الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

محمود صلاح يكتب: حكاية الملاية اللف.. السفاح يفشل في ارتداء ملابس امرأة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لم تكن الإسكندرية فقط، بل القاهرة ومصر كلها، التى أصيبت فى تلك الأيام بما يمكن أن يقال عليه.. «جنون السفاح»!

ربما لم يكن محمود أمين سليمان لصًا عاديًا، وربما كان لصًا خطيرًا ذكيًا، لكن الظروف وخيانة الأحباء والأصدقاء، هى التى حولته إلى مجرم خطير يبحث عن الانتقام.

أما الصحافة فهى التى ـ بالتأكيد ـ أشعلت نار حمى المطاردة والاهتمام. والصحافة أيضًا هى التى أطلقت عليه اللقب الذى لازمه حتى النهاية.. لقب السفاح!

 

مثيرة.. ساخنة.. مليئة بالتفاصيل الإنسانية، كانت مذكرات «نوال» زوجة محمود أمين سليمان، لكن قمة الإثارة كانت فى أنها نشرت أثناء هروب زوجها، وفى الوقت الذى كان يطارده فيه كل رجل شرطة فى مصر!

روت «نوال» فى هذه المذكرات كيف تعرفت بمحمود، وكيف تزوجا، وكيف تعرف إلى المحامى بدر الدين أيوب الذى أصبح مستشاره القانوني، ثم ما حدث عندما سافرت إلى القاهرة لحضور جلسة فى المحكمة مع زوجها الذى كان محبوسًا.

وفى قاعة المحكمة.

سمح عسكرى الحراسة لمحمود أمين سليمان بأن يرفع قيوده الحديدية ليسلم على زوجته ويدخن سيجارة.

لكن فجأة.. اختفى محمود وسط الزحام.

هرب!

وتكمل «نوال» فى مذكراتها ما حدث فتقول:

فوجئت بالعسكرى يمسك بذراعي.

- وهو يصرخ: لن أتركك حتى يعود زوجك الهارب!

وكنت مذهوله مما حدث.

- وقالت غادة أخت محمود للعسكري: ذنبها إيه مراته؟ روح دور عليه أحسن!

ويبدو أن العسكرى اقتنع.

فقد تركنا وذهب ليسلم نفسه إلى قسم الشرطة بدلًا من زوجى الهارب!

وذهبنا إلى بيت خالتي.

كنت مضطربة.. لماذا يعرض محمود نفسه للمتاعب دائمًا؟ لماذا يهوى الهروب من الشرطة؟

وفجأة دق جرس الباب.

ووجدت محمود أمامي!

- قلت فى ذهول: مين محمود؟

قال لي: أيوه، أنتم كنتم فين، أنا رجعت تانى عند قسم الشرطة فلم أجدكم!

وجلسنا نتحدث حديثًا كله قلق، فلم تعد أعصابى تحتمل، وبعد عشر دقائق فقط دق باب الشقة، وكانت طرقات عنيفة، وفتحنا لنجد العسكرى الذى هرب منه محمود! ولم نعرف كيف جاء خلال هذه الفترة البسيطة!

واستقبله محمود بابتسامة!

- وقال له: معلش أنا عارف إنى سببت لك المتاعب، لكنى حنزل معاك.

ونزل محمود مع العسكري.

وأنا فى ذهول مما أراه.

وفى الشارع مشى العسكرى بجوار محمود هادئًا مستسلمًا. لكنه بعد دقائق.. أخذ يصرخ!

فقد اختفى محمود مرة أخري.

هرب من العسكرى مرة أخرى خلال نصف ساعة!

وكاد العسكرى أن يجن.

وأخذ يجرى فى أى تجاه.

ومحمود يجري وتفكيره يجري!

ودخل محمود أحد البيوت، دخل شقة وجد بابها مفتوحًا، وصرخت صاحبة الشقة فطلب منها ألا تصرخ. وقال لها: سوف أعطيك خمسة جنيهات.. فقط! اسكتى عدة دقائق!

وقال لها إنه هارب من الجندية والشرطة تبحث عنه، واقتنعت السيدة لا أدرى هل أشفقت عليه أم أشفقت على الخمسة جنيهات المنتظرة؟!

■ ■ ■

ودق العسكرى باب الشقة.

وقال لصاحبتها إنه رأى لصًا يدخل بيتها، فقالت له إنها لا تعرف شيئا مما يقول ورجته ألا يعطلها عن أعمال المنزل! لكن العسكرى لم يقتنع.

اتصل بشرطة النجدة وحضر رجال الشرطة وحاصروا المنطقة وصعدوا إلى الشقة وبدأوا فى تفتيشها وصاحبتها تنكر وجود أحد.

لكنهم عثروا على محمود تحت السرير!

وأخذوه وبدأ التحقيق معه فى نيابة الوايلي، وقررت النيابة الإفراج عنه بكفالة خمسة جنيهات.

لكن لم يكن معنا نقود!

فذهبت إلى محل موبليات صاحبه يعرف محمود، وطلبت منه خمسة جنيهات لأنقذ زوجي، وخلعت البالطو الفرير وأعطيته للرجل، وفى النيابة عندما سددت الجنيهات الخمسة، وجدت محمود أمامى رجلًا حرًا بلا قيود. وتوسلت إليه باكية وأنا أطلب منه أن نعود إلى الإسكندرية وأن ينهى كل ذلك.

لكنه قال لى إننا سنقضى أسبوعًا فى القاهرة للاستجمام. - قلت له: إحنا مفلسين!

ضحك فى وجهي. - وقال: ولايهمك.. حنزل فى أحسن لوكاندة.. أسهل حاجة فى الدنيا الواحد يلاقيها الفلوس! ونزلنا فى اللوكاندة.

وبدأت الفلوس تجرى فى يدى محمود، لا أدرى كيف؟ لكنه كان يعود كل يوم معه عشرات الجنيهات، وكان ينفقها ببساطة، وكأنه يذهب إلى بنك يسحب من رصيد لا ينتهى أبدًا! كان يخرج فى الصباح وليس معه مليم واحد. ثم يعود ليوزع البقشيش بالجنيهات!

وكنت أسأله عن مصدر هذه النقود، فيقول لى إن أصدقاءه يقرضونه أى مبلغ يطلبه.

وتمنيت لو أستطيع تصديقه!

■ ■ ■

وعدنا إلى الإسكندرية

وبدأنا نستقبل وفود المهنئين بخروج محمود من السجن. وحضرت أختى وزوجها للتهنئة، وفوجئت بمحمود يطردهما من المنزل بعنف، ويطلب منهما الخروج فورًا، وخرجا، وعندما بكيت.

صرخ فى وجهي: أنا عندى عقدة من أهلك، لقد أبلغوا الشرطة عني، وإذا كنتى عايزة تروحى معاهم، مع السلامة، بره! هكذا ببساطة طردني.

وسلمت أمرى لله، وارتديت ملابسي، ودموعى تغرق وجهي، وقررت الخروج.

الخروج ليس من المنزل، وإنما من حياة محمود كلها! لكن أمه سارعت بالتدخل.

- وقالت له بانفعال: خلاص يامحمود، بعد كل اللى عملته معاك تطردها من بيتك بدل ما تقول لها كلمة حلوة، هو ده رد الجميل؟ هو ده ثمن العذاب اللى عاشت فيه وأنت فى السجن تطردها من البيت؟

وهدأت ثورة محمود..

نفذت كلماته أمه إلى قلبه.

واقترب منى يصالحني.

وبكيت. فارتمى على صدري.

ورأيت دموعه!

■ ■ ■

وفى الصباح قال لى إنه مضطر للسفر إلى القاهرة فورًا، فلم أعترض! وعرفت أنه لن يهدأ، وسيعود للسرقة من جديد، اقتنعت أن السرقة تجرى فى دمه، مثل الكرات الحمراء والبيضاء.

وأعددت له ملابسه وقلبى يتمزق!

وسافر محمود..

سافر وقلبى يخفق على مصيره المؤلم المجهول.

- وعاد بعد أسبوع..

عاد يحمل نقودًا كثيرة، لا حساب لها، وانتقلنا إلى شقة جديدة فى الإبراهيمية، وبدأت زيارات المحامى بدر الدين لنا، كان يسهر معه كل ليلة حتى الصباح فى الكازينوهات والبارات.

- وتوطدت العلاقة بين أسرتينا.

وذت يوم اقترض محمود خمسة جنيهات من المحامى بدرالدين وسافر إلى القاهرة، وعندما عاد ردها له خمسين جنيها. - سألته: ليه كده يا محمود؟

قال: معلش يا ستى دى هدية بسيطة للمحامى بتاعنا، غلبان!

■ ■ ■

- وجاء يوم شم النسيم..

واقترح المحامى بدر الدين أن نقضيه معًا، أنا وزوجي، وهو وزوجته وجدان، وفى ذلك اليوم شربنا كثيرا من الخمر وأكلنا، ودفع محمود كل المصاريف ولم يكن بدرالدين يضع يده فى جيبه أبدًا.

وفى الفجر سافر محمود إلى القاهرة.

وعند منتصف الليل اتصل تليفونيا بالمحامى بدرالدين، وطلب منه أن يبلغنى بضرورة سفرى إلى القاهرة فورًا، وأن يعطينى خمسة جنيهات للسفر، وأنه سوف ينتظرنى فى اللوكاندة، وركبت قطار الصحافة إلى القاهرة فى الحال.

وكنت أعرف أن محمود يطلبنى عندما يشعر بأنه فى خطر! وعندما وصلت إلى اللوكاندة لم أجده، لقد تأخرت عليه، فخشى أن أكون حضرت بتاكسى وحصلت لى حادثة فى الطريق الصحراوي، فأخذ تاكسى إلى الإسكندرية، وظل يسأل جميع نقط المرور فى الطريق، وعندما وصل إلى الإسكندرية علم أننى سافرت إلى القاهرة بالقطار، فعاد بنفس التاكسى ولحق بى فى اللوكاندة بالقاهرة.

وفى ذلك اليوم..

قبلته كثيرًا، وتأكدت أنه يحبنى بجنون.

ونظرت إليه فى دهشة.

فقد كان يبدو مثل أولاد الذوات، بدلة جديدة فخمة، ساعة جديدة، كل شيء جديد، وسألته عن سر استدعائى بسرعة، وبأننى ظننت أنه فى ورطة، لكنه طمأننى وقال لى إنه قرر قضاء فترة طويلة فى القاهرة، وأنه يحتاجنى بجانبه.

وتحدث محمود بالتليفون إلى المحامى بدرالدين فى الإسكندرية.

وعرض عليه الحضور إلى القاهرة مع زوجته لقضاء إجازة معنا وجاء بدرالدين وزوجته، ونزلنا فى اللوكاندة على حسابنا طبعًا. وطلبت زوجته أن تذهب إلى الكوافير، ودفع محمود الحساب، وبدأنا نسهر مع ليالى القاهرة، ليلة فى المقطم، وليلة فى صحارى سيتي. وكانت الجنيهات تنهال من جيب محمود.

وقضينا عشرة أيام فى القاهرة، رأينا خلالها ألف ليلة وليلة!

■ ■ ■

وعدنا إلى الإسكندرية..

وجاءنا ضيف من لبنان اسمه كامل، وهو ابن خال زوجي، وأقام فى منزل حماتي، ولاحظ محمود أن ابن خالته هذا يعاكس أخته غادة، ويتسلل ليغازلها فى المطبخ. ومحمود مصاب بمرض الشك.

قال لى إنه يشك فى وجود علاقة بين أخته غادة وابن خاله الضيف، لكن غادة نفت وجود هذه العلاقة، لكن محمود صمم على معرفة السر، فاختبأ تحت السرير وبدأ يراقب ما يحدث!

وكانت غادة وكامل وحدهما فى الشقة!

وشاهد محمود أخته تقع على الأرض، وشاهد ابن خاله كامل يرفع غادة بين ذراعيه لينقلها إلى السرير ثم يجلس بجوارها. ولم يحتمل محمود.

فدخل عليهما فجأة، وانهال بالضرب بقسوة على غادة، وطرد كامل من البيت، لكن أمه ثارت من أجل ابن شقيقها. - وقالت له: عيب يا محمود، إيه الكلام الفارغ ده؟ - لكن محمود رد عليها فى ثورة: كامل لازم يسيب الإسكندرية حالا ويرجع لبنان!

وفى هذه الليلة حدث شيء لم نكن نتوقعه!

■ ■ ■

خرجنا ذاهبين إلى مكتب المحامى بدر الدين.

وانتهز اللبنانى كامل ابن خال محمود الفرصة وعاد إلى البيت. وقال لوالدة محمود إنه ذهب إيه فى اللوكاندة وهدده بالقتل، وتركه على أن يعود بعد ساعة لقتله! وصرخت حماتي.

وصدقت ابن أخيها. - وقالت: لازم نبلغ الشرطة حالًا! وذهبت بالفعل مع كامل وقدما بلاغا فى قسم الشرطة ضد محمود، وفى لحظات كانت شرطة الإسكندرية كلها تبحث عن محمود!

ذهبوا إلى بيتنا فلم يجدوا أحدًا!

وكنا فى هذه اللحظة عند المحامى بدرالدين، نأكل «كببية» اشتراها محمود، ولم نكن نعلم بما حدث، وكان يجلس معنا المهندس محمود أمين صديق المحامى بدر الدين. ودق جرس الباب. وقام المحامى بدرالدين ليفتح الباب، وليجد رجال الشرطة أمامه. - سأله ضابط المباحث: فين محمود أمين سليمان؟ - رد المحامى بدرالدين: مش موجود! لكن رجال الشرطة أصروا على تفتيش الشقة، فخرج لهم المهندس محمود أمين.

- وقال لهم: أنا محمود أمين.

- سأله الضابط: تشتغل إيه؟

- قال: مهندس.

- قال الضابط: لا، إحنا عايزين محمود أمين سليمان! وكانت لحظات حرجة..

وقف المهندس محمود أمين يتحدث مع رجال الشرطة، وعاد إلينا المحامى بدرالدين. وطلب من محمود أن يختفى داخل الدولاب، لكن محمود رفض.

- وقال له: بلاش يا بدر، يمكن يجيبوا تصريح من النيابة ويلاقونى فى الدولاب، تبقى مسئولية عليك!

■ ■ ■

واحتار المحامى بدر الدين.

ماذا يفعل ليتمكن من تهريب محمود وإنقاذه من الشرطة؟ وكان رجال الشرطة قد انصرفوا وأغلقنا باب الشقة، لكننا كنا نعلم أنهم ينتظرون محمود فى الشارع. وبدأ عقل المحامى يعمل بسرعة لإنقاذ محمود. وفجأة فرقع بأصابعه، وضرب رأسه بيده، لقد عثر على فكرة، ودخل إحدى الحجرات وأحضر ملاءة لف، وطلب من محمود أن يلف نفسه بها، وكانت الفكرة أن يخرج محمود متنكرا فى زى امرأة ترتدى الملاءة اللف! ولم يكن ممكنًا أن تشك الشرطة التى تحاصر البيت فى امرأة! وبدأنا التجربة.

لكن محمود فشل فى ارتداء الملاءة اللف!

وأخذ المحامى بدر الدين الملاءة وأخذ يلف نفسه بها حتى يتعلم محمود الطريقة.

لكن محمود رفض، وألقى بالملاءة على الأرض.

ثم صرخ فى وجه المحامى بدرالدين: لا يا بدر، مش حا ألبس ملاية، أنا دخلت هنا رجل، ولازم أخرج رجلًا! ومضى محمود نحو الباب.

وكلنا فى ذهول.. - وصرخنا فيه: حاسب يا محمود حاسب! لكنه أقفل الباب وراءه.

ونظرنا من النافذة. كانت الشرطة تحاصر البيت.

وخرج محمود من باب العمارة.

ليواجه رجال المباحث!

■ ■ ■

عند هذا المشهد المثير انتهت مذكرات «نوال» زوجة محمود أمين سليمان، وكان نشر هذه المذكرات وغيرها من الأخبار المثيرة، فقد حوله من مجرد لص ماهر إلى أسطورة يتحدث عنها الناس فى مصر! قالوا إنه داهية.. يختفى وكأنه شبح! وقالوا إنه أخطر رجل فى مصر!

ويبدو أن نشر مذكرات نوال لم يؤثر فقط فى الناس العاديين، ويبدو أن محمود أمين سليمان نفسه كان قرأ هذه المذكرات كل يوم فى جريدة «الأخبار»، وكانت المفاجأة أنه أرسل مذكراته الشخصية، التى دونها فى كراسة مدرسية إلى الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل رئيس تحرير «الأهرام»!

وقال السفاح فى رسالة بعث بها مع هذه المذكرات، إنه يقترح لها عنوانا «محمود أمين يتكلم بعد صمت طويل»! وقال إنه يقترح نشرها على حلقات أسبوعية، تنشر كل يوم ثلاثاء من كل أسبوع.

وفى هذه المذكرات. تحدث محمود عن زوجته نوال، وظروف زواجه منها، وحاول تحليل شخصيتها، وتحدث عن إخلاصه لها. لكنه نسب حوادثه وجرائمه إلى خيانة نوال له. وقالت «الأهرام»: مع أنه ارتكب ٥٨ جريمة.. قبل زواجه من نوال!

لكن الأحداث مضت بسرعة ساخنة مثيرة.

وبدأت الصحف تطالع الناس كل صباح بقصة مثيرة عن مغامرات السفاح..

وعن أسراره.

وعن صديقاته.

وعن الفنانات والفنانين الذين هددهم السفاح!