السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

بعد تأزم الملف النووي.. الموقف الأوروبي بين المطرقة الأمريكية والسندان الإيراني

ايران وامريكا
ايران وامريكا
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
دخل ملف الأزمة النووية بين طهران وواشنطن مرحلة حرجة من تطوراته في خضم التجاذبات السياسية وتباعد المواقف الأمريكية والإيرانية وعدم قدرة الدول الأوروبية على الحسم، بعدما خلُص وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي خلال اجتماعهم في بروكسل مؤخرًا، إلى استحالة الالتفاف على العقوبات الأمريكية، وبالتالي ضآلة في التجاوب مع ما تطلبه طهران.
ولذا يجد الأوروبيون أنفسهم بين المطرقة الأمريكية والسندان الإيراني، فهم من جهة غير قادرين على انتزاع تنازلات من إيران لتسويقها لدى واشنطن، وإقناعها بتجميد بعض عقوباتها، وفي المقابل فإنهم عاجزون عن دفع طهران للعودة إلى الالتزام ببنود الاتفاق، من غير مقابل تقبله طهران.
عمليًا، يُراد من طهران أن تضع حدًا لانتهاكاتها التصاعدية للاتفاق النووي وربما التراجع عن بعضها في مرحلة أولي مثل تخصيب اليورانيوم أو زيادة مخزونها منه. وبالمقابل، فإن المطلوب من واشنطن أن تجمد بعضًا من عقوباتها مثل السماح لإيران بتصدير كميات محددة من النفط مباشرة إلى بلدان كانت معفية حتى نوفمبر من العقوبات مثل: الصين والهند، أو عبر الآلية المالية الأوروبية "إنستكس".
معضلة الموقف الأوروبي:
تكمن معضلة الموقف الأوروبي في عدم قدرتها على إقناع واشنطن بتخفيف فرض العقوبات على إيران ولم تطور دول الاتحاد الأوروبي آلية محددة لتجاوز تلك العقوبات، وفي نفس الوقت عدم تقديم إيران أي تنازلات من شأنها تحفيز واشنطن على استمرار العمل بالاتفاق النووي، ومن هنا حذرت كل فرنسا وألمانيا وبريطانيا، الموقعة على الاتفاق النووي مع إيران عام 2015 من انهيار الاتفاق، ودعت إلى وقف التصعيد والعودة إلى المفاوضات، ليرد الرئيس الإيراني حسن روحاني بتكرار شروط طهران السابقة للدخول في حوار مع واشنطن.
وقالت الدول الأوروبية الثلاث، في بيان مشترك: "نحن قلقون من خطر تقويض الاتفاق تحت ضغط العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة، وبعد قرار إيران عدم تنفيذ كثير من البنود المحورية في الاتفاق"، وأكد البيان "انزعاج الدول الثلاث من الهجمات الأخيرة في منطقة الخليج وخارجها"، وشدد على أن "المخاطر تستدعي من كل أطراف (الاتفاق) التوقف للنظر في التداعيات المحتملة للإجراءات التي اتخذتها".
وثمة محددات تحكم مستقبل الاتفاق النووي خلال الفترة القليلة القادمة، الأول: قدرة الأوروبيين على تطوير الآلية المستقلة التي تسمح لهم بالتعامل التجاري مع إيران والتجاوز عن تأثير العقوبات المالية الأمريكية، الثاني: أن تقتنع إدارة الرئيس ترامب بأن وجود الصفقة التي تمنع إيران من مواصلة أنشطتها النووية أفضل من عدمه لأمن المنطقة والعالم، الثالث: حدود الموقف البريطاني تحديدًا خاصة مع تولي رئيس وزراء جديد خلفًا لتيريزا ماي، وأن المرشح الجديد يميل إلى الموقف الأمريكي من أجل تسريع وتيرة التوصل لاتفاقية تجارة حرة بين واشنطن ولندن، أما المحدد الأخير وهو جدوى وفاعلية الوساطة الفرنسية التي يقوم بها الرئيس ماكرون.
ووفقًا لتقارير، تبدو فرنسا الأكثر انغماسًا في البحث عن مخرج لأزمة البرنامج النووي الإيراني والتوتر المتصاعد في الخليج بين الولايات المتحدة وإيران، بسبب رغبة الرئيس إيمانويل ماكرون في لعب دور الوساطة في ملف بالغ التعقيد.
ورغم زيارتين محدودتي الفاعلية لكبير مستشاريه الدبلوماسيين السفير إيمانويل بون لطهران، فإن ماكرون أكد أنه عازم على الاستمرار في وساطته للمحافظة على الاتفاق النووي، موضحًا أنه سيتواصل برؤساء إيران والولايات المتحدة وروسيا.
وينبع حرص الرئيس الفرنسي على الاستمرار في لعب دور الوسيط والمفاوض من أجل تلافي أي شكل من أشكال التصعيد في المنطقة أو انهيار الاتفاق مع إيران، من أن طهران لا ترفض الوساطة الفرنسية بل تريدها، وهي الرسالة التي نقلها روحاني إلى المبعوث الرئاسي الفرنسي في زيارته الثانية لطهران الأسبوع الماضي.
ومع ذلك فإن إيجاد آلية أوروبية من شأنها العمل على تبريد التوتر والتوصل إلى جمع الطرفين إلى طاولة المفاوضات، تبدو مسألة صعبة ومعقدة في ظل تصلب إيراني واستنكاف أمريكي، فقد اتهم المرشد الأعلي علي خامنئي، الأوروبيين بعدم الإيفاء بأي من تعهداتهم، وهي ذات التهديدات التي يرددها الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته جواد ظريف والمسئولون الآخرون الذين يربطون تراجعهم عن هذه الانتهاكات بقدرة الأوروبيين على تمكينهم من الالتفاف على العقوبات الأمريكية وخصوصًا تصدير كميات من نفطهم والاستفادة من الدورة المالية العالمية. أما التفاوض مع واشنطن فإنه مشروط إيرانيًا بتراجع الأمريكيين عن العقوبات وعما تعتبره طهران "حربًا اقتصادية" عليه، في حين ترفض واشنطن "الشروط" الإيرانية.
بريطانيا مع من؟
حتى تنجح أوروبا في جهودها لانقاذ الاتفاق النووي من الانهيار وبلوغ صفقة ناجحة بين الطرفين الأمريكي والإيراني، فإن الدول الثلاث: فرنسا وبريطانيا وألمانيا يجب أن تظل مواقفها موحدة، ولكن ربما تتغير الأمور من وصول رئيس وزراء بريطاني جديد أكثير ميلًا للإدارة الأمريكية، وليست أزمة احتجاز بريطانيا لناقلة النفط الإيرانية "جريس 1" تنفيذًا لمطالب أمريكية في إطار تشديد العقوبات على إيران، ليست سوى مؤشر من مؤشرات الميول البريطانية للموقف الأمريكي.
وثمة تطوران آخران يؤثران سلبًا على الموقف الأوروبي: الأول يتناول انعكاسات توقيف الأكاديمية الإيرانية - الفرنسية الباحثة فريبا عدلخاه، على دور الوساطة الفرنسية واندفاع فرنسا لإنقاذ الاتفاق ومساعدة طهران. والثاني يدور حول رغبة إيران في انتظار ما ستسفر عنه الوعود الأوروبية التي بقيت وعودًا ولم تجد طريقها للتنفيذ، إذ منحت طهران في السابع من يوليو الحالي، الجانب الأوروبي مهلة إضافية من 60 يومًا من أجل الوفاء بتعهداته، وإلا فإنها ستتخلى عن التزامات إضافية متوجبة عليها وفق الاتفاق النووي.
إزاء هذه التعقيدات وهذا الانسداد السياسي للأزمة، لم يتبق في أيدي الأوروبيين سوى ورقة واحدة ترغيبية وهي الآلية المالية التي أطلقت في يناير الماضي، لكنها لم يتم تفعيلها حتى اليوم.
كانت بريطانيا وفرنسا وألمانيا قد أعلنت عن تفعيل الآلية الأوروبية للتبادل التجاري مع إيران، في خطوة تهدف إلى التخفيف من العقوبات الأمريكية على إيران، والمعروفة إعلاميا باسم "إنستكس"، وتعني أداة دعم الأنشطة التجارية، وتسمح الآلية الأوروبية للشركات بالتبادل التجاري مع إيران رغم العقوبات ولكن وفق شروط محددة. والتي من أهمها، أن يقوم التبادل التجاري على نظام المقايضة، أي مبادلة النفط الإيراني بأموال أوروبية تصرف فقط على الأدوية والمواد الغذائية في إيران.