الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

محمود رضا يحكي أسرار تأسيس فرقته: فتحي رضوان تحمس للفكرة.. ويحيى حقي خذلني

الفنان العالمى محمود
الفنان العالمى محمود رضا
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عدة أيام تفصلنا عن ذكرى مرور ستين عاما على إنشاء أهم وأقدم فرقة فن استعراضى فى تاريخ مصر والعالم العربي، وهى فرقة رضا، التى أسسها الفنان العالمى محمود رضا، وانطلقت لتحلق فى سماء الفن يوم 6 أغسطس من عام 1959.
أيام قليلة وتصل الفرقة الأولى إلى سن الستين؛ وهو ما يدفعنا إلى أن نفتح جميع ملفات هذه الفرقة لنتساءل وندق ناقوس الخطر حول مستواها ومستقبلها، وماذا يراد للفرقة خلال الفترة المقبلة، خاصة أن المتابع المنصف لأداء الفرقة يستطيع أن يلمح بسهولة ويسر تراجعها خلال الفترة الأخيرة، فهل ستحال الفرقة إلى التقاعد بوصولها إلى سن المعاش، أم سيقوم المسئولين عنها بإدخالها الإنعاش للنهوض بها.
«البوابة» خلال هذا الملف تلقى نظرة سريعة على تاريخ إنشاء الفرقة الراقصة؛ كما تستعرض عدة آراء لخبراء الفن الشعبى فى مصر، على أن يظل القوس مفتوحا طوال الفترة المقبلة إلى أن تنال الفرقة المكانة التى تليق بها..
يُعد فن الرقص الشعبى أحد العناصر المهمة فى التراث الشعبي، كما أنه يعبر بصدق عن مشاعر الشعوب ووجدانها، ويعكس مظاهر البيئة الاجتماعية والتقاليد الموروثة، وهو فرع من فروع الفنون الشعبية وبالتحديد الفنون الأدائية، والتى تعبر عن ثقافة الشعوب وموروثها الثقافى.
وتُعد فرقة رضا من أهم الفرق المصرية التى عبرت عن التراث المصرى وموروثها الثقافى من عادات ومعتقدات وتقاليد وحكايات وموسيقى شعبية، والتى استطاعت أن تكون خير سفير للفن الشعبى المصري، بكل مشتقاته بدءًا من موسيقى على إسماعيل، والذى استطاع إبراز الهوية المصرية الوطنية فى جميع ألحانه الموسيقية، لا سيما التى قدمها مع فرقة رضا، ووصولًا إلى مؤسسها الفنان الكبير محمود رضا، والذى يُعد أكاديمية فنية شاملة بأبحاثها العلمية، وتطبيقاتها العملية. 
بدأ الفنان محمود رضا اهتمامه بالفنون فى سن مبكرة، حيث تعلم رقص الباليه، وبدأ يهتم بالرقص الاستعراضي، وكان حريصًا على متابعة الأفلام الاستعراضية، لا سيما الأمريكية منها، وكان لاشتراكه بنادى «هليوليدو»، والذى كان يضم العديد من الجنسيات الأجنبية، أو من المصريين من أصل أجنبى فى تكوين أول فرقة استعراضية، التى تكونت من خمس فتيات وخمسة فتيان من أعضاء النادي، وقدم من خلال تلك الفرقة الصغيرة عدد الحفلات الشهرية بالنادي، والغريب أن الفنان أسامة عباس كان من بين أعضاء تلك الفرقة.
وفى عام ١٩٥٤، انضم رضا إلى فرقة «ألاريا» الأرجنتينية، وشارك معها فى عروضها التى قدمتها فى القاهرة والإسكندرية وروما وباريس، ما أسهم فى إعطائه ثقة فى نفسه وبقدراته الاستعراضية، كما أكسبته خبرة فى تصميم الرقصات من خلال تجاربه العملية مع الفرقة وسفره معهم. 
ووجد رضا بداخله دافعًا قويًّا فى إنشاء فرقة للفنون الشعبية المصرية، وجاء ذلك بعدما حقق نجاحًا كبيرًا فى أوبريت «يا ليل يا عين» من إخراج الفنان زكى طليمات، فكان لديه وعى كبير بالفرق بين الرقص الاستعراضى، الذى يقوم على استلهام الرقص الشعبى وبين رقص الباليه، ومن هنا وجد رضا الفرصة مواتية لكى يعرض على «فتحى رضوان» وزير الإرشاد وقتها «الثقافة حاليًّا» فكرة تكوين فرقة للفنون الشعبية تكون تابعة للوزارة، وذلك فى عام ١٩٥٧ بعد انتهاء الميزانية التى تم تخصيصها لأوبريت «يا ليل يا عين»، وتفرق كل أعضائها، وعاد كل فنان إلى عمله الأصلي.
ورحب رضوان فى البداية بالفكرة ووعد بتبنيها، وبالفعل بدأ رضا فى الإعلان عن طلب راقصين وقام بتدريبهم.
ولقصة هذا الإعلان وتكوين الفرقة حكاية تحدث عنها محمود رضا بنفسه فى رسالة دكتوراه تحت عنوان «محمود رضا والرقص الشعبى فى مصر» للدكتورة سمر سعيد، ويقول رضا: «كانت لقاءاتى مع الوزير فى مكتبه الذى كان مفتوحًا أمامى فى أى وقت لكى أطلعه على سير المشروع أولًا بأول، واخترت من المتقدمين عددًا من الشبان والبنات، وأمضيت عدة شهور فى امتحانهم وتدريبهم، وجهزت لكل منهم بطاقة بها الصور والاسم والعمل والدراسة وجميع البيانات المطلوبة، والأجر الشهرى مقابل عمله بالفرقة، وكانت الأجور متواضعة جدًا لا تزيد على عشرة جنيهات فى الشهر، وحددت موعدا مع الوزير للتعرف على أعضاء الفرقة والموافقة على المشروع والميزانية، وكان ذلك على خشبة مسرح الأوبرا، ودعانى الوزير إلى اجتماع بمكتب شكرى راغب، مدير المسرح، وبحضور يحيى حقي، وبادرنى بقوله: أنا مقدرش أدفع ١٠ و١٢ جنيها، أنا باقترح مؤقتا ستة جنيهات فى الشهر، لحد ما نعرف أيه الحكاية»، وفوجئت بهذا الكلام، وهذا التغير المفاجئ فى المعاملة بعد الحماسة التى أبداها الوزير من قبل، فلا بد أنه قد وجد شيئا لا أعرفه». 
وكان وقتها محمود رضا ينتظر دعمًّا للفنانين من قبل كل من الأديب يحيى حقى، وشكرى راغب، مدير مسرح الأوبرا، والذى وصفه بـ«أبو الفنانين»، إلا أنهما خذلاه، وأخذا ينقصان من أجور الفنانين، وهو الشيء الذى جعل رضا يشعر بعدم التقدير والاستهانة.
ويقول رضا: «انسحبت من المشروع وعلمت فيما بعد أن المعهد العالى للتربية الرياضية للبنات قد عرض على الوزير القيام بإنشاء الفرقة، ووافق سيادته، وما حدث فى دار الأوبرا لم يكن إلا طريقة للتخلص منى ومن مشروعي، وبعد مدة من تولى المعهد للمشروع فشل أيضًا وتوقف، المهم أن الصحف أخذت تطالبنى بسداد فواتير الإعلانات التى وعدنى الوزير بسدادها، ولكنى لم أتمكن من مقابلة الوزير كسابق العهد، ولم أستطع سداد هذه الفواتير، واستمرت الصحف فى مطاردتي».
وهنا قرر محمود رضا بالتعاون مع أخيه على رضا وعائلة حسين فهمى إنشاء فرقة خاصة، لتظهر لنا فرقة رضا، والتى بدأت بعدما حررت استمارة المشاركة فى مسابقة الرقص الشعبى فى مهرجان الشباب بموسكو عام ١٩٥٧، وكانت أولى رقصات الفرقة رقصة بعنوان «أبين زين» وكان استقبال الجمهور الروسى والمتفرجين من جميع أنحاء العالم غير متوقع، فكان التصفيق مع الموسيقى على الواحدة، لدرجة أن المسئولين عن المسابقة طالبوا الفرقة بتقديم رقصة أخرى لكن محمود رضا رفض، وفازت الفرقة بالمركز الثالث وحازت على الميدالية وشهادات تقدير.
وبدأت الفرقة بتقديم أول برنامج لها يوم ٦ أغسطس عام ١٩٥٩ على مسرح ٢٦ يوليو المكشوف «حديقة الأزبكية»، بعد اكتمال عناصر الفرقة من راقصين وموسيقيين وأغانٍ وملابس وديكور، وكان أول برنامج عبارة عن فقرات فنية متنوعة استخدم فيها رضا مهاراته فى فن الباليه واستلهامه من حياته العادية بحى السيدة زينب، وما رآه من عادات وتقاليد فى الموالد الشعبية، وهو الشيء الذى لاقى استحسانًا وتشجيعًا كبيرين من الجمهور. 
حتى عرض الدكتور عبدالقادر حاتم على محمود رضا فى عام ١٩٦١ الانضمام إلى الدولة، لتبدأ الفرقة منحى آخر بوصفها فرقة خاصة، لتصبح من أهم فرق الدولة، حيث إن الرئيس جمال عبدالناصر يولى اهتمامًا كبيرًا بالفرقة، وكان دائمًا ما يطلب منهم تقديم عروضهم أمام ملوك ورؤساء العالم. 
ففى البداية، قامت الدولة بتوفير كافة الإمكانيات للفرقة، فتمكنت من زيادة عدد الراقصين، والذى وصل عددهم إلى ما يقرب من ثمانين راقصًا وراقصة، ووصل عدد أعضاء الفرقة الموسيقية إلى ما يقرب من مائة عازف وكورال، وذلك بعد أن كان عدد راقصيها لا يتجاوز ١٥ راقصا، وعدد الموسيقيين نحو ٢٥ فقط.