الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أفكار «فاجنر» الموسيقية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كان النمط الفكرى الشائع فى القرن التاسع عشر- فى ميدان الفلسفة- هو النمط القلق المضطرب، ولم يكن من المستغرب على الإطلاق أن تظهر نماذج لمفكرين يدعون إلى الفردية المطلقة، أو إلى الفوضوية، أو إلى القومية الضيقة الأفق؛ إذ إن اضطراب التفكير وعدم استقراره كان أمرًا طبيعيًا فى عصر انتقل فيه العالم الغربى من حياة قديمة إلى حياة جديدة، دون أن يدرك المعالم الكاملة لتلك الحياة الجديدة أو يستكشف أبعادها الحقيقية.
وفى مجال الموسيقي، شهد النصف الثانى من القرن التاسع عشر تطورًا كبيرًا فى فن الأوبرا، إذ تحولت الحركة الرومانتيكية - التى كانت تدعو إلى إزالة الفوارق بين الفنون - إلى مرحلة جديدة سميت بـ«الرومانتيكية الجديدة»؛ وهى مرحلة ترمى إلى استيعاب الأوبرا لكل فروع الموسيقى الأخرى. غير أن الأوبرا الرومانتيكية الجديدة تجسدت فى أعمال المؤلف الموسيقى الألمانى الشهير «ريتشارد فاجنر»، الذى كان وراء هذا التحول بفضل روحه الثورية المعارضة وقدرته على استيعاب تجارب الآخرين وتطويرها. كما أوضح ذلك الباحث على عبدالله فى مقاله: «جدلية العلاقة بين الموسيقى والدراما: فاجنر وبريشت نموذجًا».
لقد كانت شخصية «فاجنر» فريدة من نوعها، تحمل صفة الفنان الشامل الذى جمع عناصر التعبير الموسيقى المسرحي، كما احتوت عبقريته التطور الموسيقى الذى خلفه «بيتهوفن»؛ فضلًا عن الأساطير والفلسفة الألمانية التى طابقت فكره ومشاعره، وعكست على موسيقاه عناصر القوة والعاطفة الحادة المتطرفة. لقد دارت رسالته الموسيقية حول ارتباط الفنون وتكاملها فى وحدة حقيقية متجسدة أى وحدة فكر وحركة وتعبير. وقد صرح «فاجنر» بأن الكلمة ليست سوى وسيلة لنقل الأفكار والاتصال بالناس، إلا أن تأثيرها لا يكتمل إلا بموسيقية الصوت البشرى وبالنظرة وبالإشارة، حتى تكون لها إمكانية نقل المضمون الفكرى والحسي؛ وحتى تؤدى غرضها بفاعلية وتكامل وثراء.
ويعتقد «فاجنر» أن العمل الفنى الشامل يشمل عناصر التكوين والتأليف والإنتاج، ومثل هذه التركيبة للفنون لا يمكن إنجازها إلا من قِبل شخص واحد يقوم بمهمة تأليف الكلمات والموسيقى، ويجب أن يتحكم بجميع العناصر فى الإنتاج المسرحى عند تقديم العمل. وهذا ما طبقه فعلًا فى الدراما الموسيقية، وقد تمكن «فاجنر» - فى أعماله الأخيرة - من أن يخضع الموسيقى لأدق تفاصيل أفكاره المسرحية المنبثقة من النص والمضمون الدرامي، تاركًا أسلوب الأغنية الأوبرالية المسبوقة بالإلقاء المنغم، التى كانت تشكل عنصرًا مهمًا فى نجاح الأوبرا التقليدية؛ وجعل من الأغنية جزءًا لا يتجزأ عن النص الشعرى والحركة المسرحية وموسيقى الآلات والأصوات، ولا يتجزأ عن سائر عناصر الدراما الأخرى من: كورال وباليه ومناظر وديكور وإضاءة - كما أوضح ذلك يوسف السيسى فى كتابه: «دعوة إلى الموسيقى».
كان «فاجنر» شاعرًا فيلسوفًا، كتب نصوص أغلب الأوبرات الخاصة به، كما صمم الكثير من مناظرها إلى جانب كتابة موسيقاها. وكان هو نفسه وحدة درامية موسيقية تاريخية فريدة، لكنه تفوق على نفسه بوصفه مؤلفًا موسيقيًا. وقد حقق بهذه الوحدة الفنية آمال أسلافه مثل «جلوك» (أبو الأوبرا الألمانية)، الذى سبقه بقرن كامل من الزمان، وكانت أحلامه أيضًا تتركز فى فكرة توحيد عناصر الأوبرا وربط أفكارها الموسيقية بالمسرحية.