الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

قيمة الوقت

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الوعي بقيمة الوقت وإدراك أهميته أمران ليسا منتشرين على نطاق واسع بين الناس في بلادنا، ذلك لأن إحساس الإنسان واهتمامه بالأشياء المادية التي يملكها - كالتليفون المحمول واللاب توب والايباد وسائر الأجهزة التكنولوجية المشابهة - أكبر بكثير من إحساسه بالوقت، فهو يدرك قيمة التليفون المحمول وأهميته بالنسبة له ولا يدرك قيمة الوقت وأهميته، لأنه يتصور – خطًأ ووهمًا – أن الوقت بالنسبة له متاح دومًا وممتد، ومن ثمّ لا يحظى الوقت عنده بالتقدير الواجب. 
إن الحياة في حقيقة الأمر أشبه برحلة قصيرة في سفينة تحيط بها الأنواء من كل جانب، وفي أية لحظة يمكن أن يلقى المرء حتفه، وبالتالي كلما كانت أهداف ذلك المرء مرسومة بشكل متقن، كلما نجح في الوصول إلى الشاطئ بأمان، وحقق كل مبتغاه. ومن المؤكد أن تحقيق الأهداف يحتاج وقتًا، وإدراك أهمية الوقت هو أهم أسرار النجاح.
هَبْ أنك شاهدت شخصًا ما يسير في الطريق حاملًا حقيبة كبيرة مملؤة بالعملات الورقية (دولارات ويورو وجنيهات مصرية فئة 200 جنيه)، وأن ذلك الشخص كلما قطع بضع خطوات أدخل يده في حقيبته وقبض بكف يده على حفنة نقود، وقذف بها على طول ذراعه يمينًا ويسارًا!! ثم يسير بضع خطوات أخرى، ويكرر ما فعله مرة ثانية وثالثة ورابعة وخامسة... إلخ، حتى أفرغ الحقيبة مما فيها!! 
ماذا تقول عن مثل ذلك الشخص؟! لا شك أنك سوف تنعته بصفات أقلها أنه معتوه أو مجنون، في حين أن ذلك الشخص هو ذاته إذا قضى سنوات عمره في الجلوس على المقاهي، أو أضاع سنوات شبابه هباءً في التسكع بلا طائل على صفحات التواصل الاجتماعي (الفيس بوك)، فلن ينتبه أحد إلى مدى حماقته التي لا تقل إن لم تزد على حماقة ذلك الشخص الذي يقذف بنقوده يمينًا ويسارًا!!، إلا إذا كنا نرى أن النقود أغلى من سنوات العمر!! 
إذا سطا أحد الأشخاص على أشياء تخصك كالموبايل مثلًا فلا شك أنك ستصب عليه جام غضبك، وسوف تمسك بتلابيبه، ولن تتوانى عن تسليمه لأقرب مركز شرطة، بحكم كونه لصًا سرق المحمول الخاص بك. في حين أن هذا الشخص ذاته إذا أضاع وقتك في تُرهات وأشياء وموضوعات بالغة التفاهة، استغرقتك واستنفدت وقتك، فإنك لا تنظر إليه بوصفه لصًا سرق وقتك!! وإنما قد تستحسن فعلته!! وتثني عليه، لأنك لا تشعر بالملل في قضاء الوقت معه!! وكأن محمولك أهم وأغلى من لحظات عمرك التي سطا عليها هذا الشخص!! 
نحن عادًة لا ننظر إلى سرقة الوقت بوصفها جريمة، بل أحيانًا نحتفي ونسعد كثيرًا بأولئك الذين يضيعون أوقاتنا!! وفي أحيان أخرى نقوم نحن ذاتنا بإهدار الوقت دون أن تطرف لنا عين حزنًا وأسى وخجلًا !! 
في بلادنا توجد «سلخانات» لذبح الوقت – على حد تعبير الأديب والمفكر المصري الكبير توفيق الحكيم – فالمقاهي في نظر الحكيم هى بمثابة «سلخانات» لذبح الوقت، وكثيرًا ما نتفنن في إهدار الوقت كالتخلص منه وكأنه شأن تافه لا جدوى منه، في حين أنه الحياة.
إذا كان توفيق الحكيم قد وصف المقاهي في عصره وزمانه بأنها سلخانات لذبح الوقت، ففي وقتنا هذا أصبح النت بما يحتويه من فيس وشات وواتس وانستجرام وتويتر وغير ذلك من مجالات تستهلك وقت الجميع هى السلخانات العصرية لذبح الوقت.
هل سألت نفسك: كم من الوقت تنفقه يوميًا فيما هو مفيد؟ وكم من الوقت تضيعه فيما لا جدوى منه؟ كم ساعة تنفقها يوميًا في الدردشة على الفيس بوك؟ وفي المقابل كم ساعة قضيتها في مطالعة كتاب يعالج موضوعًا واحدًا متكاملًا؟ كم من الوقت ضاع في مكالمات تليفونية شديدة التفاهة؟ وكم مرة دخلت في مناقشات ومجادلات سطحية وعقيمة؟ هل حاولت أن تخصص يوميًا بضع دقائق لتسجل وقائع أحداث يومك، كي تتبين فيما أنفقت لحظات حياتك اليومية؟ 
هل فكرت أن تخصص ساعة من يومك؛ تصوم خلالها عن الكلام مع الناس (كل الناس)، بهدف تدريب إرادتك على مقاومة شهوة الكلام، إن شهوة الكلام لا تقل خطورة عن شهوة الأكل والجنس، وكما أن الصوم عن الطعام يدربنا على مقاومة شهواتنا المتعلقة بالطعام والجنس، فإن الصيام عن الكلام يقوي إرادتنا لمقاومة جموح لساننا لقول ما لايجب قوله. كثير من الناس يتكلمون لا ليقولوا شيئًا، وإنما لمجرد أن يحركوا لسانهم في حلقهم ويلوكوا الهواء، يتكلمون فحسب لأن لديهم القدرة على الكلام، لا لأن لديهم ما يقولونه!!
بعض الناس في بلادنا لم تسمع عن المثل القائل: «قل خيرًا أو فلتصمت». إنهم لا يقولون خيرًا، ولا يتوقفون عن الكلام !! آفة مجتمعاتنا الكلام.. الكلام يستهلكنا، يستهلك وقتنا وأعمارنا. حضارتنا حضارة «لفظ».. نستعيض عن الفعل بالكلام، وكأن الكلام يغني عن الفعل. نتكلم.. ونتكلم، ولا نفعل شيئًا، حتى أصبحت تسيطر علينا شهوة اسمها «شهوة الكلام».
من أجل أن تفهم الناس لا بد لك من أن تستمع إليهم، وتستمع بصدق واهتمام، لا يكفي أن تستمع وأنت تجهز الرد عليهم، فهذا لا يُعَد استماعًا. إن حرصنا على الرد والكلام وعدم معرفتنا بأهمية الصمت وحسن الاستماع يؤدي كل ذلك إلى حدوث كثير من سوء الفهم، الذي يؤدي بدوره إلى تبديد الوقت والجهد.
صحيح أنه من أهم المهارات التي لا يستطيع الإنسان العيش بدونها هى مهارة الاتصال، حيث إن الإنسان يرتبط بمن حوله ارتباطًا وثيقًا من أجل مواصلة الحياة بشكل طبيعي، والاتصال هو واحد من أهم العمليات الاجتماعية. وتستند عملية الاتصال على تبادل معلومات وأفكار بين الناس فنحن نعيش عصر الاتصالات، ومن ثمَّ ليس في مقدور الإنسان أن يعيش في عزلة، لأن من يملك معلومات أكثر يكون هو الأقوى. ومن الصحيح أيضًا أنه يجب توظيف وسائل الاتصال لخدمة أهداف الإنسان، واستثمارها من أجل حياة أجمل وأرقى.