الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

المسرح وثورة يوليو.. عروض الستينيات شاهد على زمن الفن الجميل

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«منذ اندلاع شرارة ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، على أيدى حركة الضباط الأحرار ضد الملكية والاستعمار، ازدهرت عقبها العديد من المجالات السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والفنية، وغيرها، التى نتج عنها نشأة وزارة الثقافة على أيدى الدكتور ثروت عكاشة، التى أعطت دفعه قوية لكافة أشكال الفنون والآداب، كذلك مجلس الفنون والآداب، ومصلحة الفنون الذى ترأسه يحيى حقى لحفظ التراث الشعبي، إضافة إلى المسرح القومي، الذى ازدهر فى إدارة أحمد حمروش أحد حركة الضباط الأحرا، وتوالى ازدهار الأعمال المسرحية».
شهد منتصف أغسطس من عام ١٩٥٢ قيام فنانى المسرح وقياداته بمباركة لحركة الجيش وتقدم له الإعلام المساند لحركة يوليو، وكان المسرح فى ذلك الوقت بمثابة وسيلة الدعاية للجمهور، حيث نتج عن هذه الثورة مسرح الستينيات الذى ازدهر فى عهد الزعيم جمال عبدالناصر، حيث تأثر كتاب المسرح المصرى بالمناخ الثورى واقتناعهم بأهداف الثورة، التى نجحت فى أن توقظ فيهم الإحساس بالقومية والمسئولية والالتزام، فظهر الكاتب المسرحى القادر على استلهام الواقع وربط الفكر بالحياة، والتوغل إلى صميم معترك الأحداث والمتناقضات الاجتماعية من بينهم توفيق الحكيم، نعمان عاشور، ألفريد فرج، سعدالدين وهبة، يوسف إدريس، لطفى الخولى وغيرهم، إلى جانب ميلاد مجموعة كبيرة من المخرجين والفنانين الذين عبروا من خلال القوة الناعمة عن مناقشة قضايا وهموم الوطن.

مسرح يوليو وما بعده..
تشكلت عناصر المسرح المصرى فى بداية الستينيات ولحق بها عمليات تطوير وتحديث وتحويل للمسارات خلال فترة السبعينيات والتسعينيات وبعد ما يقترب من ٧٠ عاما على انطلاق مشروع تبنى الدولة لمشروع مسرحى كبير، سواء عبر تبنى مشروع خاص بتنمية المجتمعات المحلية وذلك عبر مشروع قصور الثقافة الذى تم نقل أسسه من الكتل الاشتراكية فى الستينيات أو المسرح المحترف فى القاهرة والإسكندرية. فننظر للرؤية المزدوجة للمسرح داخل هذا المشروع الثقافى للدولة فى مرحلة «مسرح يوليو»،حيث تبنت الدولة رؤيتين مختلفتين للمسرح وهى المسرح كمشروع تنموى يهدف إلى تحقيق تنمية ثقافية واجتماعية للمجتمع بكل ما يتخلله المشروع من الصراعات بين المبدعين والنقاد ما بعد فترة الاستعمارية الذى تبنت المسرح الشعبى أو التراثى من ناحية، وبين فريق المبدعين والنقاد أيضا الذين تبنوا مشروع التطوير والتحديث والتعليم والتثقيف للمجتمع وسط هذا الانفتاح الثقافى الأوروبى والعالمي، وانتهى هذا الصراع بالتسامح المتبادل بين الطرفين بالإضافة إلى تمازج فى بعض الحالات، أما الرؤية الثانية التى تبنتها الدولة للمسرح وهى التعامل معه على أنه إحدى وسائل الإعلام التى تمتلكها الدولة، وتهدف إلى الدعاية للنظام والحفاظ عليه، وذلك ما نجده فى تناول الدكتور ثروت عكاشة لقضية الصراع بين رؤية ومهام وزارة الثقافة ورؤية الدكتور عبدالقادر حاتم والرئيس جمال عبدالناصر الذى أخص بها الإعلام المرئى منه باهتمام يفوق كل الحدود، حتى لو كانت ثمة ازدواج بين الناشطين الثقافى والإعلامى المرئى على أنه خير وسيلة إلى كل المنازل.
وفى حالة الاستقرار السياسى تستقر مؤسسات الدولة الرسمية المسرحية خلال العقود السابقة الذى ارتبط بها العقد الاجتماعى بين الدولة والمجتمع بعقودها السابقة، وبالاستراتيجيات التى تنتهج عليها الدولة لتدعيم وتوسيع مجال حضورها سياسيا واجتماعيا وذلك عبر التنمية الثقافية أو عبر الدور الإعلامي، وتضع المؤسسات فى ذاتها المهام الرئيسية لتتحرك بعيدا عن الفروق الشخصية فى الإدارة، حيث نجد منذ انطلاق الصراع الدموى مع التيار الإسلامى منذ بداية فترة الثمانينيات من القرن الماضى فظهرت مجموعة من الشعارات والتوجهات من قبل المؤسسات الرسمية بالدولة نحو تبنى توجه محدد على مستوى العرض المسرحى وظهرت مجموعة من المصطلحات مثل التنوير، ومواجهة الإرهاب، ومواجهة التطرف إلى آخره، وذلك بمثابة جزء أساسى من سياسات الدولة الثقافية، وتلاقت مصالح الدولة فى حفظ النظام فى تحقيق مشروعها الثقافى مع توجهات المثقفين والفنانين فى مواجهة القوى الإسلامية التى كانت تنطلق من الترويج لعقد اجتماعى بديل مع المجتمع الذى يختفى منه الدعم الاقتصادى والاجتماعى والثقافى إلى آخره، وذلك فى مقابل استمرارية انتزاع الحريات العامة.

التوجهات الأساسية
اتجه المسرح نحو تبنى مشروع قائم على ٣ توجهات أساسية أولها «المسرح كخدمة عامة للمجتمع» يهدف إلى تحقيق التنمية المجتمعية التى تحمل على عاتقها الجمهور من أبناء الطبقة الوسطى فى المدن والريف، وثانيها الدور الإعلامى للترويج نحو مواجهة الإرهاب ونشر الأفكار التنويرية وتصحيح الأفكار المغلوطة وتحسين صورة الدولة المصرية والعمل على نشر القيم الوطنية، وثالثها الارتباط بالممارسين للمسرح داخل المؤسسة الرسمية بهدف دفع عجلة الدولة إلى مزيد من الحريات العامة وإتاحة مساحة أكبر للدعم، والعلاقة التبادلية بين المسرح والمجتمع، والمثقف الذى يعمل بتلك المؤسسات ليس بالكفاءة الجيدة ولا ينتمى للمؤسسة أو لمشروع الدولة وهذا تعبير عن حال المجتمع، ويتراجع مسرح يوليو بشكل انحدارى وتتغير ملامحه وتحول إلى المسرح التجارى والهواة والمستقلين إلى آخره.
بدأت الدولة منذ فترة السبعينيات تبنى التحول الاقتصادى تجاه سياسات السوق الحرة وتبنى النظام الرأسمالي، وذلك أصبح العقد الاجتماعى بين الدولة فى تداعيه للانهيار وتفتيت المؤسسات وانهيارها البطيء والمستمر حتى الوقت الراهن، وبدأ تدريجيا تراجع مسرح المؤسسات الرسمية وذلك بعد تعرض تلك المؤسسات إلى معاناه أزمات تهدد وجودها وتقليص حضورها، وأصبح المسرح يقوم بالدور الدعائى والنقدى ويتراجع عن دوره الخدمى وهذا ما نشهده الآن، ولكن عندما تساند الدولة مؤسساتها الرسمية وتقديم الدعم الدائم لها من الناحية المادية والمعنوية حتى لا يختفى المسرح، ويقوم بدوره التنويرى وتصحيح الأفكار المغلوطة، وتمتلك الدولة مجموعة من المؤسسات المنتجة للعروض المسرحية ذات تاريخها العريق فى هذا المجال مثل البيت الفنى للمسرح، والهيئة العامة لقصور الثقافة، والبيت الفنى للفنون الشعبية والاستعراضية، ومسرح الهناجر، دار الأوبرا، وصندوق التنمية الثقافية، الذى يساهم أحيانا بالدعم المادى لعروض بعض الفرق الحرة والمستقلة، فكل مؤسسة من تلك المؤسسات لها رؤيتها الخاصة لإنتاجها وفق خصوصياتها وطبيعياتها وامتلاكها أكبر قدر من الفرق المسرحية، ولكن ما تشاهده العروض المسرحية الآن فى قلة جمهورها وتراجعه، وأصبحت مسارح الدولة تستهدف شريحة معينة من الجمهور، تقتصر على محافظة القاهرة فقط وأصبحت مسارح الأقاليم خارج نطاق الخدمة، ومعظمها يخضع للانغلاق الدائم بحجة الصيانة والترميمات، وأدت إلى تعطش الكثير من القرى والنجوع للمسرح التنويرى واحتياجنا له فى الوقت الراهن لدحر الجماعات المتطرفة وتصحيح الأفكار المغلوطة، وعندما ظهرت آفة المهرجانات المسرحية التى فقدت قيمتها الآن وأصبحت تتبنى فكرة الانحراف عن مسارها الحقيقى فى تكريم بعض الشخصيات العربية الثابتة بهدف تبادل التكريمات والابتعاد عن الهدف الحقيقى تجاه العروض المسرحية، وتحول الكثير من القيادات المسرحية فى المؤسسات الرسمية إلى نفس النهج، إلى متى ننظر للنهضة المسرحية والتطوير وبعض قياداتها تنظر لها من منظورها الشخصى على حساب تلك المؤسسة؟.

مسرح التليفزيون..
حينما نتذكر «مسرح التليفزيون» يحضر فى أذهاننا سريعا فترة مسرح الستينيات ويرجع ذلك بسبب شهرته فى تلك الفترة وتوصل التليفزيون لإنشاء فرقته المسرحية الخاصة فى ١٩٦٢م، سعيا فى سد النقص وتزويد عدد ساعات الإرسال للتليفزيون بمادة ثقافية ممتعة، مما جعله يفكر فى بث منتج جديد غير البرامج والأفلام السينمائية والخروج بفكرة إنشاء فرقته المسرحية شرط أن تقدم أياما محددة للجمهور وذلك حتى يتم ضمان جودتها وتكامل عناصرها، فقد تأسس فى تلك الفترة ٣ فرق مسرحية وهى «النهضة» و«الحرية» و«السلام»، بالإضافة إلى ٤ فرق أخرى وهى «الشعب»، «التحرير»، «النصر»، «الكوميدي» لتقدم السبع فرق ١٨ عرضا فى الموسم الشتوي، ١٦ عرضا مسرحيا فى الموسم الصيفي، حيث تم تقسيمهم إلى ٤ فرق وهى فرقة المسرح الكوميدي، وفرقة المسرح الحديث، وفرقة المسرح العالمي، وفرقة مسرح الحكيم.
تأسست فرقة المسرح الحديث فى ١٩٦٢م، وتولى إدارتها محمود موسى، عبدالرحيم الزرقاني، كمال يس وغيرهم من الفنانين، تناولت القضايا المجتمعية المعاصرة لتقديم جيل جديد المبدعين فى مختلف العناصر المسرحية، بينما تأسست فرقة المسرح الكوميدى فى نفس العام، وتولى إدارتها محمود السباع، حيث حققت نجاحا جماهيريا كبيرا منذ الوهلة الأولى، على يد مجموعة كبيرة من نجوم الكوميديا الراسخين وهم فؤاد المهندس، شويكار، عبدالمنعم مدبولي، محمد عوض، ميمى جمال، زوزو شكيب، أبوبكر عزت، وغيرهم ومن مسرحياتها المخلدة «أنا وهو وهي، السكرتير الفني، أنا فين وانت فين، حالة حب، وغيرها»، أما فرقة الحكيم فتأسست فى ١٩٦٣ وكان يرجع تسميتها تقديرا للكاتب «توفيق الحكيم»، وتخصص مسرح محمد فريد بشارع عمادالدين مقرا لها، وكان هدفها الأساسى هو تقديم مسرحيات لكبار الكتاب منهم توفيق الحكيم، ويليام شكسبير، وكان المسئول عن تلك الفرقة «سعد أردش، نبيل الألفي، جلال الشرقاوي، كمال يس»، بينما تأسست فرقة المسرح العالمى أيضا فى ذلك العام، والتى بدأت أعمالها بـ «عطيل» لويليام شكسبير، وتولى نشاطها الفنان حمدى غيث، بالإضافة إلى عدة أعمال منها «أنتيجون» لسوفوكليس، «ترويض الشرسة» لويليام شكسبير، «كانديدا» لبرناند شو، «الجريمة والعقاب» لجبريل آرو، وغيرها، وازدهرت فرق مسرح التليفزيون فى فترة الستيني وساهمت فى خلق جيل جديد من الفنانين والمخرجين والكتاب، وكانت هزيمة ١٩٦٧ انشق منها جيل الستينيات قدموا أعمالا عدة قاربت ٥٥ مسرحية خلال أعوام مسرح التليفزيون الثلاثة.

مسرحيون: «أبوالفنون» دافع عن مكتسبات الثورة وساند الرموز الوطنية
قال المؤرخ المسرحى الدكتور عمرو دوارة، إن المسرح قد ظل لسنوات طويلة رافعا راية الثورة ضد الظلم والطغيان ومطالبا بتغيير النظم الديكتاتورية، وكذلك داعيا لمساندة الرموز الثورية الوطنية والدفاع عن مكاسب الثورة، وقد كان ذلك واضحا أثناء دعمه ومساندته لثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، فقد تميزت السنوات الأولى التالية للثورة بنشاط ثقافى واضح وحيوية فنية حقيقية ومبادرات جادة من بعض الأدباء والفنانين لطرح بعض الأفكار الثورية والقضايا الاجتماعية، فقاموا بتقديم تلك العروض المسرحية التى تتسق مع مبادئ الثورة، خاصة وقد شهدت هذه السنوات تحقيق بعض الأهداف الهامة وفى مقدمتها تحقيق الاستقلال التام والعمل على تحقيق الأحلام القومية، كما شهدت محاربة الفساد وبداية مشروعات الخطة الخمسية والإصلاح الزراعى وتشجيع الصناعات الوطنية.
وتابع دوارة: كان رد الفعل الإيجابى لتلك الإنجازات أن شهدت هذه الفترة أيضا بعض المبادرات المسرحية الجادة لكشف وفضح مفاسد العصر البائد، وتأكيد منجزات الثورة والدعوة لحماية مكاسبها، والتعبير عن الإيمان بتوجهاتها القومية العربية، كما تضمنت هذه المبادرات بعض الدعوات الجادة والشجاعة لتوجيه وتصحيح مسار الثورة، ومواجهة ديكتاتورية وقهر مراكز القوي، مؤكدا أن فرقة «المسرح الحر» التى تأسست فى سبتمبر ١٩٥٢ كانت أولى الفرق التى عمدت إلى تقديم مسرح مختلف يتناسب مع أفكار ثورة يوليو المجيدة، ولذا فقد اتسمت أول عروضها بالطابع الوطنى الحماسي، وذلك حينما بادرت بتقديم الأرض الثائرة، والرضا السامي، وكان من الطبيعى أن يتأثر كبار كتاب المسرح بالمفاهيم الثورية والتغيرات الجذرية التى حدثت بالمجتمع المصرى فشاركوا بالتزامهم الفكرى فى تقديم بعض الأعمال الهامة التى تسجل انجازات الثورة وتكشف الفروق الكبيرة بين الماضى والحاضر، وفى مقدمة هؤلاء الرائد المبدع توفيق الحكيم الذى قدم مسرحية «الأيدى الناعمة» والذى تعد تجسيدا غير مباشر للشعار الذى أطلقته الثورة حول أهمية العمل «العمل شرف.. العمل حق.. العمل واجب.. العمل حياة».
وأوضح دوارة، أنه عند قيام ثورة يوليو ظهرت مجموعة من شباب الأدباء المثقفين الموهوبين المشاركين فى النضال ضد المستعمر من أجل تحقيق الاستقلال، والنضال من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية، فقامت قيادات الثورة باحتضانهم ومنحهم الفرصة كاملة للمشاركة الإيجابية، فنجحوا فى تسخير مواهبهم الأدبية لمساندة أهداف الثورة والدعوة إلى المشاركة فى تحقيقها، وفى مقدمة هؤلاء الأديب الكبير «نعمان عاشور» الذى يعد رائد الواقعية الحديثة بالمسرح المصرى حيث قدم نصوصه باللهجة العامية، وقدم شخصياته الدرامية من خلال نماذج حقيقية للطبقة المتوسطة، فنجح من خلال خماسيته الشهيرة «الناس اللى تحت»، «الناس إللى فوق»، «عيلة الدوغري»، «بلاد بره»، «الجيل إللى طالع» فى أن يقدم نقدا لاذعا للمجتمع، كما أظهر تعاطفه وانحيازه إلى تلك الطبقات المهمشة الفقيرة التـى تكالبت عليها سطوة السلطة والطبقات الغنية، بينما أسهم الكاتب الكبير «ألفريد فرج» فى الدعوة لتحقيق الديمقراطية وتأمين حق المواطن فى المشاركة السياسية وذلك من خلال مسرحية «حلاق بغداد» وخاصة الجزء الثانى «زينة النساء» حينما طلب الحلاق من الخليفة «منديل الأمان» لكل أفراد الرعية، كما ساهم بمسرحياته فى الترويج لفكرة التأميم والعدالة الاجتماعية والدعوة إلى تطبيق المفاهيم الإشتراكية ومن بينها على سبيل المثال «على جناح التبريزى وتبعه قفة»، «عسكر وحرامية»، هذا وتعد مسرحيته «بالإجماع+١» أكبر دعاية ومساندة لثورة يوليو وزعيمها «جمال عبدالناصر».
كنا نجح الأديب سعد الدين وهبة، بمجموعة نصوصه الأولى «المحروسة»، «كفر البطيخ»، «السبنسة»، «كوبرى الناموس» والتى تدور جميع أحداثها الدرامية فى فترة ماقبل الثورة مباشرة فى إدانة العهد الملكى البائد وكشف مفاسده السياسية ومظالمه الاجتماعية وخاصة فى الريف المصري، إضافة إلى قائمة الأديب يوسف إدريس الذى استطاع أن يقدم من خلال بعض نصوصه «جمهورية فرحات»، «ملك القطن» عام١٩٥٦ صورة حقيقية وواقعية للريف المصري، وهى صورة مخالفة لتلك الصورة الرومانسية التى سبق تقديمها من خلال بعض الأعمال الأدبية والفنية، كما يحسب للأديب يوسف إدريس، أنه ظل فى كل أعماله محافظا على فكرة البحث عن حياة أفضل تضمن للإنسان الحرية والعدالة الاجتماعية، تلك الفكرة التى قامت عليها مسرحيته «جمهورية فرحات»، وقد تكاملت هذه الرؤى مع أعماله المسرحية بعد ذلك ليوضح فى «الفرافير» مدى بشاعة العلاقة الدائمة بين كل من «السيد»، «الفرفور»، وغيرهم من الكتاب والمبدعين، بينما استطاع الشاعر القدير صلاح عبدالصبور فى رائعته «مأساة الحلاج» أن يؤكد على محاولات «الحلاج» لإصلاح واقع عصره بالوقوف إلى جوار الفقراء من العامة ومساندته لهم فى تحقيق آمالهم ومطالباتهم بتطبيق العدل الاجتماعي، مع بيان دوره فى مواجهة الطغاة والمستغلين، وبالرغم من أن المسرحية استلهام لأحداث تاريخية إلا أن مؤلفها قد نجح فى الاستلهام الواعى لحياة «الحلاج» وتأكيد دوره الاجتماعي، إلى جانب مشاركات الكاتب محمود دياب من بينها «المعجزة»، «البيت القديم»، «الزوبعة»، «ليالى الحصاد»، إضافة إلى مشاركات الشاعر عبدالرحمن الشرقاوى وأهمها «الأرض»، «الفتى مهران»، فكل هذه المسرحيات التى تم ذكرها هى مجرد نماذج مشرفة ومضيئة ساهمت فى تسجيل الحقائق وشحذ الهمم لحماية الثورة.


ومن جانبه قال الكاتب المسرحى الكبير، محمد أبوالعلا السلاموني، إن ثورة يوليو لها فضل كبير على المسرح، وخاصة مسرح الستينيات الذى نتج عن هذه الثورة والتى اتجهت فى مجالات متخصصة فى السياسة، والاقتصاد، والفن، والثقافة وغيرها، ويكفى أنها أنشأت وزارة الثقافة المصرية التى أعطت دفعة قوية للفنون والآداب بشكل عام، إضافة إلى مجلس الفنون والآداب الذى يطلق عليه حاليا المجلس الأعلى للثقافة، وكذلك مصلحة الفنون التى يديرها يحيى حقى وظهر بها الفنون الشعبية وتراثها الشعبي، فهذه الثورة أعطت دفعة قوية للفنون.
وأضاف السلاموني، أن المسرح القومى كان يترأسه أحد رجال الثورة وهو أحمد حمروش، الذى استطاع بقيادته الحكيمه واستراتيجيته الإدارية حل كافة الخلافات القائمة بين الفنانين وبعضها فى ذلك الوقت، مؤكدا أن المشكلة الحقيقة للمسرح تقع فى ضعف إدارته، والإدارة الحكيمة هى أساس تنظيم العمل الفني، ودائما رجل الجيش يمتلك رؤية واستراتيجية جيدة، لأنهم يدرسونها فى كلياتهم العسكرية، مشيرا إلى ثروت عكاشة الذى استطاع بفضل استراتيجيته الحكيمة أن يبدع ويضع أساسا للبنية التحتية لوزارة الثقافة.
وأكد السلاموني، أن سبب نجاح الزعيم جمال عبدالناصر، أنه كان معلما فى الكلية الحربية، ولديه رؤية استراتيجية ناجحة تؤدى إلى التقدم، حيث ازدهرت فى عهده كافة المجالات السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والفنية، مضيفا أن الظابط أحمد حمروش، شهد المسرح فى عهده نهضة مسرحية كبيرة، دعا خلالها الكتاب المصريون من بينهم محمود تيمور، نعمان عاشور، سعد الدين وهبة، وغيرهم بعمل مسرحى شهريا يختلف عن الآخر وهذا ما جعل المسرح يزدهر فى عهده، مشيرا إلى الفنان محمود الحدينى عندما تولى قيادة المسرح قد طلب منه عرض مسرحى بعنوان «الثأر ورحلة العذاب» فى فترة السبعينيات وأخرجه عبدالرحيم الزرقاني، كانت عن امرئ القيس، فكان المسرح يقدم فى تلك الفترة ١٢ عرضا مسرحيا يقدم شهريا طوال العام، مؤكدا أن مديري المسارح فى فترة الستينيات وما بعدها كان النص المسرحى من أهم أولوياتهم وهذا ما نفتقده فى الوقت الراهن.