الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حواديت عيال كبرت 105.. «إياك ومصاحبة العُرَة»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كنت في المرحلة الإعدادية إذ وقعت في قلبي زميلة موقع الحٌب، فنالني من السهاد ما أرق مضجعي، وصارعت البوح فغلبني، فأفصحت للسطور عن سري في خطاب ذيلته بكلمة "بحبك"، لم يهدأ لهيب صدري بتلك الفعلة، فما دامت لم تقرأ فلا جدوى من البوح، وكما يقولون إن في الحب شيئًا من الجنون، وها أنا فعلته وكتبت خطابي، لكني لم ألتفت إلا أن بقية القول أن في الجنون شيئًا من الحكمة، فواصلت كشف السر تحت مسمى «الفضفضة»، حكيت لصديقي عن الأمر، فتطوع أن يتولى مهمة تسليمها أول خطاب غرامي لي في حياتي، لكنه كان «ساعي بريد» غير آمين، فبدلا من أن يوصل الخطاب إليها، أوصله إلى جدتي، التي لم تكن قاسية معي إلا بقدر «قرصة أذن» قبل أن تنصحني بالنصيحة الأهم في حياتي: «إياك ومصاحبة العرة فإنه يأكل مع الذئب ويبكي مع الراعي»، لم أفهم الجملة حينها لكني حينما قابلت صديقي وقبل أن يسوق لي المبررات قذفتها في وجهه: «إنت عرة»، كنت أنا وجدتي ننطقها بكسر العين وبعد سنوات أدركت أن ما علينا نحن أن نكسرها لكن على من ابتٌلي بها، لقد عرفت من الناس كرامًا دلَّت طلائعهم على أنهم سيبلغون أسمى الأماني، فما لبثت أن أراهم والوقاحة تقتفي أثرهم. 
بعد موقف صديقي قابلت أشباهه كٌثر، وفي كل مرة كنت أقول لنفسي: «يجب عليك أن تقاوم نفسك عشرات المرات، عليك أن تتدرب على الضحك في يومك لتكون مرحًا كيلا يزعجك أحدا، لكن «العرة» في كل مرة كان يزعجني، حينما وشى لمدرس الحساب كذبا أن إجاباتي جميعها صحيحة لأنني آتي بها من نموذج الإجابات في ظهر الكتاب، أزعجني حينما تظاهر بالضحك وهو يٌخبر أمي أنني بعد حصة العربي لعبت الكرة مع بعض الزملاء وأنني أعطيت رغيفا كان معي لزميل لم يكن معه طعام، أزعجني حينما طلبت منه «صور المحاضرات قبل امتحان الجامعة وادعى أنه لم يكتب، ورأيته يراجعها على باب اللجنة»، أزعجني حينما طلبت منه حٌلته ورباطة العنق، لأرتديهما في مقابلة لعمل كنت تقدمت إليه، فرفض بدعوى أنها ضيقة، أزعجني حينما وشى لصاحب العمل بأنني مستهتر ونسب إلى نفسه ما أقوم به من مجهود فتضاعف راتبه ومازلت أقترض حتى أذهب للعمل، أزعجني حينما أشاع عني أني بغيض أكره الناس وهو يعرف أنني برغم كل ما فعله لا زلت أحبه، أزعجني جدا أنني حينما انقطع عن العمل عاودته وسألت عنه ونصحته لكنه بعدما عاد كانت هديته وضع ملعقة من الثرى في فنجان قهوتي المسائية التي أعشقه غير عابئ بٌجرم فعلته، أزعجني حينما أفصحت له أني أحببت أحدهن فسارع وعقد قرانه عليها ثم علقها كشهادة تخرجه على جدار منزله لا ليتباهي بها ولكن ليرى الحسرة في عيني وحينما لم يجدها ووجد إيثارا مني حطمها، أزعجني حينما صار بٌغضه وحشا لم يردعه نُصح ولم تستميله فضيلة ولم يوقظ ضميره معروفا، فبغض نفسه ومن حوله ثم طعن وطنه في مقتل.
وها أنا وبعد كل ما مر أقول لنفسي إياك ومصاحبة العٌرة فإلى عزلتك دون انتقاما فأنا لم أٌخلق لأكون صيادًا للحشرات، إنما خٌلقت لأٌبدع.. لأطير وأحلِّق فوق ذاتي، وأشعر أنَّ ملاكا يرقص في داخلي، فاصغوا إلي فأنا لم أتكلم بعد.. لم أكتب بعد.. فقط أنبش في قبور الصدور عن قلوب.. عن آذان من الممكن أن تسمع حتى لا يضيع مدادي هباء.