت هو البوتقة الحقيقية التي تنصهر فيها الشخصية المصرية، المدرسة هى الخطوة الأولى لتأسيس انتماء حقيقي للمواطن وقبول الآخر أو يمكن أن تكون عكس ذلك فتكون وسيلة للاغتراب ورفض الآخر، بل يمكن أن تكون طريقًا معبدًا لأصحاب الأفكار الخاطئة بل الإرهابية من الذين لا يريدون خيرًا لهذا الوطن، وبوضوح وصراحة شديدة شاهدنا فى الفترة السابقة، والتي ما زالت آثارها باقية وكامنة، استغلال قوة الظلام للعملية التعليمية بالكامل سواء المدارس الحكومية أو المدارس الخاصة وكان ذلك عن طريق مناهج ترفض الآخر صراحةً بل تعتبر أى آخر كافرا يجب التخلص منه مما جعل كوادر تلك الجماعات تعتبر التعليم هو كلمة السر للسيطرة على المجتمع وصولًا للسلطة كما رأينا في عام الإخوان الأسود، إضافة إلى تحويل البعض للمدرسة للفرز الطائفي بامتيار فبدلًا من دور المدرسة فى التوافق والتآلف وبذر بذور الوطنية والانتماء بين أبناء الوطن الواحد وجدنا الفرقة والتفرقة ونشر التعصب ورفض الآخر وتحويل المدرسة من مجال عام لكل المصريين إلى مجال خاص لأصحاب دين واحد من المصريين فتحول طابور الصباح إلى حالة دينية وتحولت حوائط الفصول والمدرسة إلى نصوص دينية.. إلخ، فهذا يخلق حالة من رفض الآخر الذي يجعل طرفا يشعر بالاغتراب عن المدرسة والجماعة والوطن فيكون البديل الطبيعي بديلًا طائفيًا وهو الكنيسة. هنا نكون قد قسمنا الوطن "وهذا مقصود من تلك الجماعات الظلامية" إلى مسلمين ومسيحين بديلًا عن مصريين في الوقت الذي سيشعر فيه الطالب المسلم أنه لا وجود للآخر في هذا المجال العام مما ينسحب إلى خارج المدرسة إلى المجتمع.
الدين والطقوس الدينية وغيرها من أشكال العبادة هى مجال خاص داخل المسجد أو الكنيسة أما المجتمع فهو ذلك الوطن الذي هو مجال عام لكل أبناء الوطن الذي يجمعهم ويوحدهم، إضافة إلى تعدد التعليم من تعليم عام وخاص وديني وأجنبي جعل تشتت في الانتماء نتيجة لتلك التعددية الثقافية التي تؤكد الوحدة ولا تؤكد التجمع، فطوال التاريخ المصري توجد تعددية ثقافية "مسيحية، إسلامية، نوبية، بدوية" ولكنها تساهم وتصب في إطار الثقافة المصرية العامة الجامعة لكل المصريين.
المدرسة مكان للتوافق الوطني ومدرسة للانتماء المصري اللذين يمثلان أهم عوامل تكوين الشخصية المصرية التي تساهم في بناء الوطن والتصدي لكل أعدائه، حفظ الله مصر وشعبها العظيم.