الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الضمير الجمعي المصري

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عندما تهتز القيم وتفسد الأخلاق وتنهار المبادئ وينتشر الفساد وتسيطر الفوضى، وعندما نحرّم الحلال ونحلّل الحرام، ونتاجر بالأديان، ونحول الإيمان إلى تدين شكلي، عندما ننافق ونرشى ونرتشى وتصبح السرقة فهلوة والرشوة إكرامية والفساد مبررا بألف تبرير، عندما نستهين بالقانون وتصبح القوة هى القانون البديل، عندما نحول العمل والإنتاج إلى قضاء وقت «فلا عمل ولا إنتاج وعلى قد فلوسهم»، عندما تتحول المهن الإنسانية إلى مصدر استرزاق دون النظر لأخلاقيات أو إنسانيات. عندما يحدث هذا وكثير مثله نقول إنه غياب الضمير، فما هذا الضمير الذى بغيابه تحدث كل تلك الأفعال الكارثية؟ يُعرف الضمير فلسفيًا بأنه مركب من خبرات يكتسبها الإنسان وجدانيًا، وتساعده على فهم المسئولية الأخلاقية للسلوكيات التى ينتهجها وسط مجتمعه، وذلك بتمييزه بين الحق والباطل بناءً على وضعه فى المجتمع، فالضمير لا يورث إنما يكتسبه الإنسان من خلال التربية والظروف المعيشية، ويرتبط الضمير كذلك بأداء الواجب؛ حيث إن التقصير فى أداء الواجبات السلوكية يصحبه ما يعرف بتأنيب الضمير، وهو ما يعد قوة دافعة للتهذيب الذاتى الفردى، وبالتالى سيادة الأخلاق الحميدة فى المجتمع. فإذا كان هذا الضمير لا يورث إنما يكتسبه الإنسان من خلال التربية والظروف المعيشية؛ فنستطيع أن نقول إن الضمير الفردى الذاتى هو المجال الخاص جدًا لهذا الضمير وقياسه، فلكل شخص ضميره الخاص الذى اكتسبه وتراكم لديه خلال حياته منذ البداية فى تربيته، وهنا يتفاوت الضمير من شخص لآخر حتى ولو كان الآخر هذا أقرب المقربين منه وله، فاختلاف التربية فى المنزل وما يكتسبه الإنسان من الأصدقاء فى الشارع، وما يُحصله من قيم فى المدرسة وما يدركه من قيم إيمانية دينية فى المؤسسات الدينية، حسب الفكر الدينى الصحيح أو الخاطئ الذى سيصادف هذا الشخص، ثم تأثر الشخص بمجال الثقافة العامة التى تحدد الكثير من السلوكيات والعادات والتقاليد، ولا ننسى ذلك التراث الدينى والاجتماعى والثقافى الموروث، الذى يصل أحيانا كثيرة إلى حد القداسة والتقديس، كل هذه العوامل وغيرها تشكل الجذور الأساسية لإثمار هذا الضمير، ولا شك أن الضمير الفردى والذاتى هو المكون الأساسى للضمير الجمعى فى أى مجتمع فى الإطار العام، مع احتفاظ الضمير الذاتى بتكوينه السلبى أو الإيجابى بخصوصيته فى الإطار العام. وإذا كان الضمير الذاتى والجمعى ابن مجتمعه وظروفه المعيشية التى تختلف باختلاف الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فلا يمكن أن يتطابق الضمير وما يحركه من عواطف وأحاسيس ومعتقدات بين منطقة وأخرى أو دولة وأخرى ناهيك عن قارة وقارة أخرى، فالذى يتوافق هنا مع هذا الضمير لا يتوافق هناك، بل يمكن أن يكون الفعل السلبى إيجابيا ومقبولا فى مكان ومرفوضا فى مكان آخر. وعلى ذلك ما العوامل التى أثرت فى مكونات الضمير الفردى، وبالتالى فى الضمير الجمعى المصرى؟ لا شك أن الأساس هو ما يطلق عليه تأنيب الضمير، أى الشعور بالذنب ولوم النفس، عندما يقترف الشخص فعلًا أو قولًا يخالف المتوافق عليه فكريًا ومجتمعيًا، لكن الإشكالية هنا فى هذا المتوافق أو المتفق عليه، فهل هذا المتوافق عليه ما زال موضع احترام وتقدير يجعل الضمير ملتزما به؟ أم أن الظروف المعيشية والاجتماعية مع التقدم العلمى الذى اجتاح العالم مع ثورة الاتصالات العاتية التى سيطرت على الأفكار والسلوكيات بمفاهيم جديدة وغريبة عن كل المألوف، مما جعل السلوك والعادات والتقاليد تتفكك مصادرها ويبهت ضوؤها فى ظل هذه السطوة العولمية، قد أثرت على ما هو متفق عليه مجتمعيًا؟ وفى المقابل لا نسقط المشكلة الاقتصادية التى تربعت على حياتنا منذ عقود، وقلبت الخريطة الاجتماعية رأسًا على عقب، مما جعل هناك طبقات ظهرت وأخرى اختفت بعوامل استثنائية بعيدًا عن التطور الطبيعى اقتصاديًا واجتماعيًا، ناهيك عن سقوط الطبقة المتوسطة من فالق، بالإضافة إلى الكثافة السكانية التى تعدت كل مقدرات أى خطط تنموية لمواجهتها. كل هذه العوامل جعلت الحاجة المادية هى الأساس والهدف، بل وبررت السعى إليها بطرق مشروعة وغير مشروعة، ولهذه الظروف كانت هناك تربة خصبة لنضوج الفساد بكل الطرق وبشتى الأساليب، حيث إن هذه الظروف المعيشية كانت قد غيرت بوصلة الضمير الفردى لهذا الفرد الذى لا يجد قوت يومه وقوت أبنائه، فكان من الطبيعى أن يتحول الضمير الجمعى أيضًا، مما جعل المجالين الذاتى والجمعى يبرر كل منهما للآخر تغير السلوك وانحراف المبدأ وتبرير الخطأ تحت اسم الحاجة، خاصةً أن الفساد الذى هو مسئولية الجميع، سواء كان الفاسد أو من يساعده على الفساد تحت أى مبرر فهو فاسد أيضًا، قد أثر فى النوازع الإيجابية للضمير، ولما كانت الحياة وحدة واحدة فلا فصل ولا انفصال بين مجال وآخر، حيث إن المواطن هو المواطن، والجميع يعيش فى مجتمعه وتحكمه نفس الظروف وتوجهه نفس الملابسات التى تؤثر فى الجميع، ولذا تأثر الفكر الدينى وأصبح الإيمان الذى هو ما وقر فى القلب وصدقه العمل، تحول إلى إيمان شكلى مظهرى، نذهب للكنيسة والمسجد ونؤدى الطقوس ونحافظ على الشكل، ولكن السلوك والعمل يتناقض كل التناقض مع هذا الشكل، هنا تأثر أيضًا الضمير الذى هو إنتاج سلوك وتربية وتدين وثقافة، فهل لنا أن نعيد إحياء هذا الضمير مرة أخرى من خلال تلك المصادر التى نمتلكها، حيث إن مصر هى فجر الضمير للعالم كله؟ 
البداية هنا للضمير الشخصى والذاتى مهما كانت سطوة الضمير الجمعي، فهل يبدأ كل منا من خلال ضميره الفردى، حتى يتحول ضميرنا الجمعى كما كان طوال التاريخ؟ 
حمى الله مصر وشعبها العظيم.