الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

على باب الله.. عم صبحى وعابرو السبيل وقدح الشاى

عم صبحى
عم صبحى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وكأنك تجرى تطاردك الحياة، تهرب منها فى الشوارع وتتخفى فى وجوه الناس ثم ترفع عينيك فتراهما ترصدانك دون رحمة، تعاود الركض لسنوات وتعاود الكرة فلا تجد جديدًا، ينبح عليك الكلاب فى هذا الشارع ويقذفك الأشرار فى شارع آخر، وتتعثر قدماك فى ثالث، ثم تجد فى إحدى نوبات الحظ العسير لحظة هدوء والتقاط أنفاس، لحظة تشرب فيها جرعة ماء وتطرح على نفسك سؤالا: «لماذا كل هذا الركض؟»
لم يكتسب عم صبحى وابنه الهدوء وراحة البال عن علم، لم يعملا ويدفعا مقابلهما مالًا، إنما هى منحة أعطتها لهما السماء منذ البدء، تلك المنحة التى فى ظاهرها تفسر على أنها فقر لكن باطنها ستر وتوفير، ركض دون جدوى فى الحياة، نسمة هواء وقدح من الشاى وبضعة أمتار خلفهما يقتاتون منها أيا كان خٍراجها، ليس زهدًا.. فالزهد يكون مع الوفر.. لكنه ليست هناك مصاريف.. لا انتقالات.. لا سيارات.. لا طموحات خارج حدود القرية.. جدول كان ضمن وصية الإرث.. فجرًا الذهاب للحقل.. ظُهرًا النوم فى القيلولة.. عصرًا الركوة وقدح الشاى والعمل فى الأرض.. ليلًا صلاة العشاء ثم النوم.. وهذه هى محصلة الحياة، البعض يلومون عليهما لكن فى مٌجمل الحسبة يكسب عم صبحى وبجدارة.. فهو لم يفعل حسنة لكنه لم يرتكب سيئة، كتابه به خط السير هذا فقط، ودائرة معرفته بالكاد يُضاف لها شخص أو شخصان إلى أسرته، بما معناه لا لعنات ستطارده بعد وفاته.. لا ذكريات كثيرة سيختلف عليها المشيعون.. لا جدال ولا صخب ولا ضجيج.. هؤلاء هم الذين يرحلون فى سلام دون أن تنال منهم شيئًا الحياة، ودون حتى أن يدركوا أنهم فعلا الصواب فى تلك الرحلة القصيرة التى ربما على طول وقتها للبعض لا تعدو سوى ارتشاف قطرات من الشاي، مجموعة على «باب الله» كانت ضيوفًا بالصدفة على عم صبحي، الذي لم يسألنا على أسمائنا ولم يهتم أننا نصوره.. لم يسأل أى سؤال فقط قدم لنا الشاى كأى عابر سبيل مر عليه.