الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تركيا.. والحرب بالوكالة فى ليبيا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بعد أيام من هجوم داعش على بلدة الفقهاء الليبية، وفى الـ28 من أبريل الماضى تحديدًا، أعلن أردوغان لحليفه فائز السراج زعيم ميليشيات وعصابات طرابلس، تسخير كل إمكانيات تركيا لمنع ما سمّاها بـ«المؤامرة على ليبيا»، ليخرج فى اليوم التالى مباشرة أبو بكر البغدادى بتسجيل صوتى، بعد اختفاء دام 5 سنوات، يؤكد فيه امتلاك عناصر تنظيمية القدرات الكافية، لشن ما وصفها بـ«حرب استنزاف ضد الأعداء»، ويقصد الجيش الوطنى الليبى بقيادة المشير خليفة حفتر.
وعقب سقوط مدينة غريان فى يد عصابات السراج الإرهابية بسبب الخلايا النائمة، واضطرار الجيش للانسحاب التكتيكى وإعادة تنظيم صفوفه، هرول السراج إلى أنقرة، طالبا المزيد من الدعم، حيث وافق أردوغان على إمداده بثمانى طائرات تعويضا عن خسائره؛ وفى الوقت ذاته تقريبا ظهر تسجيل جديد لداعش يظهر مبايعة عشرات المقاتلين فى جنوب ليبيا لأبوبكر البغدادى، وقد تسلحوا بعربات الدفع الرباعى، وأنواع مختلفة من الأسلحة والصواريخ، وكرر التنظيم وعيده باستهداف قواعد وعناصر الجيش الوطنى الليبي.
قراءة تسلسل تحركات الرئيس التركى، وتنظيم داعش الإرهابى فى ليبيا، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن داعش أحد الوكلاء الرئيسيين لأردوغان فى الحرب على الشعب الليبي، لا سيما أن هناك تناغما واتفاقا فى تصريحات كل منها بشأن استهداف القوات المسلحة الليبية.
وكان ظهور أعلام داعش فى ميادين طرابلس، شاهدا على علاقة فائز السراج بالتنظيم، إضافة إلى انخراط بعض عناصره فى القتال داخل العاصمة؛ لكن يبدو أن التنظيم وفقا للمخطط التركى سيلعب دورا آخر فى مناطق الجنوب بهدف تشتيت جهود الجيش الليبى، والتأثير فى قدراته فى الحرب التى يخوضها لتحرير طرابلس.
ويوضح التسجيل الأخير أن عملية استعراض العضلات التى قامت بها عناصر التنظيم رسالة مفادها بأنه سيقوم بعمليات إرهابية كبيرة واسعة النطاق، وهو ما دفع الجيش الوطنى الليبى إلى إعلان حالة الاستنفار القصوى استعدادا للتصدى للهجمات الإرهابية المتوقعة.
تخفيف الضغط عن عصابات السراج وجماعاته الإرهابية ستكون المهمة الرئيسية لتنظيم داعش خلال المرحلة المقبلة، ولن ينقصه العتاد والرجال، بفضل الدعم التركى العلنى واللا محدود؛ فها هو أردوغان يجاهر بتسليح ميليشيات وعصابات طرابلس، دون أن ينطق المبعوث الأممى غسان سلامة ببنت شفة، بخلاف إرساله مئات العناصر الإرهابية من أدلب إلى طرابلس طبقا للعديد من التقارير الاستخبارية الدولية، ووفقا للرئيس الروسى فلاديمير بوتين، الذى كشف هذه الحقيقة أثناء لقائه الأخير برئيس الوزراء الإيطالى جوزيبى كونتى.
وعلاوة على الدعم التركى؛ فقد تحول تواجد التنظيم فى مناطق جنوب ليبيا إلى بؤرة جذب للمرتزقة والإرهابيين القادمين سواء من دارفور السودانية أو تشاد أو النيجر أو مالى، وربما حتى الجزائر وتونس بخلاف الملايين من قطع الأسلحة المتوسطة والثقيلة المتداولة فى دول الساحل، والتى بلغت طبقا للرئيس النيجيرى نحو 23 مليون قطعة سلاح جاءت كلها من ليبيا وحدها.
إعلان داعش استهدافه الجيش الوطنى الليبى دون غيره، يؤكد أن التنظيم يعمل بالتنسيق مع حكومة المليشيات فى طرابلس، نافيا بذلك كل ادعاءاتها بشأن محاربتها للإرهاب فى المحافل الإقليمية والدولية.
ولا يمكن لعاقل تصديق ما يقوله كل من السراج وأردوغان فى هذا الصدد، إذ لا سبيل لإرهابى إدلب للوصول إلى ليبيا، سوى تركيا التى تدير غرفة عمليات طرابلس لمواجهة قوات الجيش الوطنى الليبي.
فوفقا لبعض التقارير الدولية، يقوم ضباط أتراك بإدارة العمليات العسكرية والإشراف على الهجمات التى تشنها الطائرات التركية دون طيار لحين تدريب عناصر الميليشيات المسلحة على التحكم فيها، وليس من المستبعد أن تكون إيطاليا متورطة من خلال غرفتها المتواجدة فى طرابلس، والتى يقدم عناصرها من الضباط الإيطاليين مساعدات فى تحسين ما يسمونه بـ«الأوضاع الأمنية داخل العاصمة»، ناهيك عن شبه القاعدة العسكرية المتواجدة بالمستشفى الجوى فى مدينة مصراتة، وتضم نحو 400 ضابط إيطالى.
الشاهد على تورط روما مسارعة نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية الإيطالى ماتيو سالفينو إلى اتهام الجيش الوطنى الليبى، باستهداف مقر اللاجئين الأفارقة فى طاجوراء، والمطالبة بمحاسبة قيادات الجيش، إضافة إلى دفع روما بالوكالة الإيطالية للتنمية للعمل مع حكومة الميليشيات تحت غطاء تحسين الخدمات فور سقوط غريان.
كذلك كانت روما المحطة الأولى لفائز السراج بعد احتلال ميليشياته مدينة غريان قبل أن يتوجه إلى أنقرة مباشرة.
ولا يخفى على أحد أن الأطماع المشتركة لكل من إيطاليا وتركيا فى الثروات الليبية بدءا من حقول الغاز والبترول، خاصة بعد تحطم آمال أردوغان فى غاز شرق المتوسط، وصولا إلى ما أبرمته الدولتان من عقود أعمال مع حكومة السراج وما سبقها، هى التى تدفعهما للاشتراك فى الحرب الدائرة رحاها الآن ضد مصالح الشعب الليبى؛ بخلاف سعى أردوغان لضرب الأمن القومى المصرى، بعد خسارته فى معركة غاز المتوسط، وفقدانه حليفه السابق فى السودان عمر البشير.
ومع ذلك تبقى التساؤلات حول دور اللاعبين الروسى والأمريكى مفتوحة، فهل تحجم روسيا دورها لصديقها التركى، لا سيما بعد إشارة بوتين إلى وصول دواعش إدلب إلى ليبيا؟ وهل يتحرك ترامب ليحول دعمه السياسى والدبلوماسى للمشير خليفة حفتر إلى دعم لوجيستى من شأنه قطع الطريق على السفن والطائرات التركية إلى موانئ مصراتة وطرابلس؟! بالنهاية يبقى الدور الأكبر على القاهرة المتضرر الأول من انتشار تنظيم داعش الإرهابى فى مناطق الوسط والجنوب الليبي، وكذلك من توسع النفوذ التركى والإخوانى داخل أراضى جارتها الغربية.
وستكشف الأيام المقبلة ما أعدته الدولة المصرية من عدة دبلوماسية تضمن الحفاظ على أمنها القومى وتحقيق الانتصار للجيش الوطنى الليبى ليفرض سيادته على كامل الأراضى الليبية، وإحباط المخطط التركى القطرى ونزع سلاح الجماعات الإرهابية والميليشيات المسلحة.