الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ثورة يوليو وافتراءات البعض

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نحتفل هذه الأيام بالعيد السابع والستين لثورة 23 يوليو 1952، تلك الثورة التى غيرت الواقع المصرى فى كل اتجاهاته ومناحيه وأثرت بشكل مباشر فى الواقع العربى بل فى إعادة ترتيب القوى الدولية حين ذاك، فالثورة، أى ثورة، أو أى حدث كبير يُحدث تغييرًا جذريًا فيما حوله، وهنا لا بد أن نناقش هذه الثورة وذاك الحدث حسب معطيات الواقع السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى داخليًا، إضافة إلى الواقع الإقليمى والعالمى المؤثر فى الحدث وفى نتائجه، فلا يمكن أن نقيم ثورة يوليو بإيجابيها وسلبياتها بمقاييس واقع نعيشه الآن فى العقد الثانى من القرن الحالي، فلا الواقع هو الواقع ولا المعطيات ذات المعطيات، حتى لو كانت هناك أشياء تتشابه. 
كما أن أى ثورة تقوم بتغيير الواقع المعيش تغييرًا جذريًا للأحسن ولصالح الأغلبية الغالبة من الجماهير لا بد وأن يكون لها من يؤيد وفى ذات الوقت من يعارض، والتأييد والمعارضة هنا يكون حسب حجم المكاسب وقدر الخسارة لكل طرف من هذه المعادلة، فلا توجد ثورة أو نظام سياسى يمكن أن يتوافق عليه ويتفق حوله الجميع بلا استثناء، وهنا يأتى السؤال الهام كى نصل لحكم سياسى وموضوعى على ثورة يوليو وهو هل كانت الثورة ونتائجها فى صالح الغالبية من الشعب المصرى أم كانت لصالح الأقلية الحاكمة والمتحكمة والمستغلة للبشر والحجر؟ لا شك كانت الثورة لصالح الأغلبية وليست فى صالح تلك الأقلية التى لم تكن تتعدى نسبة النصف بالمئة من الشعب المصري، الأقلية التى كانت تملك وتسيطر وتتحكم وتتواطأ مع الفساد والمفسدين سعيًا لمصالح ذاتية، ولذا رأينا، وما زلنا نرى حتى الآن، تلك الطبقة التى تسعى طوال الوقت للتأقلم مع كل عصر ومع كل نظام بهدف تحقيق المصالح، والغريب هنا أن هذه الطبقة لم تكن من المعاصرين لثورة يوليو من الناحية العمرية بل منهم الكثيرون الذين استفادوا وآباؤهم وأجدادهم من الثورة، ولكن الإشكالية ليست فى ثورة يوليو ونتائجها وما حققته على كل المستويات حتى أصبحت أيقونة الثورات فى العالم كله، ناهيك عن ثورات الشعب المصرى فى 25/30، فالإشكالية فى معاداة روح الثورة ومبادئها وقيمتها التى عبرت عن الضمير الجمعى المصري، ولا زالت تعبر، فى الاستقلال ورفض التبعية وتحقيق العدالة الاجتماعية عملًا ونظرًا وليس قولًا ونظرًا، فكل من لا تروق له هذه المبادئ يصبح من الطبيعى أن يعادى ثورة يوليو تحت ادعاءات كاذبة وافتراءات مخجلة. 
هنا رأينا وما زلنا نرى بقايا جماعة الإخوان وهى تعادى يوليو، وهذا معروف دوافعه ومدرك أسبابه، التى تعود إلى سياسة الاستحواذ والأخونة التى لا تعرف الجماعة غيرها، أما الغريب فهو أن هناك قطاعا من المصريين المسيحيين وبإيعاز ممن يسمون بأقباط المهجر، من بعض القائمين بأمريكا وتوابعها، والذين يفتخرون بأمركتهم وانتمائهم لمنظمات دولية تستغل ما يسمى بحقوق الانسان وحقوق الأقليات الدينية لكنهم فى الأساس بسياستهم الأمريكية سيظلون رافضين ليوليو ومبادئها،حيث إن هذه المبادئ ستظل ضد سياستهم ومصالحهم الاستراتيجية فى المنطقة التى يأتى على رأسها مصلحة إسرائيل، فهؤلاء أقنعوا بعض المسيحيين بأن ثورة يوليو كانت ضد الأقباط شكلًا وموضوعًا، وهنا نريد أن نناقش الأمور بموضوعية سياسية وتاريخية فى إطار الواقع الذى كانت فيه ثورة يوليو، فهؤلاء يدعون أن الثورة أممت ممتلكات ومصانع الأقباط. نعم. ولكن هل كان التأميم لممتلكات الأقباط دون سواهم من المصريين؟ وهل كان التأميم لصالح طبقة من الشعب دون باقى الطبقات؟ والإجابة هى أن هناك مغالطة تتم على أرضية طائفية بامتياز بمعنى أن المدعى بهذه الأقاويل يصور الأمر أن القبطى الإقطاعى أو الرأسمالى الذى أُممت ممتلكاته وكأنه هو كل الأقباط وبنفس المستوى الاجتماعي، وهذه نظرة طائفية لا زالت حتى الآن، ولكن بالتقييم السياسى والموضوعى نرى أن ممتلكات الأقباط المؤممة وممتلكات المسلمين المؤممة هى ملك لصاحبها وهو فقط المستفيد منها ولا علاقة سياسية أو طبقية بباقى الطبقات من فقراء الأقباط والمسلمين، فأنا كمصرى مسيحى لو فرضنا أن هناك مالكا مسيحيا يملك كل شيء فما علاقتى به طبقيًا ومصلحةً وأنا لا أملك غير دخلى الذى أعيش وأتعايش به؟! كما أنه وهذا هو الأهم هل كانت مكاسب الثورة للفقراء والمعدومين والطبقة المتوسطة من الشعب المصرى ككل أم كانت للمسلمين دون الأقباط؟ وهل أضير الفقير ومتوسط الدخل من الأقباط بتأميم ممتلكات بعض الأقباط أم استفاد من الثورة وما حققته للجميع؟ فالثورة وزعت الأراضى المؤممة على كل من يستحق من المصريين، الثورة علمت بالمجان وعالجت بالمجان كل المصريين، الثورة قامت بتعيين الخريجين، بعد المساوة بالمجموع بين كل الشعب من خلال مكتب التنسيق، عن طريق القوى العاملة. 
مكاسب الثورة هى التى أحدثت نقلة نوعية اجتماعية لكل الفقراء المصريين من أبناء الشعب المصري، أما على المستوى الطائفى فمرحلة الثورة كانت من أهم المراحل التى لم تشهد أحداثًا طائفية مثل ما شاهدناه بعد ذلك، ناهيك عن علاقة عبدالناصر والبابا كيرلس المميزة ووضع حجر الاساس للكاتدرائية بالعباسية وما تم بافتتاحها. 
هذا هو المناخ وتلك هى المكاسب التى نرى ظلالها وتكرارها وتأكيدها الآن وبعد 30 يونيو من تحقيق المواطنة الحقيقية على أرض الواقع، تلك المواطنة التى لمسها الجميع، وبعضها تجلى فى ضرب داعش فى ليبيا ثأرًا لقتل الأقباط المصريين وافتتاح الكاتدرائية الجديدة مع مسجد الفتاح العليم فى العاصمة الإدارية فى مشهد سيظل يتحدث عن مصر والهوية المصرية الجامعة التى تؤرق كل من لا يريد لمصر الخير. حمى الله مصر وشعبها العظيم.