الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

مضيق هرمز.. بين مواجهة الإغلاق والأزمة الممتدة بين أمريكا وإيران.. تداعيات خطيرة للقرار على القوى الإقليمية.. وطهران لا يمكنها تحمل نتائج تنفيذ التهديدات

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يعد تخريب ناقلات النفط فى الخليج نافذة مهمة فى التفكير الاستراتيجى لإيران والقوى الإقليمية المماثلة لها. فهذه الحادثة جديرة بالملاحظة لأن الفعل التخريبى لعدد محدود من السفن لا معنى له نسبيًا عند النظر إليه من خلال عدسة الأنماط التقليدية للسلوك العدائي، فعادة ما تكون الأفعال من هذا النوع غير ذات قيمة فيما يتعلق بالحصول على تنازلات من خصم كبير، ولكن بشكل عام قد تكون هذه الأعمال بمثابة دليل واضح على استعداد الدولة للشروع فى تهديد آخر أكثر جوهرية، يتمثل فى إغلاق مضيق هرمز بشكل كامل.
وفى هذا السياق، أشار «سيدهارث كوشال» الباحث فى مجال السياسيات الدفاعية والأمنية بالمعهد الملكى للخدمات المتحدة ببريطانيا أن طهران غير قادرة على تنفيذ التهديدات التى طالما تلوح بها، فضلًا عن تحمل نتائجها، وهو ما لاحظه الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب».
ويشير الكاتب أنه إذا لم تستطع الجمهورية الإسلامية إغلاق مضيق هرمز، فما قيمة الأعمال العدائية والتهديدات التى تقوم بها؟ تقر بعض الحجج بأنه من الممكن أن تؤدى التهديدات الإيرانية إلى ارتفاع فى أسعار النفط، لكن يرى الكاتب أن ذلك لا يمكنه أن يضر بالبلدان الإقليمية، التى تصنف بين أكبر الدول المنتجة للنفط فى العالم، فضلًا عن أنها ليس من المحتمل أن يكون لها آثار سلبية على الوضع الاقتصادى للولايات المتحدة الأمريكية، التى باتت تعد لاعبًا كبيرًا فى سوق الطاقة.
كما أن قرار الإغلاق الكامل لمضيق هرمز سيكون له تداعيات خطيرة على القوى الإقليمية، لاسيما تجارة النفط التى تعتمد على المضيق بنسبة ٩٠٪ من صادراتها النفطية، ولكن الحقيقة أن طهران لا يمكنها تحمل تداعيات تنفيذ هذه التهديدات، ولكن التهديدات تجعل الموقف أكثر تقلبًا بطريقة قد تعرض بعض مصالح الخصم للخطر.
ويشير الكاتب إلى أن الدول الصغيرة يمكنها عن طريق الرعب النووى تأمين الدعم والتنازلات من خصومها عن طريق تهديد مصالحهم وإشعارهم بالخطر، فعلى سبيل المثال، حافظ العديد من شركاء الولايات المتحدة الأمريكية فى الحرب الباردة على قدرات الاختراق النووي، لأن التهديد الذى يمثلونه على برنامج واشنطن لمنع الانتشار النووى ساعد فى ضمان الدعم الأمريكى المستمر، لأن صانعى القرار الأمريكيين ظنوا أن التنازلات الأمنية للحلفاء ستمنعهم من اتخاذ المزيد من الخطوات الجذرية لضمان أمنهم فى ظل الرعب النووي.
ومن ناحية أخري، تتبع إيران استراتيجية تحفيزية تجاه الدول الأوروبية فيما يتعلق بالرغبة المشتركة فى الاحتفاظ بـ JCPOA؛ وتسير السياسات على جبهتين، التهديد الذى يلوح فى الأفق بإمكانية العودة إلى تخصيب اليورانيوم فوق الحد المسموح، وقدرة طهران على توليد طفرات فى سعر النفط التى من شأنها أن تؤثر على دول الاتحاد الأوروبى إلى حد كبير. لذا، فليس من المستغرب أن تتصاعد الاستفزازات الإيرانية مع الشركاء الأوروبيين فيما يتعلق بآليات تخفيف العقوبات مثل آلية الدفع INSTEX التى يمكن للشركات الأوروبية من خلالها إجراء معاملات تجارية مع طهران بعملة رقمية غير الدولار.
مخاطر محدودة
يلفت الكاتب إلى أنه بينما تحتفظ البحرية الإيرانية والحرس الثورى بالقدرة على تعطيل النقل العابر عبر مضيق هرمز، نظريًا، لكن تحليل سيناريو محدد يوضح أن قدرة إيران على تحقيق هذه الغاية مبالغ فيها، فعلى سبيل المثال، ستحتاج الجمهورية الإسلامية إلى ما لا يقل عن حوالى خمسة آلاف لغم بحرى لإغلاق مضيق هرمز الذى يبلغ طوله ٢٥ كم، كما ستواجه الغواصات من طراز IRINs Kilo عوائق كبيرة للتنقل فى هذه المياه.
ويقر البعض الآخر أنه بدلًا من ذلك، يمكن أن تعتمد القوات الإيرانية على أسطول الحرس الثورى الإيرانى من القوارب الصغيرة أو السفن المدنية لتحقيق هذه الغاية لكنها ستواجه صعوبة فى حشد العدد اللازم من السفن للقيام بذلك فى فترة زمنية قصيرة.علاوة على ذلك، بالنسبة إلى قنوات الشحن القابلة للاستخدام التى تمتد على مساحة ٢٠٪ فى عرض المضيق، فإن هذا سيتطلب تركيزًا متواضعًا يبلغ حوالى مائتى لغم لكل قناة، ولفتح المضيق للشحن على المدى القصير، ستحتاج الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى فتح قناة شحن أو أكثر وليس إزالة كل الألغام الإيرانية فى المنطقة.
يمكن لإيران محاولة تعطيل جهود كاسحة الألغام باستخدام الصواريخ المضادة للسفن مثل C-٨٠٢ الصينية التى تطلق من قاذفات الشواطئ أو أسطول الـ IRGCN من قوارب الصواريخ الموجهة. ومع ذلك، فإن إطلاق الصواريخ يتطلب استهداف بيانات من رادار ضعيف قائم على الشاطئ، الأمر الذى من شأنه أن يكثف من حدة الصراع فى المضيق.
علاوة على ذلك، فإن خصائص بيئة التشغيل الخليجية لا تفضل إطلاق الصواريخ؛ حيث إن صواريخ كروز الموجهة بواسطة الباحثين عن الحرارة والأشعة تحت الحمراء والتى تعتمد على الفوارق بين انبعاثات جسم ما ودرجة حرارة الخلفية ستؤدى إلى إرباك حسابات طهران فى ظل الظروف المناخية الخليجية وستواجه صعوبة فى الاقتراب من أهداف بعينها مثل أوعية إزالة الألغام أو السفن المدنية.
كما ستفقد الصواريخ الموجهة بالرادار فعاليتها وسط البيئة المزدحمة بالخليج، والتى تتميز بوجود ظواهر طبيعية مثل المد والجزر ومنصات النفط والتى تحتوى جميعها على مقطع عرضى كبير للرادار بما يكفى لتحويل الصواريخ.
ويجادل البعض بأن إيران لا تحتاج إلى إيقاف تدفق النفط عبر الخليج بالكامل، فإن مجرد تدمير ما يكفى من السفن للشركات التجارية لتجنب المرور بالمضيق أو إضرار شركات التأمين عن طريق رفع أقساط التأمين إلى مستويات معادية للتجارة. ومع ذلك، إذا لم تكن هناك سابقة تاريخية، فإن الاستنزاف المستمر للسفن التجارية قد لا يحقق ذلك.
فعلى سبيل المثال، استمرت حركة المرور عبر الخليج جزئيًا خلال حرب ناقلات النفط الإيرانية –العراقية، لأن شركات النقل البحرى تم تعويضها عن الخسائر التى لحقت بالسفن، مما فرض على العملاء أسعارًا أعلى عند التسليم نظرًا لارتفاع الأسعار على خلفية المخاطر التى تم تحملها، حيث كان هذا هو الحال فى سيناريو تمكن فيه كلا الطرفين من فرض تكاليف كبيرة على الشحنات لفترة طويلة، وهو أمر من غير المرجح أن يكون عليه الحال إذا حاولت إيران إغلاق مضيق هرمز اليوم.
ومن الواضح أن التهديدات التى تقوم بها طهران فى مضيق هرمز لا قيمة لها بالنسبة لواشنطن، لكن أفعال الإكراه المحدود عادة ما تكون منطقية عندما تعتبر فقط كإشارة على استعداد الفرد لاتخاذ خطوة تصاعدية أكثر إذا تم استفزازه بصورة كبيرة، وبالنظر إلى مدى ضعف وضع إيران لتنفيذ مثل هذا التهديد بصرف النظر عن نواياها، فمن غير الواضح أن الخطوات القسرية المحدودة تخدم هذا الدور.
استئناف المواقف التحفيزية
يمكن فهم السلوك الإيرانى المزعزع للاستقرار فى المضيق المتمثل فى اعتراض وتخريب ناقلات النفط فى خليج عمان والقيام باستفزازات مماثلة ضد الشحن فى الموانئ فى دولة الإمارات والبنية التحتية النفطية فى السعودية على أنه أكثر منطقية إذا تم النظر إليها على أنها وسيلة لتحفيز الدعم من الدول التى لها مصلحة فى تخفيف الحد الأقصى لاستراتيجية الضغط والحفاظ على خطة العمل المشتركة الشاملة(JCPOA).
ففى الأشهر الأخيرة، تحركت مجموعة E٣ لطمأنة إيران بأن مصالحها الاقتصادية المشروعة ستكون محمية من العقوبات الأمريكية إذا التزمت بـالـ JCPOA، وتوجت هذه العملية بزيارة وزير الخارجية الألمانى «فرانك فالتر شتاينماير» إلى طهران للتفاوض بشأن INSTEX، وهى عبارة عن آلية دفع تسمح للشركات الأوروبية بالتجارة مع إيران دون الدولار. ومع ذلك، تتمثل نقطة الضعف الحاسمة فى هذا النهج فى قلة الشركات التى لها استعداد للتضحية بالتجارة مع الولايات المتحدة من أجل إيران، فى الوقت الذى لا تستطيع فيه الدول الأوروبية إجبار الشركات التابعة لها على ذلك.
نتيجة لما سبق، يبدو أن القادة والمشرعين الإيرانيين يشعرون بالإحباط بسبب عدم إحراز تقدم فيما يتعلق بتخفيف الضغوط المفروضة من قبل واشنطن، مع رفض «آية الله خامنئي» المبادرة الأوروبية باعتبارها «مزحة مريرة». وعلى هذا النحو، يبدو أن إيران اتبعت استراتيجية تحفيزية ذات شقين؛ يتمثل الأول فى تقديم مهلة نهائية للشركاء الأوروبيين بغرض التوصل إلى مزيد من الضمانات الجوهرية إذا كانوا يريدون أن تستمر الصفقة. أما النهج الآخر فيتمحور حول الهجمات المتقطعة فى الخليج، والتى لديها القدرة على التسبب فى ارتفاع أسعار النفط وعدم اليقين فى الاقتصادات الأوروبية.
استراتيجيات القوى الإقليمية
يشير الكاتب إلى أنه رغم أن التهديد المباشر تجاه القوة العظمى نفسها لا معنى له فى معظم الحالات، لكن جيوش القوى الصغيرة والمتوسطة يمكنها أن تخدم غايات سياسية بعينها. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يؤدى الضغط غير المباشر ضد الدول الأوروبية إلى تكثيف المعارضة السياسية والاستراتيجية للقوة العظمى.
بيد أن الأحداث فى مضيق هرمز هى انعكاسات لقضية أوسع -الفجوة السياسية بين الولايات المتحدة وشركائها - فى سياق الخلافات السياسية الجوهرية على جانبى المحيط الأطلسي، ومن هنا تحاول إيران الضغط على هذه النقطة، على أن تتمثل القضية الأكثر أهمية من الناحية النظرية فى الفرصة الاستراتيجية التى تدركها الجهات الأضعف طالما أنها تعتقد فى قدرتها على تعزيز التنافس بين القوى الكبرى لتحقيق غايات خاصة. فى النهاية: تعد الجهود المبذولة لزيادة هذه الانقسامات، والتى من المحتمل أن تصبح أكثر شيوعًا فى عصر تعدد الأقطاب، والتى يمكن أن تتخذ أشكالًا متعددة من خلال تطوير القدرة على الاختراق النووى أو تهديد نقاط بعينها مؤثرة بشكل كبير فى حياة كثير من الدول، كما أن أعمال الإكراه المحدودة فى مضيق هرمز، والتى من المحتمل أن تستهدف -وإن لم يكن بشكل مباشر-أوروبا، هى من الأعراض وليس الأسباب.