الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

استراتيجية بريطانيا بالخليج العربي بين المواجهة الرادعة والتأهب الحذر.. لندن ترفض المشاركة في التحالف البحري العالمي.. ووزارة الدفاع: انتشار «دانكان» يسهم في حماية ناقلات النفط البريطانية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شهدت الآونة الأخيرة حالة من التوتر بين القوى الدولية والإقليمية فى منطقة الخليج العربي، باستهداف طهران لناقلات النفط العُمانية والسعودية والإماراتية، ثم توالت هذه الانتهاكات فى مياه الخليج العربى باعتراضها لناقلة النفط البريطانية، من قبل ثلاث سفن لدى مرورها من الممر الملاحى عند مصب الخليج العربى «مضيق هرمز»، إلا أنها انسحبت مع تزايد حدة التحذيرات القادمة من البحرية الملكية البريطانية. فى المقابل نفى الحرس الثورى الإيرانى وقوع أى حادث فى المضيق.
وتهدف طهران من هذه السياسة العدائية استهداف الدول الغربية والإقليمية، وبخاصة النفطية، لإلحاق الضرر بها، مع نشر حالة عدم الاستقرار فى المنطقة، الأمر الذى سينعكس على أسواق الطاقة وارتفاع أسعارها، نتيجة رفع معدلات التأمين على الشحن، وذلك لتهديد الدول المستهلكة للنفط فى أوروبا بشكل غير مباشر، بأنها قد تخسرها بسبب الضغوط الاقتصادية المفروضة من قبل البيت الأبيض، علاوة على كونها سياسة ضغط على الدول الأوروبية على وجه التحديد.



الردع البريطانى لطهران

رفعت المملكة المتحدة المستوى الأمنى للسفن البريطانية فى الخليج العربى إلى أعلى مستوى التهديد، أو «الحرج»، الذى يعنى وجود خطر وشيك بحدوث هجوم على سفينة المملكة المتحدة، وفقًا لقانون الأمن الدولى لمرفق السفن والموانئ.
كما سترسل المدمرة الحربية «إتش إم إس دانكان» بعد أن أكملت دورة تدريبية مع قوات حلف شمال الأطلسى فى البحر الأسود، لدعم الفرقاطة «إتش إم إس مونتروز»، التى تعمل فى الخليج العربي، وستخضع لصيانة وتغيير طاقمها، لدعم حرية الملاحة للسفن التى تمر عبر ممر الشحن الحيوي.
والجدير بالذكر، أنها لن تشارك فى التحالف البحرى العالمى المقترح من قبل الإدارة الأمريكية لحماية الشحن فى المنطقة، إلا أن وزارة الدفاع البريطانية أوضحت، أن انتشار «دانكان» سيسهم فى ضمان وحماية ناقلات النفط البريطانية فى المنطقة، التى تمر فى منطقة الخليج، التى بلغ عددها أكثر من ١٥ ناقلة بريطانية.
تزامنت تلك الإجراءات مع تنامى التهديد الإيرانى للسفن البريطانية، وسعى القيادة فى طهران إلى محاولة الانتقام من المملكة، بعد احتجاز قوات المارينز الملكية البريطانية الناقلة الإيرانية (جريس ١)، قبالة ساحل «جبل طارق»، وهى منطقة بريطانية تقع على الطرف الجنوبى لإسبانيا.
وقد أوضحت المملكة، أن الناقلة تم احتجازها لانتهاكها قوانين الاتحاد الأوروبى ضد شحن النفط إلى ميناء فى سوريا، فيما أكد «جيرمى هانت» وزير الخارجية، أن بريطانيا لا ترغب فى التصعيد ضد طهران، إلا أنه من حق المملكة حماية طرق الشحن الحيوية من أى تهديد محتمل، مع إمكانية الإفراج عنها حال الحصول على ضمانات كافية بأنها ليست متوجهة نحو دمشق.
فى المقابل، أنكرت طهران أن الناقلة كانت فى طريقها إلى سوريا، ووعدت المملكة المتحدة بـ «عواقب» محتملة على هذه الأفعال، وطالبت البحرية البريطانية بالإفراج عن ناقلة النفط الإيرانية، وأوضح «عباس موسوي» المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، أن احتجاز الناقلة يعد شكلا من أشكال «القرصنة»، لأنه «احتجاز غير قانوني»، موضحا أن بريطانيا تتبنى نفس السياسات المعادية التى تنتهجها واشنطن، وهو ما وصفه بأنه أمر غير مقبول.
وهنا لا بد من توضيح نقطة مهمة، هى أنه على الرغم من أن الدول الأوروبية لم تنسحب من الاتفاق النووى مثل الولايات المتحدة الأمريكية، ولم تتبن سياسة العقوبات تجاه طهران، إلا أن هناك عقوبات مفروضة بالفعل من قبل الاتحاد الأوروبي، تهدف إلى منع بيع النفط للحليف الإيرانى «سوريا».



النهج الأمريكى تجاه التجاوزات الإيرانية

تحولت الإدارة الأمريكية منذ تولى الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب»، فى تعاطيها مع إيران بشكل عام، تجسد فى الانسحاب من الاتفاق النووي، مع إعادة سياسات العقوبات على صادرات النفط، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية الداخلية، وعليه فقد بدأت طهران فى انتهاج سياسات هجومية عدائية من خلال عدد من الإجراءات الاستفزازية، منها التعدى على ناقلات النفط فى الخليج، وضرب المطارات فى بعض الدول باستخدام أذرعها السياسية، فضلًا عن إعادة تخصيب اليورانيوم متجاوزة الحد المنصوص عليه فى الاتفاق (٥+١) فى عام ٢٠١٥.
وعليه؛ فقد أعلنت الإدارة الأمريكية رغبتها فى تشكيل تحالف بحرى لمرافقة السفن فى المنطقة، بجانب ما قامت به واشنطن من إرسال بعض القوات العسكرية إلى المنطقة، لتأمين طرق التجارة والملاحة الدولية، من أى تهديد محتمل، حيث أرسلت الآلاف من القوات وحاملة طائرات وقاذفات بى ٥٢ ذات القدرة النووية، وطائرات مقاتلة متطورة إلى الشرق الأوسط.
الأمر الذى أدى إلى إثارة الجدل حول إمكانية تصاعد الصراع بين طهران والقوى الدولية مثل واشنطن، بعد الهجمات المتكررة على ناقلات النفط بالقرب من مضيق هرمز، علاوة على هجمات المتمردين المدعومين من إيران فى اليمن على المملكة العربية السعودية وإسقاط طائرة عسكرية أمريكية دون طيار.
على الجانب الآخر، أوضحت القيادة الإيرانية، رغبتها فى فتح المفاوضات، لتجنب الصدام مع واشنطن، عبر الوساطة الأوروبية التى يقودها الرئيس الفرنسى «إيمانويل ماكرون»، موضحة رغبتها فى التفاوض بشأن العقوبات مقابل الالتزام ببنود الاتفاق النووي.



استراتيجية المملكة للمواجهة

تسعى القيادة البريطانية فى انتهاج سياسة أكثر اتزانًا مع طهران، خاصة فيما يتعلق بسياساتها العدائية، مع رفض التصعيد العسكري، باعتبار أن الحل الدبلوماسى والسياسي، سيظل محور الارتكاز لحل أى توترات محتملة فى المستقبل.
وفيما يتعلق بحركة التجارة العالمية من الممرات الدولية، وبخاصة ناقلات النفط، فقد أوضحت الحكومة البريطانية رغبتها فى تأمين طرق النقل البحرى من أى تهديد، مع حماية الأمن البحرى فى منطقة الخليج، وعليه فإن عمليات إعادة التمركز والانتشار للقوات البريطانية فى المنطقة لم تكن وليدة اللحظة، ولكن تم التخطيط لها مسبقًا، كما أن المملكة تمتلك أكثر من ١٥٠٠ فرد متمركزين بشكل دائم فى المنطقة، إلى جانب العديد من سفن البحرية الملكية وبعض الطائرات العسكرية الأكثر تطورًا.
وفى هذا السياق، أعلنت بريطانيا عن رغبتها فى إجراء محادثات مشتركة مع الولايات المتحدة الأمريكية بشأن إعادة التمركز والانتشار العسكرى فى منطقة الخليج العربي، دون اللجوء إلى التصعيد العسكرى للتصدى للتهديدات الأخيرة، بما يدعم الاستقرار فى المنطقة، بجانب مشاركة بريطانيا مع الدول الأوروبية فى إنقاذ الاتفاق النووي، على خلفية اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبى فى بروكسل منتصف الشهر الجاري، لدعوة إيران للتراجع عن قرارها بزيادة النسب المخصصة للتخصيب، والالتزام ببنود الاتفاق، للالتفاف على العقوبات الأمريكية، من خلال تجنب استخدام الدولار فى التعاملات التجارية، عبر استخدام «إينستاكس».
ختامًا؛ ترفض الدول الأوروبية السياسة الإيرانية المعادية لهم فى مناطق نفوذهم الاستراتيجية، إلا أنهم ما زالوا راغبين فى التعاون والحوار بدلًا من الصدام معها على غرار واشنطن، تجنبًا من فشل الاتفاق بشكل نهائي، وخروج طهران على السيطرة.