السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

خبراء فنون شعبية يكشفون أسباب انهيار فرقة رضا

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عدة أيام تفصلنا عن ذكرى مرور ستين عاما على إنشاء أهم وأقدم فرقة فن استعراضى فى تاريخ مصر والعالم العربي، وهى فرقة رضا، التى أسسها الفنان العالمى محمود رضا، وانطلقت لتحلق فى سماء الفن يوم 6 أغسطس من عام 1959.
أيام قليلة وتصل الفرقة الأولى إلى سن الستين؛ وهو ما يدفعنا إلى أن نفتح جميع ملفات هذه الفرقة لنتساءل وندق ناقوس الخطر حول مستواها ومستقبلها، وماذا يراد للفرقة خلال الفترة المقبلة، خاصة أن المتابع المنصف لأداء الفرقة يستطيع أن يلمح بسهولة ويسر تراجعها خلال الفترة الأخيرة، فهل ستحال الفرقة إلى التقاعد بوصولها إلى سن المعاش، أم سيقوم المسئولين عنها بإدخالها الإنعاش للنهوض بها.
«البوابة نيوز» خلال هذا الملف تلقى نظرة سريعة على تاريخ إنشاء الفرقة الراقصة؛ كما تستعرض عدة آراء لخبراء الفن الشعبى فى مصر، على أن يظل القوس مفتوحا طوال الفترة المقبلة إلى أن تنال الفرقة المكانة التى تليق بها..
قال الدكتور مدحت فهمي، رئيس البيت الفنى للفنون الشعبية والاستعراضية الأسبق، وأحد أعضاء الفرقة السابقين؛ إن فرقة رضا لم يعد لها أى تواجد حقيقى الآن، نظرًا لما حدث لها من انغلاق وعدم ضخ دماء جديدة لها منذ عام ٢٠١١، لا سيما بعد قرار الدولة بعدم التعاقد مع أى عناصر جديدة من الخارج. 
وتابع فهمي، أن الدولة متمثلة فى وزارة الثقافة، يجب أن تعى أهمية فرقة رضا ودورها الكبير فى الثقافة الشعبية، فهى الفرقة التى تعبر عن الرقص الشعبي، حيث إنه لا يوجد استراتيجية واضحة للثقافة فى مصر، فهل هذه هى فرقة رضا التى كانت تجوب العالم وتقدم فنها أمام الملوك ورؤساء الدول؟ وهل ما نشاهده الآن من رقص هو معبر عن الثقافة المصرية وفنها الشعبي؟ فالجميع لن ينسى أن فيلم «غرام فى الكرنك»، الذى مكث لمدة ٥٢ أسبوعًا يقدم فى السينما وحقق نجاحًا باهرًا، أما ما نجده الآن من وضع متدنٍ للفرقة وهم لا يعرفون شيئًا عن تاريخها أو منهجها، الذى أنشأه محمود رضا. وأشار إلى أن الفرقة بعدما تحولت من فرقة خاصة إلى فرقة تابعة للدولة، أصبحت تقدم أعمالًا مهمة، وكانت معبرة بشكل حقيقى عن الثقافة الشعبية المصرية، وكان أعضاؤها من الجيل الأول «جيل الرواد» لم تصبهم لعنة الوظيفة والروتين الوظيفي، نظرًا لوجود الفنان محمود رضا، وظل الوضع حتى خروجه إلى المعاش؛ فمن جاء بعده كان يخشى فكرة المقارنة مع ما قدمه رضا من تصميمات للفرقة، وذلك الخوف هو ما جعل الكثير من الرواد لا يقدمون على تصميم رقصات جديدة للفرقة؛ رغم أنهم يقومون بتصميمات غاية فى الإبداع، ولكن خارج نطاق الفرقة.
مستكملًا: أنه إذا لم يتم النظر بشكل مختلف فى التعاطى مع فرقة رضا، والعمل على ضخ دماء جديدة بها، فإغلاقها بات ضروريًا، لأنها تُعد إهدارًا للمال العام، فكان آخر جيل دخل الفرقة قبل عام ٢٠١١، وبعدها توقفت التعيينات بالدولة، أو حتى نظام التعاقد قد تغير، وهو الشيء الذى لا يجوز تطبيقه على فرق الرقص، لأن الراقص له عمر معين، فبعد بلوغه سن الـ ٤٠ لا يستطيع الراقص أداء ما كان يقدمه من قبل، من حيث لياقته البدنية أو قدرته على الاستمرار فى تقديم حركات راقصة بشكل جيد، فيجب أن تكون هناك رؤية واستراتيجية مغايرة، فالراقص مثله مثل لاعب السيرك له عُمر معين، وبعدها يجب أن يتوقف، والآن الأعمار قد قاربت على هذه السن، فكيف سيكون الجميع مدربين؟ ومن هم الذين سيقومون بتدريبهم، أين الشباب الذين يمكن أن يلتحقوا بالفرقة؟ حتى يخرج لنا جيل جديد؟ كما أن فكرة الاستعانة بأعضاء لمدة معينة كم سيأخذون فالمرتبات أصبحت متدنية جدًا، ولا تغطى تكاليف معيشة الراقص. متسائلًا: أين فرقة رضا الآن وسط هذا الكم من الهوس بأغانى المهرجانات، والإعلانات التى لا تعبر عن الثقافة والهوية المصرية؟
قال الدكتور حسام محسب، إن أزمة فرقة رضا، بدأت من قبل عام ٢٠١١، والمتعلقة بوقف التعيينات، ولكنها بدأت قبل ذلك بكثير، حيث إن الراقصين الذين تم اختيارهم سواء للفرقة القومية أو لفرقة رضا، هل هم كانوا على المستوى الفنى المطلوب؟ وهل اهتمت الدولة باختيار مُدربين أو مصممين دارسين بشكل حقيقي؟ وهنا يجب الإجابة عن تلك التساؤلات، فالقواعد واحدة والبدايات واحدة، ويجب أن يكون الراقص أو المدرب قد درس فنون الرقص. 
وتابع «محسب» أن المشكلة التى تعانيها فرقة رضا أكبر من أن يكون مدير الفرقة من أحد خريجى معهد الباليه، بلا شك فهو يستطيع، ولكن الإشكالية هنا هل هو قادر أو لديه القدرة على إدارة هذا العمل؟ فالمكان الوحيد الذى يتخرج فيه مؤهلون لتعليم الرقص هو معهد الباليه، والإشكالية الأكبر هى هل هناك دعم أو ميزانية يستطيع من خلالها الفنان تقديم أعمال تليق بالفرقة، فهناك مشاكل مرتبطة بآلية وجود فرقة رضا أو الفرقة القومية أو فرق الفنون الشعبية بداخل البيت الفني، وكيفية التعامل معها، فكل تلك الأمور هى السبب الرئيسى فى وجود وازدهار الفرقة أو اختفائها.
أكدت الدكتورة سمر سعيد، أستاذ الرقص الشعبى بالمعهد العالى للفنون الشعبية، وعضو المكتب الفنى بفرقة رضا، أن الفرقة استطاعت فى بدايتها تحقيق نجاح باهر، وأن تكون معبرة بشكل كبير عن التراث والموروث الثقافى المصري، من خلال جيل الرواد للفرقة، وحتى نهاية فترة رئاسة محمود رضا لها، والتى قدمت خلالها أعظم التابلوهات والاستعراضات الفنية، ولكن الجيل الجديد من الفرقة، للأسف لم يعرف الكثير عن الفرقة ولا عن تاريخها، سوى الاسم فقط، رغم أن الحركات والتدريبات الخاصة بالفنان محمود رضا ما زالت تدرس حتى الآن، وجميع أعضاء الفرقة الحاليين يحفظونها ويؤدونها. 
وتابعت «سعيد»، «فعلى سبيل المثال الرقصة النوبية التى قدمها الفنان محمود رضا، كانت مبهرة، ولكن لم تستطع الأجيال المتلاحقة فى الفرقة تطويرها، أو تقديم شكل آخر للرقصة، علمًا بأن النوبة مليئة بالموروث الثقافى، كما أن هناك تطورات كبيرة حدثت فى المجتمع وعلى المصممين العودة للمجتمع والبيئة لاستلهام العديد من الرقصات، والتى تعود بالنفع على الفرقة.
وعما إذا كان هناك فرق فى تحول الفرقة من فرقة خاصة إلى فرقة تابعة للدولة، قالت: «فى الحقيقة أن الفترة التى كان فيها محمود رضا رئيسًا للفرقة، لم يكن هناك أى مشاكل، بل على العكس حتى اللحظات الأخيرة كان محمود رضا يقدم رقصات جديدة، أما الآن فأصبح الوضع مختلفًا فتحول هدف الفرقة من الفن لأجل الفن، لتحول الفنان بداخل الفرقة إلى مجرد موظف، وبالتالى تم قتل الفنان الذى بداخله، حيث إن الوظيفة تقتل الإبداع مع مرور الوقت، وتحولت إلى مجرد روتين، واقتصر الأمر على التوقيع فى سجلات الحضور والانصراف، حيث أصبح أكثر من نصف أعضاء الفرقة إداريين». 
مستكملة: «كما أن الروتين عمل على «خنق» الفرقة وقتل الفنان، فعلى سبيل المثال، إذا كان يتم مناقشة بند الملابس، فنجد أننا أمام قائمة من الروتين والميزانية والبند وعدم سماح البند بتجديد الملابس، فيجد الفنان نفسه أمام قائمة مطولة من الروتين والعراقيل التى تعوقه عن استكمال إبداعه وفنه، خاصة أن فرقة رضا تتميز بأسلوب مختلف عن باقى الفرق الأخرى». 
وأشارت «سعيد» إلى أن هناك بعض المحاولات التى يقوم بها البيت الفنى للفنون الشعبية، وهى جميعها مبادرات محمودة، ولكن يغيب عنها وجود الاستراتيجية والرؤية الواضحة، والخطة الزمنية، وطرق التنفيذ، فعلى سبيل المثال، فكرة ضخ دماء جديدة لفرقة رضا، والتى تمثلت فى عرض «فرحانة»، الذى عرض فى افتتاح مسرح محمد عبدالوهاب بالإسكندرية، لم يكن فى الحقيقة على المستوى المطلوب، والمعروف عن فرقة رضا لا سيما أنه تمت الاستعانة بعناصر جديدة للفرقة، كما أن اختيار العناصر التى تقود الفرقة فى الفترات المتعاقبة، لم ترق للمستوى المطلوب، والتى تعانى غياب الرؤية، حيث كان الروتين هو الغالب على هؤلاء المديرين، وكان عامل اختيارهم وفقًا للأقدمية أو على حسب الهوى، أو وفقًا للقواعد الفنية التى تحكمها، بغض النظر عن مدى صلاحيته لقيادة تلك الفرقة العظيمة، أو يكون ملمًا بكل ما يتعلق بالفرقة وتاريخها، والتى تحتاج إلى شخص يمسك بيدها لتخرج من تلك الكبوة. 
كما أن الراقصين الحاليين لم يخرج منهم من يستطع استكمال مسيرة الرواد، وعدم ضخ دماء جديدة للفرقة، واقتصار الأدوار الرئيسية للراقصين القدامى، بمعنى أدق احتكار الرقصات المتميزة للفرقة على الراقصين الذى لهم عدد سنوات كثيرة، فمن الصعب أن نجد راقصة جديدة تأخذ دورًا فى الرقصات المهمة للفرقة، مهما كانت متميزة أو راقصة ماهرة، كما أن الراقصين الجدد لا يتاح لهم السفر للخارج.. إلخ. وهنا يجب التنويه على ضرورة أخذ رأى المتخصصين والاستعانة بهم سواء من داخل وزارة الثقافة، أو أكاديمية الفنون لا سيما معهد الفنون الشعبية.