الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

خبراء الفنون الشعبية يضعون روشتة إنقاذ فرقة رضا من الانهيار "2"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
انتقد عدد من خبراء الفن الشعبى الأوضاع التى وصلت إليها فرقة رضا للفنون الشعبية، خلال الجزء الأول من الملف الذى قدمته «البوابة نيوز» منذ يومين، وأثار الكثير من ردود الأفعال حول ضرورة تطوير الفرقة وتحديثها.
وخلال السطور التالية، نواصل تقديم ملف فرقة رضا، وتأثيرها الكبير فى إثراء حركة الفن الشعبى المصري، ودورها الرائد فى إحياء الموروث الثقافى بشتى مجالاته، من ملابس وموسيقى، ورقصات شعبية، ونقدم نبذة عن إسهامات فرقا رضا فى استلهام التراث المادى الذى تجسد فى ملابس وديكورات عروض الفرقة، بالإضافة إلى الموتيفات الموسيقية التى استلهم منها على إسماعيل، لتخرج لنا ألحانا موسيقية راقية، ومعبرة عن الثقافة المصرية الشعبية.
كما نحاول أن نحيى مجد فنانينا العظماء، ونطرح من خلالهم الوضع الراهن الذى تعانى منه فرق الرقص الشعبى بشكل عام، وفرقة رضا على وجه الخصوص، ولعل فتح هذا الملف قد يفتح أمامنا الكثير من الإخفاقات التى طالت هذه الفرق، وما تتعرض له من أزمات وإشكاليات فى الفترات المتعاقبة، وحتى وقتنا الحالى، الذى أصبح يعانى الانهيار، بعدما كانت فرقة رضا خير سفير لمصر فى جميع المحافل الدولية، ومصدرًا مهمًا من مصادر قوتنا الناعمة أمام العالم كله.

على إسماعيل الأب الموسيقى لفرقة رضا 
حقق الموسيقار على إسماعيل لفرقة رضا، نجاحا ليس له مثيل، وأنجز معها ما لم يُنجزه غيره من الملحنين، فاستطاع أن يضع بصمته الخاصة فى جميع ألحان الفرقة؛ حيث لعبت الصدفة دورًا كبيرًا فى علاقة على إسماعيل بفرقة رضا، وذلك عندما تخلى أحد المُلحنين الكبار عن إنجاز التأليف الموسيقى لأول عروض الفرقة، على الرغم من أنه قد طالب بأجر كبير، لكنه ماطل ولم يقم بتسليم الألحان قبل موعد الحفل.
واتفق على رضا مع «إسماعيل» ليقوم بتأليف الموسيقى وقيادة الأوركسترا، لكنه اختفى بسبب الحادث الذى حدث لابنه الصغير ما اضطره للجلوس معه بالمستشفى، ولكن على إسماعيل لم ينس الفرقة، حيث قام بأخذ النوتة الموسيقية وبعض الموسيقيين وأنجز التأليف الموسيقى للبرنامج بداخل المستشفى، بل أيضًا رفض أن يتقاضى أى أجر من الفرقة، وهنا بدأت رحلة إسماعيل مع فرقة رضا، خاصة بعد النجاح الكبير الذى حققه مع الفرقة فى أول عرض لها فى السادس من أغسطس عام ١٩٥٩، وذاع صيته وبدأت موسيقاه تغزو الإذاعة والتليفزيون. 

تقول الدكتورة ياسمين فراج، أستاذ النقد الموسيقى بالمعهد العالى للنقد الفني: إنه بالاقتراب من اثنين من أعمال الموسيقار على إسماعيل مع فرقة رضا وهما «رقصة الحريم» وهى جزء من عمل مسرحى للفرقة، واستعراض «البادية»، الذى عُرض فى فيلم «أجازة نصف السنة»، نجد أنه تتضح من خلال هذين براعة على إسماعيل فى تغيير الإيقاع من «ضرب إلى ضرب»، أو من سرعة إيقاع إلى أخرى من خلال الإيقاعات الجسدية «فكان يستخدم تركيبة إيقاعية مبتكرة، حيث إنه كان يبتكر إيقاعات مستوحاة من الموتيفات الإيقاعية من الدروب الشعبية، وكان يعطى أدوار صولو للإيقاع فى معظم ألحانه التى ألفها لفرقة رضا».
وتابعت فراج فى حديثها لـ «البوابة نيوز»، أن على إسماعيل فى بعض أجزاء من ألحانه كان يستخدم موسيقى الحوار بين الراقصين، وتميزت خصائص ألحانه بالوعى الشديد بأن ما يقدمه هو لفرقة راقصة «وهو الشيء الذى لم يستطع أى عازف موسيقى أن يقدمه للفرقة حتى الآن، وكان يجيد عمل القفلات فى نهاية المقطوعة الموسيقية»، وكان يتنوع فى الإيقاعات الموسيقية مثل المصمودى الصغير، وإيقاع الأيوب الذى يُعد من الإيقاعات الشعبية، النهاوند، الحجاز، مقام الصبا، والبياتي، فلم يكن لديه مشكلة فى التحويل المقامى «فنجده على سبيل المثال فى رقصة «البادية» قد استخدم بعض الإيقاعات البدوية، وقدم من خلال ابتكارات وتنويعات موسيقية على تلك الإيقاعات، حيث قدم تركيبة جديدة مستوحاة ومستنبطة من إيقاعات بدوية أصيلة فى البيئة البدوية». 
وأضافت فراج، أن على إسماعيل كان بارعًا فى استخدام الموسيقى البوليفونية متعددة الخطوط اللحنية «فكل آلة كان لها لحن موسيقى مختلف عن غيرها، فكان بارعا فى بناء الخطوط اللحنية، وهو ما وجدناه فى جميع ألحان استعراضات فرقة رضا، وأن التناول اللحنى كان يعتمد على أكثر من مقام، خلال التابلوه الواحد، أو لكل تابلوه، فاستطاع أن يبتكر إيقاعات موسيقية جديدة، تساعد الراقصين والراقصات فى الإبداع والتشكيل الحركي».

الأزياء تحكى تاريخ الفرقة
لم تقتصر أكاديمية رضا للفنون الشعبية على الابتكار فى الموسيقى والاستلهام من التراث والموروث الثقافى الشعبى المصري، بل تطرق الأمر إلى الملابس الخاصة باستعراضات الفرقة، وكان التعريف العلمى لبعض الرقصات الشعبية يتضمن فى طياته وصف ملابس الراقصين التى كان يريدها أعضاء الفرقة، مثل رقصتى «الحجالة» و«العصا» وغيرهما، فلم يكن صنع الملابس وتصميمها واختيار خاماتها محض مصادفة، بل كان كل ما يتعلق بها مدروسا ومتقنا بشكل كبير، ففى البداية والدة الفنانة فريدة فهمى هى من قامت بصنع ملابس الفرقة، كما ابتكرت صناديق جيدة التهوية للمحافظة عليها. 
وقد يفاجأ البعض أن الفنانة فريدة فهمى بطلة الفرقة وأحد روادها، قد قامت بتصميم العديد من ملابس الفرقة، والتى باتت أيقونة للملابس المصرية الشعبية كـ«الملاية اللف»، وملابس رقصة «الحجالة»، فكانت مصممة أزياء واعية، ولديها قدرة كبيرة على التصميم واستلهام التراث، وكيفية تطويع تلك الملابس لتكون مناسبة للرقصة التى تقدمها، حيث قامت بتصميم رقصة الموشحات، فهى بحق من أهم رواد فرقة رضا، بل هى أيقونة الفن الشعبى فى مصر، مخلصة ومتفانية إلى أبعد الحدود، فكانت مؤمنة بما تقوم به، وما تقدمه من رسالة فنية، وبالرغم من حصولها على ليسانس الآداب، لكنها حصلت على درجة الدكتوراه من جامعة كاليفورنيا بالولايات المتحدة، فى مادة الرقص الشعبى المصرى برسالة دكتوراه عن التطور الإبداعى عند محمود رضا.

تتحدث الدكتورة إيمان مهران، أستاذة فنون التشكيل الشعبى المساعد بأكاديمية الفنون، حول تصميم أزياء فرقة رضا، الذى حافظ على النمط التقليدى الشعبى المصري، حيث نجحت الفرقة فى نقل صورة الراقص من مجرد مجموعة ليس لديها قبول اجتماعي، وبدء المنظور المجتمعى يختلف حول راقصى الفن الشعبي، خاصة أن عناصر فرقة رضا فى بداياتهم كانوا أبطالا رياضيين، وطلاب جامعة. 
تقول مهران: «أسهمت أزياء فرقة رضا فى التأكيد على هويات المناطق الثقافية، بداية من الوحات والوادى الجديد، حيث نجحت الفرقة فى أن تخرج بنماذج تعبيرية عن طريق التصميم واللون والتى تعتمد على الشكل وتوزيعه، فاستطاعت الحفاظ على التنوع مع إبراز الهوية المصرية المعبرة عن المنطقة أو البيئة صاحبة الرقصة». 
وأشارت مهران إلى أن الأزياء فى بدايات فرقة رضا «كانت أغنى بكثير عمَّا هو وضعها الآن» وفق قولها، فكانت الملابس والأزياء تحافظان على الشكل الأقرب للملابس التقليدية، مع إجراء تعديلات طفيفة لتتناسب مع حركة الراقص خلال الأداء الحركى للرقصة «ما يحدث الآن فى أنواع الأزياء المستخدمة، يعتمد على التصميم بطريقة تجعلها بعيدًا تمامًا عن الثقافة المصرية التقليدية، والتى بالتالى تجعل الرقصة غير معبر عن بيئتها». 
وأوضحت مهران أن فرقة رضا اعتمدت فى بداياتها على أهم مصممى الأزياء، ومنهم رؤوف عبدالمجيد، وسمير نصر، وخديجة فهمي، وهم من قاموا بتصميم أزياء فيلمى «غرام فى الكرنك»، و«أجازة نصف السنة»، واللذين يضمان معظم رقصات فرقة رضا، «حيث نجد فى رقصة النوبة هناك اعتماد على «الجرجار» وهو من الأزياء النوبية، وطريقة الحركة راعت الملابس الخاصة بالبيئة النوبية، وطريقة تحريك الذراع»، وكان أيضًا الفنان صلاح عبدالكريم له دور كبير فى الأزياء والديكورات الخاصة بفرقة رضا «وكانت له «بالتة» ألوان خاصة به، والتى يعتمد من خلالها على الألوان الصريحة»، وكان له أثر كبير فى تصميمات الفرقة، والتى اعتمد على رؤية خاصة به، وهو ما لا نجده الآن بالفرقة.

«الفنون الشعبية» تعانى تجاهل الدولة
طالب حسام محسب أستاذ الرقص والألعاب الشعبية بأكاديمية الفنون، بالكشف عن مواقع الخلل التى أحاطت بمجال الرقص الشعبى فى مصر، وليس فرقة رضا فحسب، «فالأمر يفوق قدرات القائمين على الفنون الشعبية»، حسب قوله. 
وتابع محسب فى حديث لـ«البوابة نيوز»، أن الأزمة لا تكمن فقط فى المدرب أو الميزانية لإنتاج عرض، أو خروج راقص متخصص لديه كل الإمكانيات اللازمة للإبداع «لا بد من وجود تدخل حقيقى من قبل الدولة لتنظيم قواعد العمل بفرق الفنون الشعبية ككل، ولا بد من إنشاء مدرسة تعمل على تخريج فنانين وراقصين متخصصين فى الفنون الشعبية»، مُشيرًا إلى أن المكان الوحيد الذى يقوم بإخراج فنانين راقصين هو المعهد العالى للباليه، بالإضافة إلى تعديل الهياكل التنظيمية بداخل وزارة الثقافة «نجد لدينا العديد من فرق الفنون الشعبية سواء التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة أو الفرق الشعبية التابعة للبيت الفنى للفنون الشعبية والاستعراضية»؛ لافتًا إلى أن تلك الأكاديمية «يجب أن تعمل وفق شروط وإجراء اختبارات صارمة، وتكون مكونة من متخصصين لتحديد صلاحية المتقدمين بأن يكونوا راقصين أم لا»، وأن إنشاء مدرسة أكاديمية متخصصة للرقص الشعبي، سيكون الحل الأمثل لحل كل تلك الإشكاليات «حيث إنه لا توجد آلية حقيقية للتدريب، تلك الأكاديمية ستعمل على ذلك، على أن يتم استقطاب الكوادر الفنية القادرة على ذلك». 
وأضاف محسب أن المجلس الأعلى للثقافة عليه دور كبير «ولا بد أن القائمين عليه يعملون على خروج معجم لمصطلحات الفنون الشعبية، وهذا سيعمل على فك اشتباك الكثير من الإشكاليات التى تقابل الباحثين فى مجال الفلكلور والفن الشعبي». 
واستكمل محسب قائلًا: «نحن الآن فى أمس الحاجة إلى مشروع متكامل يضم كافة الجهات التى تتعاطى مع الفنون الشعبية، مثل وزارات الشباب والرياضة والتعليم العالى والثقافة، حيث إن مهنة «راقص الفنون الشعبية» أصبحت مهنة من لا مهنة له، بلا رقيب، ولا حسيب، فلماذا لا يتم التعامل مع راقصى الفنون الشعبية مثلما تتعامل نقابة المهن التمثيلية، حيث إنه فى ظل عدم وجود آلية واحدة لكل تلك الفرق أو أجر عادل للراقصين، يحميهم من متطلبات السوق، كاشتغال بعضهم بالفرق الخاصة، أو الأماكن غير اللائقة حتى يستطيعوا العيش، لا سيما أن الراقص له عُمر معين مثله مثل لاعبى كرة القدم.. كل هذا يجب أن يتم أخذه فى الحسبان». 
وأشار محسب إلى أنه لا بد من إعادة صياغة فلسفة ووجود تلك الفرق، وأنه يجب أن يكون القائمون على إدارتها لديهم وعى بكيفية إدارة العمل الثقافى؛ حيث إن الكادر الإدارى قد طغى على الجانب الفني، بل فى بعض الأحيان نجد أن الكادر الإدارى يسبق الفني، كما يجب أيضًا فتح البعثات الخارجية، ولا بد من إتاحة الفرصة للسفر والتدريب فى الخارج، فالعالم قد سبقنا فى مجال الفنون الشعبية بمراحل، ونحن الدول الرائدة فى هذا المجال.
كما ناشد محسب وزارة الثقافة بضرورة طلب نسخة من فيلم «أشواق الأهالي»، والموجود نسخة منه فى مكتبة الكونجرس الأمريكي، وهو من الأفلام التى تُعد ثروة قومية مهمة، والفريد من نوعه، حيث كان الفيلم نتاج رسالة الدكتوراه للفنانة ماجدة صالح عميد معهد الباليه السابقة وأول بالرينا مصرية، والذى أنتج بالتعاون مع مؤسسة السينما المصرية، ويتضمن تسجيلًا لنماذج للرقص الشعبى المصري، فى جميع أنحاء مصر، وبأصحابها الحقيقيين وملابسهم التقليدية «أرجو أن تطالب وزارة الثقافة بنسخة من هذا الفيلم باعتباره من الوثائق القومية المهمة، أو طلب من الفنانة ماجدة صالح، بإرسال نسخة كإهداء لمصر، ليكون مرجعًا للباحثين عن فن الرقص الشعبي».
وأردف «محسب»: المجلس الأعلى للثقافة عليه دور كبير «ولا بد أن القائمين عليه أن يعملوا على خروج معجم لمصطلحات الفنون الشعبية، وهذا سيعمل على فك اشتباك الكثير من الإشكاليات التى تقابل الباحثين فى مجال الفلكلور والفن الشعبي».