الأربعاء 17 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عبور السياسات العالمية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«اهتمْ بالنواصي، والعوالى ستهتم بنفسها»، عنوان مقطع فى كتاب «ترامب فن الصفقة»، الذى صدر عام 1987. ويرسم العنوان، خريطة عبور الرئيس الأمريكى الأسبوع الماضى إلى «النواصي»، «كوريا الشمالية»، مباشرة عقب لقائه مع «العوالي» الرئيس الصيني. حدث ذلك فى قمة «مجموعة 20» فى أوساكا باليابان، وفيها نزل وحى التغريدة على ترامب، وأعلن قراره عبور المنطقة المنزوعة السلاح على الحدود بين الكوريتين، وفَرَشَ بذلك البساط، ولم يسحبه، تحت أقدام الواقع السياسى العالمي. وإذا كانت هذه كما يُعلقُ الليبراليون المعادون للرئيس الأمريكي، «خطوة ارتجالية»، فالارتجال مساهمة ترامب المعلنة فى السياسة الدولية والأمريكية الزاخرة بارتجالات تدّعى العكس. 
ولا يُقدِّر ترامب حق قدره كالرئيس الروسى بوتين، الذى تحدث فى لقاء مسهب مع صحيفة «فاينانشيال تايمز»، قبيل قمة أوساكا، عن خمسة رؤساء أمريكيين عاصرهم، وأعرب عن امتنانه للرئيس بل كلينتون، الذى عقد معه «علاقة شراكة ما»، وقال عن ترامب: «إنه ليس سياسيًا محترفًا، لكنه موهوب، ويملك حسًا مرهفًا جدًا بالرأى العام الأمريكي، وفهمًا دقيقًا للتغيرات التى حدثت فيه». ونصح بوتين بالبحث هنا عن ترامب، وليس ما سماها الإسطوانة المشروخة حول تدخل روسيا. وتحدث الرئيس الروسى عن دور العولمة فيما جرى، والتى يتم غالبًا تجاهل كيف حدثت، ومن استفاد منها، وقال: «أفضلُ من استفاد من العولمة الصين، التى استخدمتها لانتشال ملايين الصينيين من وهدة الفقر، لكن لم يستفد من العولمة فى أمريكا غير رؤساء وموظفى الشركات الكبار ورجال الأعمال، فيما لم تحصل على شيء الطبقة المتوسطة الأمريكية»، وذكر أن ذلك لم يفت ترامب. 
و«إذا فهمت كل شيء، يعنى أنك أسأت الفهم»، هذه الحكمة اليابانية قد تُطيّب خاطرنا إذا تعسّر علينا فهم ما جرى فى قمة «مجموعة العشرين» التى تأسست عام 1999 من ممثلى الدول الغنية. فمن يفهم كيف صار نكتة أخطر سؤال وجهه الإعلام الأمريكى إلى ترامب فى مؤتمره الصحفى المشترك مع الرئيس الروسى بوتين. والسؤال هو«أيها السيد الرئيس هل ستطلب من الرئيس الروسى أن يتوقف عن التدخل فى انتخابات الرئاسة؟» والتفت ترامب نحو بوتين، وكرر السؤال مرتين «لا تتدخل أرجوك»، وابتسم الرئيسان ابتسامة ماكرة. 
وأهم ما لا يمكن فهمه فى الأوضاع السياسية العالمية الراهنة، الحرب التجارية بين واشنطن وبكين. الرئيس ترامب أوضح عقب لقائه بالزعيم الصينى على هامش «قمة أوساكا»، أن المفاوضات التجارية حلّت محل الحرب التجارية، ولن يفرض أى تعريفة جمركية جديدة على السلع التجارية المستوردة من الصين، والتى بلغت 300 مليار دولار، وذهب حدّ الإعلان عن السماح للشركات الأمريكية بيع معدات إلى أكبر الشركات الصينية فى تكنولوجيا الاتصالات «هواوي»، ولم يمض شهر على وضع وزارة التجارة الأمريكية «هواوي» فى القائمة السوداء. 
والحِكم اليابانية هى الحكم الصينية منمنمة ومصقولة، وبينها «نحن نفهم القليل من النصر، ونفهم الكثير من الهزيمة». وكلا النصر والهزيمة اختلطا فى «قمة أوساكا»، مثل «الاقتصاد العالمي»، المسئول عن تقسيم البلدان إلى ثرية وفقيرة، و«التجارة والاستثمارات»، والتى تحقق الثراء لبعض البلدان على حساب بلدان أخرى، و«الإبداعات التكنولوجية»، وفى مقدمتها «العقل الاصطناعي» و«إنترنت الأشياء»، الذى يتوقع أن يجعل البشر الآليين يتحكمون بالعالم، ثم «البيئة والطاقة» وفيها «تغير المناخ» الذى يعتبره ترامب أكذوبة. 
وتقول الحكمة اليابانية «رؤية من دون فعل أحلام يقظة، وفعل دون رؤية كابوس». والكابوس وقوع جميع دول «مجموعة العشرين» على المحيطات، حيث عُثر أخيرًا على شواطئ جزر صغيرة فى المحيط الهندى اسمها «كوكوس»، ويقطنها 600 نسمة فقط على 414 مليون قطعة بلاستيك، تزن 238 طنًا، ونحو مليون حذاء و373 فرشاة أسنان، حسب تقرير نشرته مجلة العلوم «نيتشر». 

*نقلًا عن «الاتحاد» الإماراتية