الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

رعونة أردوغان تضع الاقتصاد التركي في مأزق.. تخفيض التصنيف الائتماني والعقوبات الأمريكية وهبوط الليرة أزمات تواجه أنقرة.. وإقالة محافظ البنك المركزي تثير المخاوف حول استقلالية المؤسسات الاقتصادية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تشهد الساحة التركية فى الآونة الأخيرة العديد من الأزمات السياسية والاقتصادية، ولا تكاد تنتهى أزمة، حتى تلوح فى الآفاق بوادر أزمة جديدة، فقد أقبلت الذكرى الثالثة لمحاولة الانقلاب الفاشلة على الرئيس التركى رجب طيب أردوغان وحزبه، وهى تحمل معها مزيدًا من الضغوط الاقتصادية على الشعب التركي، حيث أعلنت وكالة «فيتش» للتصنيفات الائتمانية فى بيان لها أصدرته الجمعة ١٢ يوليو، تخفيضها لتصنيف الديون السيادية لتركيا من مستوى «BB» إلى «BB-» مع نظرة مستقبلية سلبية.
وبررت الوكالة هذا التخفيض بتراجع استقلالية المؤسسات الاقتصادية التركية، وكذلك تراجع المصداقية وتماسك السياسات الاقتصادية فى البلاد.

ونظرًا لأن الاقتصاد التركى يعانى من الأزمات منذ فترة طويلة، فلم يكن هذا التخفيض مفاجئًا للمتابعين للشأن التركي، حيث يعد هذا التخفيض هو الثانى من نوعه من قبل وكالة «فيتش»؛ إذ قامت الوكالة فى نفس الوقت تقريبًا من عام ٢٠١٨، بتخفيض تصنيفها الائتمانى لتركيا من (+BB) إلى (BB)، مع نظرة مستقبلية سلبية، وجاء ذلك بعد الانتخابات الرئاسية التى فاز بها أردوغان فى يونيو ٢٠١٨، حيث بررت الوكالة تخفيض التصنيف بتراجع مصداقية السياسة الاقتصادية لتركيا، وزيادة العجز فى الحساب الجاري، وكذلك الإجراءات غير المناسبة بعد فوز أردوغان مثل تعيين صهره «براءت ألبيرق» فى منصب وزير المالية.

أسباب التخفيض
وفقًا للبيان الصادر عن الوكالة، فقد ذكرت أن هناك ثلاثة أسباب رئيسية دفعتها إلى اتخاذ قرار التخفيض، يعود السبب الأول إلى إقالة الرئيس التركى لمحافظ البنك المركزى «مراد جتينقايا» فى السادس من يوليو، وتعيين نائبه «مراد أويسال»، ما أثار مخاوف الوكالة بشأن استقلالية المؤسسات الاقتصادية فى تركيا، ومدى تأثير ذلك على تقويض تدفق رؤوس الأموال الأجنبية اللازمة لتلبية حاجات التمويل الخارجى الكبيرة لتركيا، هذا فضلًا عن أن مثل هذا القرار يثير الشكوك بشأن مدى جدية تركيا فى إدخال إصلاحات هيكلية فى إدارة الاقتصاد الوطني.
وصرح أردوغان بأنه أقال محافظ البنك المركزى مراد جتينقايا، نظرًا لفشل الأخير فى تنفيذ التعليمات بشأن تخفيض أسعار الفائدة، وأن البنك لم يقم بدوره الصحيح فى استقرار الأوضاع الاقتصادية فى البلاد.
أما السبب الثانى فيعود إلى السلوكيات غير الديمقراطية من قبل حزب الحرية والعدالة، والتى كان آخرها عدم القبول بالهزيمة من قبل المعارضة فى انتخابات بلدية إسطنبول التى أقيمت فى مارس الماضي، مما دفع الحزب إلى التشكيك فى نتائج الانتخابات، ومن ثم إعادتها مرة أخرى فى يونيو، ومع ذلك فازت المعارضة مرة أخرى بالانتخابات بـ٧٧٥٠٠٠ صوت، بزيادة كبيرة عما حققه فى المرة الماضية، التى فازت فيها بـ١٣٠٠٠ صوت أكثر من مرشح حزب العدالة والتنمية، ليعلن أردوغان وحزبه القبول بنتائج الانتخابات على مضض.
ويتعلق السبب الثالث لهذا التخفيض وفقًا لبيان الوكالة، إلى توقع قيام الولايات المتحدة بفرض عقوبات على تركيا جراء إبرام أنقرة صفقة الصواريخ الدفاعية «إس-٤٠٠» الروسية، ومن الصحيح أن الوكالة أعلنت أن هذه العقوبات المهمة نسبيًا سيكون لها تأثير ضئيل فى الاقتصاد، لكن تأثيرها فى المعنويات (الجهات الاقتصادية الفاعلة) يمكن أن يكون كبيرًا، لا سيما مع إصرار القيادة السياسية التركية على إتمام الصفقة رغم الغضب الأمريكي، ومؤخرًا تسلمت تركيا أجزاء من النظام الصاروخى من روسيا، وبالتالى من المتوقع أن أى تصعيد بين واشنطن وأنقرة سوف يضعف الليرة التركية بصورة كبيرة أمام الدولار الأمريكي.

سعر الفائدة والتضخم
وكان البنك المركزى التركى قد قام برفع سعر الفائدة بمقدار ٦٢٥ نقطة أساسية فى سبتمبر ٢٠١٨ فى أعقاب التدهور الكبير الذى أصاب الليرة التركية، جراء التوترات السياسية والدبلوماسية بين أنقرة وواشنطن إثر اعتقال القس الأمريكى أندرو برانسون، وقد ارتفع سعر الفائدة بصورة كبيرة من (٧.٢٥٪) عام ٢٠١٧ إلى (٢٢.٥٪) عام ٢٠١٨، ليصل حتى الوقت الحالى إلى ٢٤٪، مما يعنى أن سعر الفائدة ارتفع بمقدار (٢٣١٪) تقريبًا خلال ثلاثة أعوام.
وبعد أن تم إقالة محافظ البنك المركزى من قبل أردوغان، فمن المتوقع من قبل المحافظ الجديد أن يقوم – إرضاءً لأردوغان – بتخفيض سعر الفائدة فى الاجتماع القادم للبنك فى الخامس والعشرين من يوليو الحالى بمقدار ٢٠٠ نقطة أساسية على الأقل (أى ٢٪).
وبلغ التضخم فى أكتوبر ٢٠١٨ ما يقارب (٢٥.٢٤٪) جراء أزمة العملة والتوتر الدبلوماسى بين واشنطن وأنقرة، لكنه تراجع تدريجيًا حتى بلغ فى الشهر الحالى (يوليو)، ما يقارب (١٥.٧٢٪)، وتشير البيانات إلى الارتفاع الملحوظ فى معدلات التضخم خلال الفترة من ٢٠١٦ إلى ٢٠١٩، حيث ارتفعت معدلات التضخم من (٧.٧٨٪) عام ٢٠١٦ إلى (١٥.٧٢٪) فى الشهر السادس من ٢٠١٩، الأمر الذى يعنى أن معدل التضخم ارتفع نسبيًا بمقدار (١٣٢٪) خلال أربع سنوات.
وهناك مخاوف حالية من إمكانية عودة ارتفاع التضخم مرة أخرى نظرًا لانخفاض الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي، بعد عزل محافظ البنك المركزى من قبل أردوغان؛ حيث هبطت الليرة ٢٠ قرشًا، وسجل الدولار الأمريكى ٥.٨١ ليرة بعد أن كان عند مستويات ٥.٦٠ ليرة قبل إقالة محافظ البنك المركزي. وعلى الرغم من هذه المخاوف، إلا أن أردوغان صرح خلال لقائه مع عدد من ممثلى الصحف ووسائل الإعلام التركية، يوم الأحد الماضى، فى إسطنبول إلى أنهم يستهدفون خفض معدلات التضخم والفائدة إلى أرقام أحادية، وذلك بنهاية العام الجاري.

مستقبل الاقتصاد التركي
والمتابع للوضع الحالى فى المنطقة يلاحظ أن دول المنطقة جميعها تعانى من المشاكل والأزمات، منها من نجح فى التأقلم مع تلك الأزمات ومحاولة حلها، ومنها من فشل ذلك. 
وتتمثل المشكلة الحالية فى تركيا فى طغيان الجانب السياسى على الجانب الاقتصادي، ولعل ذلك كان بارزًا فيما قام به أردوغان من إقالة محافظ البنك المركزي، على الرغم من أن الأخير كان يقوم بالإجراءات السليمة برفع أسعار الفائدة لاستهداف خفض التضخم المرتفع بصورة كبيرة، لكن أردوغان يصر على التدخل فى السياسات النقدية التى هى من مهام محافظ البنك المركزي، الذى من المفترض أنه يتمتع بالاستقلالية فى اتخاذ القرارات.
ويعانى الاقتصاد التركى فى الوقت الحالى من انخفاض معدلات النمو الاقتصادي، حيث انخفض معدل النمو الاقتصادى فى الربع الأول من العام الحالى بنسبة ٢.٦٪، وهو رقم ضعيف مقارنة بمعدل النمو الاقتصادى الذى بلغ (٧.٤٤٪) عام ٢٠١٧، وتوضح الأرقام تدهور معدلات النمو الاقتصادى بصورة ملحوظة منذ عام ٢٠١٧ حتى الآن، نتيجة للمشكلات الاقتصادية المتتالية التى تعرضت لها تركيا.
كما أن عجز الميزان التجارى التركى قد بلغ خلال الفترة من يناير إلى أبريل ٢٠١٩ ما يقارب (٣.٣) مليار دولار أمريكي، بما يقارب (١.٣) مليار دولار أمريكى خلال شهر أبريل وحده. 
كما أعلن البنك المركزى التركى أن ما قيمته (٥.٢) مليار دولار أمريكى قد نزحت من تركيا خلال شهر أبريل ٢٠١٩. كما أعلن بنك «أفرو آسيا» فرار ٤ آلاف مليونير من تركيا خلال عام ٢٠١٨ن، ويؤثر الوضع الاقتصادى السئ أيضًا على أداء الشركات الخاصة، حيث تقدمت ٢٠٠ شركة تركية بطلبات تسوية إفلاس بسبب الأزمة الاقتصادية، فضلًا عن إعلان ١٢ شركة إفلاسها بالفعل فى أبريل الماضي.
ويبدو أن مستقبل الاقتصاد التركى على موعد مع سلسلة من الأزمات، فمع خفض وكالة «فيتش» تصنيف ديون العملات الأجنبية طويل الأجل إلى BB-، ثلاث درجات دون درجة الاستثمار، ومع ما يعانيه الاقتصاد بالأساس من سوء الإدارة وقلة المصداقية وضعف الاستقلالية، والتضخم وارتفاع أسعار الفائدة، وتباطؤ النمو، وضعف العملة، فإن تركيا سوف تكون دولة طاردة للاستثمارات الأجنبية، لصالح الدول الأوروبية ودول شرق آسيا التى تتمتع بالاستقرار السياسى والاقتصادى وتوفر البيئات الآمنة والمستقرة التى تجذب رؤوس الأموال الأجنبية والاستثمارات الخارجية، كما أنها تتقدم فى المجالات التكنولوجية والتسهيلات الائتمانية، مما يعنى أن الاستثمارات الأجنبية الحالية فى تركيا سوف تغادرها إلى بيئات أكثر استقرارًا وأمانًا.