الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

مع تصاعد التوترات: إيران تحت مجهر الثقافة الغربية

كتاب المهمة الإنجليزية..فهم
كتاب المهمة الإنجليزية..فهم ايران
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مع تصاعد التوترات بين الغرب وايران باتت هذه الدولة "تحت مجهر الثقافة الغربية"، وتتوالى كتب جديدة تجمع مابين السياسة والثقافة في محاولات لفهم محددات السلوك السياسي الإيراني.
وفي كتاب جديد صدر بعنوان "المهمة الإنجليزية..فهم ايران" تناول وزير الخارجية البريطاني السابق جاك سترو جوانب متعددة للثقافة الإيرانية وتجول في أروقة التاريخ مع أسماء كبيرة لشعراء إيرانيين وحتى في صناعة السجاد والمطبخ الإيراني.
ويرى جاك سترو الذي زار طهران من قبل عدة مرات ان "ايران تحت السطح بعيدة كل البعد عن الهدوء"،ويؤكد أن "ثمة عقدة خوف تاريخية للايرانيين من التدخل الخارجي والنفوذ الأجنبي" حتى انه اثناء زيارة قام بها سترو لايران منذ نحو أربعة أعوام ابدى بعض عناصر الحرس الثوري الإيراني في منشورات قاموا بتوزيعها عدم ترحيبهم بزيارته معتبرين ان هذه الزيارة تستهدف زعزعة الأوضاع داخل ايران.
وفي عام 2001 كان جاك سترو أول مسؤول بريطاني كبير يقوم بزيارة لطهران منذ الثورة الإيرانية عام 1979 وهو يرى ان "الملالي اختطفوا هذه الثورة" غير انه يذهب لوجود فصيل إصلاحي بين نخبة الملالي الحاكمة لافتا لشخصيات يصفها "بالاصلاحية" مثل الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي.
وهذا الكتاب الجديد الذي حظى باهتمام ملحوظ في الصحافة الثقافية الغربية اثار جدلا فيما يتعلق برؤية جاك سترو حول "وجود فصيل إصلاحي في النخبة الإيرانية الحاكمة يتعين دعمه من الغرب لاضعاف الفصيل المتشدد بقيادة المرشد الأعلى علي خامنئي".
وهذا الجدل يعبر عن شكوك غربية بشأن حقيقة وجود "فصيل إصلاحي في النظام الإيراني" حيث يرى محللون ان الأمر مجرد "توزيع للأدوار داخل هذا النظام الذي يخضع تماما لقبضة الخامنئي" فيما تتردد مصطلحات مثل "دبلوماسية الخداع الإيرانية".
ورغم التوترات التي تثيرها ايران في الخليج وتهديد حرية الملاحة عبر مضيق هرمز، رأى وزير الخارجية البريطاني السابق جاك سترو الذي كان من المؤيدين للحرب على العراق ان السبيل العقلاني لتغيير سلوك ايران يكمن في "الجهود الدبلوماسية" منتقدا اقدام إدارة الرئيس المريكي دونالد ترامب على الغاء "الاتفاق النووي مع ايران".
وذهب سترو الى ان "سياسات حافة الهاوية التي تنتهجها ايران منذ عقود بقيادة المرشد علي خامنئي تنبع من خشية النخبة الايرانية الحاكمة من التدخلات الأجنبية وقلقها في الوقت ذاته من احتمالات التغيير في الداخل الإيراني" وهي نظرة قد تفسر التوترات الحالية التي تثيرها ايران في مضيق هرمز والخليج.
وفي سياق ماوصفه معلقون "بحرب المضائق" وعقب احتجاز ايران لناقلة نفط بريطانية في الخليج، اقترحت لندن تشكيل قوة بحرية بقيادة أوروبية لضمان سلامة الشحن البحري عبر مضيق هرمز فيما تنظر طهران بقلق للتحركات الأوروبية ناهيك عن الأمريكية لتشكيل قوة لحماية الملاحة.
وفي كتاب جديد صدر بعنوان:"ايران ومضيق هرمز" تناولت الكاتبة والأكاديمية الفرنسية ليا ميشلي محددات الاستراتيجية الإيرانية حيال مضيق هرمز الذي مرت منه في العام الماضي نسبة تصل الى 24 في المائة من مجموع الصادرات النفطية العالمية.
ومع محاولات طهران لعرقلة حرية الملاحة في مضيق هرمز ترى ليا ميشلي ان الغرب لايمكن ان يتسامح مع هذه المحاولات لو استمرت واتخذت وتيرة منتظمة معتبرة ان الولايات المتحدة لن تقف في نهاية المطاف مكتوفة اليدين امام العبث الإيراني في هذا المضيق.
وتؤكد ميشلي المتخصصة في الجغرافيا السياسية والتاريخ بجامعة السوربون في باريس أهمية مضيق هرمز باعتباره مدخل الخليج وممرا مائيا استراتيجيا للنفط فيما يمر عبر هذا المضيق مايصل الى 90 في المائة من صادرات النفط الإيرانية ذاتها.
ويبدو جليا ان الاهتمام الغربي بالثقافة الايرانية يأتي لأسباب عملية وبنظرة منفعية لتحقيق مصالح الغرب" ومن هنا فان القراءات الغربية للتجربة الايرانية غزيرة ومستمرة ومتجددة كما يتجلى في كتاب صدر بالانجليزية بعنوان:"ايران الثورية:تاريخ الجمهورية الاسلامية" ،وفي هذا الكتاب سعى المؤلف مايكل اكسورثي لاستكشاف جديد للتطورات في ايران منذ ثورة 1979 والتي أفضت لما يسميه "بديمقراطية زائفة".
فالنظام السياسي في ايران متوتر وقضية الديمقراطية لم تجد حلا كما يقول المؤرخ البريطاني والدبلوماسي السابق مايكل اكسورثي الذي ذهب في كتابه الى انه منذ عام 2009 قررت الحلقة العليا للنظام التخلي عن سياسة الزعيم الراحل الخميني فيما يتعلق بالتوازن بين الفرقاء والأجنحة المتعددة والاتجاه بدلا من ذلك لأسلوب القوة الغاشمة ضد المعارضين.
وقد تكون "الثقافة" هي الساحة الأكثر خطورة وتعقيدا في المشهد الايراني الراهن، وفي بلد يحظى بموروث ثقافي وحضاري عريق وقدم للانسانية روائع تشهد على الثراء الابداعي للانسان الايراني.
وعداء الملالي الذين وصلوا لحكم ايران عام 1979 ظاهر لكل مايتصل بالحداثة التي ترتبط في اذهانهم بالغرب وسط مخاوف ظاهرة في دوائر القيادة الايرانية من المؤثرات الثقافية الغربية على الشباب.
والمرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية" علي الخامنئي لم يتورع من قبل عن التدخل حتى في تحديد "أجندة الشعر والشعراء" في بلاده التي كان الشعر في قلب السياسة بها على مدى قرون بينما كان الخامنئي قد بدا بالتحدي الذي تشكله ثورة الاتصالات ووسائط الاتصال الجديدة لتصوره عن "الشعر الملتزم" مشيرا لاتجاه بعض الشباب لما وصفه "بالثقافة المنفلتة" فيما اطلق تهديدات "لتلك الفئة الضالة".
وفيما يقال ان الخامنئي ذاته شاعر وله قصائد يظهرها للمقربين منه فقد يكون من الصعوبة بمكان ان يقدم شاعر حقيقي على تحديد المواضيع التي ينبغي ان يبدع فيها الشعراء او يضع لهم "اجندة" او "خارطة طريق" بدعوى تطوير الشعر او حتى " استخدام الشعر كسلاح في حرب الحق ضد الباطل وخدمة اهداف الثورة" على حد قول خامنئي.
وكان الخامنئي قد تحدث في لقاء مع لفيف من الشعراء الذين يقرضون شعرهم بالفارسية سواء داخل ايران او خارجها في دول مثل باكستان وطاجيكستان وافغانستان عن "اياد تعمل لابعاد الشعراء الشباب عن مهامهم الثورية البطولية" والاتجاه لما وصفه "بالموضوعات التافهة مثل الجمال والحب".
وفي ظل هذا التصور الذي يتصادم مع جوهر الشعر كفضاء حرية وسلطة خيال لن يكون من الغريب او المستغرب ان يذهب علي الخامنئي الى ان الشعراء الذين "لايخدمون اهداف الثورة الاسلامية" ولا يكتبون عما يصفه "بالموضوعات الحيوية" هم "مذنبون بجريمة وخيانة وليس لهم مكان في الجمهورية الاسلامية".
والشعر قوة حقيقية في الحياة والسياسة في ايران التي عرف شعبها تاريخيا بحب الشعر لحد الولع حتى انه لا يكاد يخلو بيت في ايران من ديوان للشعر، غير ان المرحلة التي بدأت منذ عام 1979 مع "نظام الخميني" تعد الأسوأ في تاريخ الشعر والشعراء الايرانيين الذين لم يتورع هذا النظام عن اعدام بعضهم وسجن البعض الآخر على نحو يعيد للأذهان محنة الشعراء الروس في مرحلة حكم ستالين للاتحاد السوفييتي السابق.
ومن الشعراء الايرانيين الذين اعدموا في ظل نظام الخميني والخامنئي سعيد سلطان وحيدر مهريفان وهشام شعباني فيما اتجه عدد من كبار الشعراء الايرانيين للحياة في المنفى مثل محمد جلالي وهوشانج ابتهاج ومانوشهر يكتاي وهادي خورسندي واسماعيل خوي.
واذا كان وزير الخارجية البريطاني السابق جاك سترو قد ذهب في كتابه الجديد الى ان "سياسات حافة الهاوية التي تنتهجها ايران منذ عقود بقيادة المرشد علي خامنئي تنبع من خشية النخبة الايرانية الحاكمة من التدخلات الأجنبية وقلقها في الوقت ذاته من احتمالات التغيير في الداخل الإيراني" فان المشهد الحالي الذي تتصاعد فيه تلك السياسات لن يكون في صالح المبدعين الإيرانيين ويبدو ان المزيد من زهور الابداع ستموت في بلد قدم للعالم ابداعات خالدة.